قبل عقد من الزمن، كان حوالي 2٪ فقط من سكان العالم يستخدمون Facebook، ولكن بحلول عام 2019 ارتفع هذا الرقم إلى ما يقرب من 30٪، ما يعادل 2.38 مليار مستخدم نشط شهريًا، إضافة إلى واحد مليار مستخدم Instagram و 330 مليون على Twitter يتفاخرون أيضًا بمتابعين بارزين. (Ortiz-Ospina2019)
أدى التوسع في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات إلى إنشاء سيناريوهات اتصال جديدة تنتشر فيها منصات وسائل التواصل الاجتماعية أو ما يعرف بالإعلام الاجتماعي ليقتحم حياة الناس اليومية كوسيلة للتفاعل، ويستحوذ على انتباه الأفراد كبارً وصغاراً، وأصبح استخدامه كمنصة اجتماعية ظاهرة شائعة لا غنى عنها للعلاقات والتواصل مع الأصدقاء والعالم الخارجي، مما أدى إلى تغييرات كبيرة في التفاعلات والممارسات الاجتماعية. فأصبح يطلق على الأجيال الجديدة التي ولدت ما بعد عام 2000 وهي منغمسة في الوسائط الرقمية، الجيل Z. بينما كان يطلق على الأجيال الذين ولدوا بين 1980-2000 وتميزوا باستخدام التقنيات الجديدة والإلمام بها جيل Y أو جيل الألفية Cubillas et al, 2017.
لذلك من المنطقي أن نقول إن منصات التوصل الاجتماعي تمثل اتجاهًا ثوريًا جديدًا ومؤثراً، يجب أن يكون محل اهتمام وكالات التنشئة الاجتماعية في عالم التغيير، لأنها تتيح التفاعل وتكوين العلاقات ومشاركة المعرفة وتحرير المحتوى وبالتالي تؤثر على التنشئة الاجتماعية.
منصات وسائل التواصل الاجتماعي. هي "مجموعة من التطبيقات المستندة إلى الإنترنت والتي تعتمد على الأسس الأيديولوجية والتكنولوجية للويب، وتسمح بإنشاء وتبادل المحتوى الذي ينشئه المستخدم، كما تسمح وتسهل التفاعلات بين الأشخاص والعرض الذاتي" Kaplan & Haenlein 2010، ص61.
يتم ذلك عن طريق إنشاء ملفات تعريف شخصية للمعلومات، ودعوة الأصدقاء والزملاء للوصول إلى هذه الملفات الشخصية، وإرسال رسائل البريد الإلكتروني والرسائل الفورية بين بعضهم البعض ويمكن أن تتضمن ملفات التعريف الشخصية هذه أي نوع من المعلومات، بما في ذلك الصور والفيديو وملفات الصوت والمدونات، ويعتبر Facebook أكبر مواقع الشبكات الاجتماعية أسسه مارك زوكربيرج ومقره الولايات المتحدة.
تتعلق وسائل التواصل الاجتماعي بالمشاركة والتفاعل، وتهتم بالاستماع إلى عملائها ومعرفة ما يودون أن يسمعوه أو يريدون التحدث عنه، وما يجدونه شيقاً وممتعاً، كما تتجنب عروض المحتوى الاحترافية بشكل مفرط لتحافظ لتشعر مستخدميها بالمصداقية، وتتيح استخدامها في الوقت المناسب للمستخدم وبشكل مباشر بتكلفة منخفضة نسبيًا ومستويات أعلى من الكفاءة مما يمكن تحقيقه عند استخدام أدوات الاتصال التقليدية Kaplan & Haenlein ,2010. ووفقاً لنظرية الرصاصة السحرية أو ما يشار إليها بنموذج حزام النقل أو حقنة تحت الجلد، يتلقى المستلم بشكل مباشر وكامل الرسالة المقصودة، بمعنى آخر إن رسالة من منصات التواصل الاجتماعي هي "الرصاص المطلق" من بندقية "منصات التواصل الاجتماعي" إلى رأس المتلقي، أي قيام وسائل التواصل الاجتماعي بحقن رسائلها مباشرة إلى الجمهور السلبي الذي يتأثر بدوره بتلك الرسائل Mary W, 2020
والتنشئة الاجتماعية. عرَفها Talcott Parsons بأنها "عملية تعتمد على التلقين والمحاكاة والتوحد مع الأنماط العقلية والعاطفية والأخلاقية عند الراشد والطفل، وهي عملية تهدف إلى دمج عناصر الثقافة في نسق الشخصية، كما أنها عملية مستمرة لا نهاية لها" (Larzabal, 2013). وحسب Giddens (2006) تمر التنشئة بمرحلتين، التنشئة الأولية ويصل فيها التعلم الثقافي أقصى درجات التأثير يتعلم فيها النشأ اللغة وأنماط السلوك التي تشكل الأساس لمراحل التعلم اللاحقة، والأسرة هي الفاعل المؤثر في هذه المرحلة. والتنشئة الثانوية تشارك في هذه المرحلة عوامل فاعلة أخرى تتولى أدوار ومسؤوليات العائلة كالمدارس وجماعات الأقران والمؤسسات الإعلامية إنتهاءً بمواقع العمل. ضمن هذه المجالات تسهم التفاعلات الاجتماعية في تعليم الفرد منظومة القيم والمعايير والمعتقدات التي تشكل الأنماط والعناصر الأساسية في الثقافة كما يتلقن الأفراد أدوارهم الاجتماعية عبر وكالات التنشئة الاجتماعية المذكورة. ووفقًا لنظريات التعلم الاجتماعي، تحدث التنشئة الاجتماعية من خلال عمليات الاكتشاف والربط والقبول، حيث يتفاعل الفرد مع بيئته لتحقيق اكتساب العادات والأدوار الاجتماعية والأعراف والمعرفة والقيم التي يتطلبها المجتمع، ويتم نقلها من خلال وكلاء اجتماعيين مختلفين (Larzabal, 2013).
كيف تؤثر منصات وسائل التواصل الاجتماعي على عملية التنشئة الاجتماعية.
العلاقة المتبادلة بين الفرد ومنصات التواصل الاجتماعي تقع في قلب عملية التنشئة الاجتماعية، فلم يعد يستكشف الفرد نفسه من خلال وكلاء التنشئة الاجتماعية المعروفين خاصة الأسرة، إذ تؤثر منصات التواصل الاجتماعية من خلال عملها كقنوات مؤثرة في مشاركة المحتوى والعواطف والآراء ونشرها، وبناء علاقات مع الجماهير المعروفة أو المتخيلة، ولديها القدرة على إنشاء مجتمعات افتراضية بسرعة هائلة وتكون ذات أهمية للمستخدمين، حيث يكون نطاق الاهتمامات غير محدود، يستهدف التواصل بين الأشخاص لتحقيق غرض ما (مثل الإبلاغ عن الحقائق، وإقناع الآخرين، وتكوين انطباعات، والحفاظ على العلاقات) ويساعدها على ذلك إنشاء محتوى متعدد الوسائط، مليئًا بالتعبيرات الخاصة، ومحملاً بمجموعة واسعة من المشاعر والآراء، ويتحدى اللغة والقواعد الرسمية القياسية، كما ان إعادة استخدام ونشر المحتوى الذي أنشأه أشخاص أو منظمات أخرى هو القاعدة وليس الاستثناء، وبما أن منصات الوسائط الاجتماعية تفتقر إلى التواصل وجهاً لوجه، أو إلى أي تعبير مباشر عن إشارات الوجه أو الجسد التي تشير إلى العواطف أو الإيماءات أو التنغيم أو التركيز. فتلجأ إلى استخدام عوامل التحفيز، مثل: الوجود الاجتماعي، والمحادثة الجماعية، والاتصال السهل أو الإدارة الذاتية، والمعايير الذاتية للمشاركة، ما يؤثر بشكل إيجابي على المشاركة (Wijnen & Christine, 2020) .
وبهذا المعنى، فإن منصات التواصل الاجتماعية التي يتفاعل فيها الأفراد تنطوي على طابع التنشئة الاجتماعية، لأن العلاقات عبر منصات التواصل الاجتماعي تنطوي على اكتساب المعرفة المؤثرة وأشكال جديدة من السلوك من خلال التفاعل. ولكي نتعرف على مدى تأثير منصات التواصل الاجتماعي على عمليات التنشئة الاجتماعية علينا أن نجيب على الأسئلة التالية:
- هل تؤثر منصات التواصل الاجتماعي على العلاقات الاجتماعية؟
- هل تؤثر منصات وسائل التواصل الاجتماعي على القيم الثقافية والعملية التعليمية؟
- هل تؤثر منصات التواصل الاجتماعي على مفاهيم الأفراد المعرفية والسلوكية؟
- هل تؤثر منصات التواصل الاجتماعي على الهوية الاجتماعية التي يكتسبها الفرد؟
- هل تؤثر منصات التواصل الاجتماعي على العلاقات الاجتماعية؟
قال جوناثان سافران فوير في مقالته، "كيف لا تكون وحيدًا"، "كل خطوة إلى الأمام في وسائل التواصل الاجتماعي جعلت من السهل تجنب الوجود العاطفي والاتصال الإنساني"، فبتنا نفضل إرسال الرسائل النصية بدل المحادثات الهاتفية، والدردشة عبر الإنترنت بدل الاجتماع وجهاً لوجه، وقد استبدل الكثير منا التفاعل البشري بمنصات ملائمة مثل Facebook وTwitter و Instagram.
التأثير على العلاقات الاجتماعية داخل الأسر يعد أحد أهم وأخطر الآثار السلبية لمنصات التواصل الاجتماعي التي تعيق عملية التنشئة الصحية، إذ يتعرض الأفراد كباراً أو صغاراً، لخطر العزلة عن مجتمعهم بسبب زيادة قضائهم أغلب أوقاتهم فراغهم داخل غرفهم بمفردهم بدلاً من قضائها مع المجتمع الخارجي أو البيئة الأسرية ، فمنصات التواصل الاجتماعي تروج لجهات الاتصال الاجتماعية خارج المجموعة العائلية وتنقل الأفراد من العالم الداخلي إلى العالم الخارجي، لذلك فإن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في المنزل مرتبط بشكل إيجابي بالنزاعات العائلية وإعاقة الروابط العائلية، إذ يتناقص الاتصال الاجتماعي مع تطور الإنترنت وبالتالي تزداد العزلة والكآبة .Cubillas et al, 2017
لأنها تعمل حرماننا من الثقة والراحة التي وضعناها في بعضنا البعض، لتحل محل الزمالة الإنسانية، والدعم الجسدي والعاطفي الذي كنا نحصل عليه من بعضنا البعض، ويظهر بوضوح التأثير السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي في ثلاث فئات رئيسية أولاً، تعزز وسائل التواصل الاجتماعي إحساسًا زائفًا بـ "الروابط" عبر الإنترنت والصداقات السطحية التي تؤدي إلى مشاكل عاطفية ونفسية، الضرر الثاني لوسائل التواصل الاجتماعي هو أنه يمكن أن يصبح إدمانًا بسهولة ويؤدي للانسحاب من محيط الأسرة الاجتماعي، وأخيراً يقلل كذلك من مهارات التعامل مع الآخرين، مما يهدد ويعيق النمو اللغوي والأكاديمي والإبداعي بالإضافة إلى تقليل المهارات الشخصية والذي يؤدي بدوره إلى السلوك المعادي للمجتمع (, Jacob 2015) كل ذلك يتسبب في إعاقة تواصل ومن ثم تأثير الأسرة على الفرد عبر عملية التنشئة الاجتماعية.
هل تؤثر منصات وسائل التواصل الاجتماعي على القيم الثقافية والعملية التعليمية؟
تحتوي منصات التواصل الاجتماعي على تضمينات سريعة لقيم وأنماط ثقافية تؤثر على عمليات التنشئة الصحية، تزيد من مخاطر الإنترنت وتثير قلق وكالات التنشئة الاجتماعية، وقد أصبح هذا التأثير السلبي على الأطفال والشباب مصدر قلق اجتماعي خطير بشكل فقد ظهرت مفاهيم جديدة لتسمية المشاكل مثل الاستمالة من شخص بالغ، تهديد وابتزاز قاصر للحصول على بعض الفوائد، عادة ما يكون ذلك من النوع الجنسي، أو التنمر الإلكتروني أو إرسال الرسائل النصية ونشر معلومات جنسية عن شخص ما، كما وضحت دراسة Cubillas et al(2017) أن الأطفال الذين يستخدمون الشبكات الاجتماعية هم أكثر عرضة بنسبة 46٪ لتلقي رسائل جنسية، و 55٪ أكثر احتمالًا لمشاهدة صور جنسية على مواقع الويب، و 56٪ أكثر عرضة لمحتوى سلبي من إنشاء المستخدمين، 114٪ أكثر عرضة للتنمر على الإنترنت و 163٪ على الأرجح لمقابلة أشخاص خارج الإنترنت كانوا قد التقوا بهم عبر الإنترنت فقط من قبل، ما يؤدي إلى إنشاء فضاء إلكتروني خطير يعرض سلامة الأطفال للخطر، ويؤثر على دور وكالات التنشئة الاجتماعية (Cubillas et al 2017). إضافة إلى أن منصات وسائل التواصل الاجتماعي من خلال نشر رسائل ضارة تدغدغ الآذان والحواس دون تقييم العواقب، تحرم الأفراد من القدرة على التحكم في النفس والتفكير بشكل مستقل، وبدلاً من ذلك تجعلهم يرون أنفسهم من خلال عيون الآخرين، والتقاط أساسيات كل من الثقافة المادية وغير المادية، كل شيء من كيفية ارتداء الملابس المناسبة إلى ما ينامون عليه وما يعتبر مناسبا لتناول العشاء إلى كيفية استخدام الموقد لتحضيره، وكذلك تأثيرها على لغة التواصل المستخدمة والتي تعد أول ما يكتسب الفرد من خلاله ثقافة مجتمعه، فمن خلال رسائل منصات التواصل الاجتماعي يجد الفرد نفسه مجبراً أو حتى دون أن يشعر تعلم لغة تواصل أخرى سواء أكانت لفظية أو من خلال الإشارات من أجل التواصل والتفكير مع مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي (Schlör 2016). كما يعد التثاقف أحد الأنشطة الاجتماعية المؤثرة لوسائل التواصل الاجتماعي، على المستخدمين، إذ توفر وسائل التواصل الاجتماعي القدرة على تكوين مجموعة من الأشخاص ذوي التفكير المماثل للعمل أو التأثير معًا.
فنرى أن الهوية الثقافية للناس قد تتفاعل مع الذات المثالية المعروضة في وسائل التواصل، قدمت نتائج دراسة Chung & Tai (2021) أدلة تجريبية لدعم المساهمة الإيجابية لأنشطة وسائل التواصل الاجتماعي اليومية التي تبدأ ذاتيًا في إدارة مفهوم الذات والطموح لمتعلمي اللغة، وما يصاحب ذلك من دافع لتعلم اللغة، وتعد هذه الأنشطة ضرورية في سياقات التعلم حيث يتشابك تعلم اللغة بشكل وثيق مع المشاركة الاجتماعية وبناء الذات، نظرًا لأن بعض الدراسات الحالية ركزت بشكل أساسي على استكشاف الاستخدام التعليمي لوسائل التواصل الاجتماعي وضرورة توجيه المزيد من الاهتمام نحو فهم إمكانات وسائل التواصل الاجتماعي اليومية والاستفادة منها، بالنظر إلى الوجود الكلي لأنشطة الوسائط الاجتماعية متعددة اللغات في الحياة اليومية (Reinhardt، 2019؛ Rosell-Aguilar، 2018). كما تستخدم بعض المدارس المدونات بنجاح كأدوات تعليمية، والتي لها فائدة في تعزيز مهارات اللغة الإنجليزية والتعبير الكتابي والإبداع.
علاوة على أن مواقع التواصل الاجتماعي تساعد الطلاب على الأداء بشكل أفضل في المدرسة، وذلك بشكل أساسي من خلال الاستفادة من التواصل مع بعضهم البعض في المهام المدرسية والمشاريع الجماعية التعاونية خارج الفصل الدراسي (Jacob , 2015). ويدعم تلك النتائج الفرضيات القائلة بأن المتعلمين غير المألوفين الذين تلقوا مهام اجتماعية واضحة قبل أنشطة التعلم كان لديهم نتائج تعليمية أفضل، وكان لديهم تفاعلات أكثر في مراحل التعلم، وشهدوا مستويات أقل من الحمل المعرفي، وأدركوا درجة أعلى من التواجد الاجتماعي مع المتعلمين غير المألوفين، باستخدام أداء كتابة المقالات للمشاركين بالإضافة إلى التقييمات الذاتية للحمل المعرفي، والحضور الاجتماعي كمؤشرات للأداء (Reinhardt، 2019؛ Rosell-Aguilar، 2018). علاوة على أنه وفي مجال المؤسسات المرتبطة بتقديم أنشطة التنشئة الاجتماعية نجد أن منصات الوسائل الاجتماعية تساهم في تسهيل تقديم التعلم التعاوني الأكثر فعالية، إذ أظهرت نتائج دراسة ( Jiang & Zhang2020) أن تقديم أنشطة اجتماعية واضحة للمتعلمين غير المألوفين في ظروف التعلم التعاوني بمساعدة منصات التواصل الاجتماعي يمكن أن يزيد من مستوى الحضور الاجتماعي، ويسهل اكتساب المهارات المعرفية المعقدة مثل مهارات كتابة المقالات الجدلية باللغة الإنجليزية كلغة أجنبية، ويقلل من مستوى الحمل المعرفي في التعلم.
هل تؤثر منصات التواصل الاجتماعي على مفاهيم الأفراد المعرفية والسلوكية؟
تؤثر منصات التواصل الاجتماعي على مفاهيم ومواقف الأفراد المعرفية والسلوكية التي يسعى وكلاء التنشئة الاجتماعية عادة وخاصة الأسرة إلى إكسابها للفرد، تسعى الأسرة إلى تلقين طفلها العديد من العادات الصحية الجيدة التي تساعد على نموه الجسدي والصحي بشكل سليم، أحد هذه العادات هو الحرص على حصول الفرد على فترة كافية من النوم تساعده على التركيز وتدعم نشاطه العقلي، بينما نجد أن منصات التواصل الاجتماعي تدمر هذا السلوك، تم التأكيد في دراسة Serenkoa et al (2021) على أن استخدام منصات وسائل التواصل الاجتماعي مرتبط بحرمان المراهقين الذكور والإناث من النوم إما من خلال نوم أقصر أو الاستيقاظ مبكراً لصالح الاستمرار في الأنشطة الاجتماعية عبر الإنترنت، وبسبب عوامل تشتيت الانتباه والشعور بالإلحاح للتحقق من الإشعارات أو المعاناة من صعوبة النوم بسبب كثرة التعرض لإضاءة الشاشات.
كما أن أحد العادات التي تحرص على إكسابها لأطفالها الأسرة عادة تناول الطعام الصحي بينما أكدت دراسةSerenkoa et al (2021) كذلك فإن استخدام منصات التواصل الاجتماعي مرتبط بعلاقة سلبية بسلوك الأكل الصحي، إذ ينشر المؤثرين والمهيمنين على هذه المنصات صور غير واقعية عن الأجساد المثالية ما يؤثر على رغبة الفتيات في تناول الطعام للوصول للجسد المثالي المعروض ويدفعهن أحيانا للتوقف عن تناول بعض الوجبات. إضافة إلى أن قضاء الوقت داخل المنزل لمتابعة منصات التواصل يعرض الأفراد لخطر الإصابة بالسمنة. إن تغيير قناعات الأبناء فيما يتعلق بمدة النوم الكافية وسلوك الأكل الصحي وارتباط ذلك إيجابيًا بالصحة الجيدة يضع الأسرة أمام تحدي قد تعجز أحياناً عن مواجهته.
هل تؤثر منصات التواصل الاجتماعي على الهوية الاجتماعية التي يكتسبها الفرد؟
منصات التواصل الاجتماعي تؤثر على تشكيل الهوية الاجتماعية للفرد من خلال ردود الفعل الاجتماعية، أي ممارسة تأثير اجتماعي على مستخدم، من خلال قرارات مستخدم الآخر، لأن هذه الوسائط التفاعلية تعتبر قناة لنقل المعلومات حول الأدوار والقيم الاجتماعية (,Black et al2014) التي يتم تبنيها من قبل كل فرد، وبالتالي لها دور مهم في تجارب وسلوكيات المستخدمين، وإنشاء قوالب نمطية احترافية، على سبيل المثال "Barbie Girls" منتج تم تطويره بواسطة شركة Mattel Incوتم إطلاقه في عام 2007 باستخدام شعار هذا العالم مخصص للفتيات، ثم بتنا نرى أن اللون السائد والمستخدم في جميع أنحاء العالم هو اللون الوردي.
كما يتيح تنوع الموارد وحرية تصميم الصور الرمزية للمستخدمين من خلال ملفاتهم الشخصية بإنشاء صورهم التي ترمز إلى هويتهم وفقًا لرغباتهم وتوقعاتهم، ومع ذلك لا يمكن أن يكون هناك فرق بين بناء الهوية الافتراضية والهوية الحقيقية في العالم الاجتماعي لأن كلاهما توجد فيها جوانب شخصية الفرد التي تؤثر في كلا العالمين Cubillas et al, 2017، ومن أجل التوافق مع الملفات الشخصية يحاول المستخدمين تصوير واجهات سعيدة وعصرية لأن هذا ما يفعله المستخدمون الآخرون، ولعكس الرغبة في الكيفية التي يريد الفرد أن ينظر إليه الآخرون بها، بدلاً من إظهار صورة صادقة لما هو عليه حقاً. وبالتالي يفضل الكثيرون تبني هذا الوهم الآمن والسعيد، بالاتصال الافتراضي بدلاً من مشاركة علاقات الحياة الحقيقية وتطويرها، أظهرت العديد من الدراسات أن هذه الروابط السطحية يمكن أن تؤدي في النهاية إلى مشاكل عاطفية ونفسية طويلة المدى .(Jacob 2015)
على الرغم من التركيز على آثار منصات وسائل التواصل الاجتماعي السلبية، إلا أنه من المهم أن ندرك أن هناك العديد من الجوانب الإيجابية المرتبطة باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تدعم وكالات التنشئة الاجتماعية من أجل القيام بدورها، أحد هذه الإيجابيات هي تكون الاستقلالية، إذ يتمتع المستخدمون الصغار للشبكات الاجتماعية بقدر أكبر من الاستقلالية في السياقات الرقمية والحقيقية، علاوة على كثافة العلاقات الاجتماعية، يرتبط الاستخدام المتزايد للشبكات الاجتماعية عبر الإنترنت بكثافة العلاقات الاجتماعية الحقيقية مع أقرب أصدقائه ومعارفه. كما أن أحد أهم الإيجابيات والتي تناسب العصر الحالي هي اكتساب المهارة الرقمية، استخدام هذه البيئات الافتراضية يسهل تطوير المهارات التكنولوجية وتنوع الإمكانات البشرية، أي أن الأطفال الذين يشاركون في المعرفة البشرية يتم وضعهم موضع تنفيذ الألعاب عبر الإنترنت من أجل إعادة إنتاج السلوكيات في سياق حقيقي وبالتالي يتم قبول انتاجهم الرقمي وتعزيزه، مما يسمح للآخرين بتصفح بيئات إنترنت أكثر ملاءمة وأمانًا، لأنها ستغرس السلوكيات المراد تعلمها .(Black et al2014)
ومن الملاحظ أن منصات التواصل الاجتماعي قد تجعل من السهل على بعض الأفراد التعبير عن أنفسهم بعكس التواصل وجهاً لوجه، إذ تجعلهم قريبين من أصدقائهم الافتراضيين وغالبًا ما يناقشون أحدث الاتجاهات والموضوعات عبر الإنترنت معهم، مع عدم الخوف من معرفة أصدقاؤهم عبر الانترنت ما يعرفونه بالفعل .(Mary W 2020)
من ناحية أخرى توفر منصات التواصل الاجتماعي الدعم الاجتماعي والمعلوماتي، استخدام الشبكات الاجتماعية من قبل الأسرة أو المهنيين المرتبطين بالطفولة يؤثر عليهم بشكل مباشر، إذ أن استخدامها من قبل العائلات التي يتلقى أطفالها رعاية طبية يمكن أن يؤثر بشكل إيجابي على الأطفال. فانضمام الآباء الذين أصيب أبناؤهم بأمراض مزمنة لشبكات دعم عبر منصات التواصل الاجتماعي تمكنهم من التعرف على مجموعة واسعة من الخيارات والنتائج، مثلاً ما ذكر في دراسة Cubillas et al, 2017))، أن دمج آباء الأطفال الذين تم تشخيص إصابتهم حديثًا بـ T13-18 في شبكات دعم عبر وسائل التواصل الاجتماعية لاكتساب وجهات نظر وآمال وتوقعات، وتسهيل التواصل واتخاذ القرار بين الأطباء والآباء كان له تأثير مباشر على رفاهية الأطفال.
التحديات التي تواجه الأسرة والمجتمع بسبب منصات وسائل التواصل الاجتماعي.
يعد الاختراق أحد أهم التحديات التي تواجه وكلاء التنشئة الاجتماعية الأسرة والمجتمع بسبب منصات التواصل الاجتماعي. أعلى معدلات اختراق للحسابات كانت للمراهقين بين (10 إلى 19) في الدول المتقدمة حسب منظمة الصحة العالمية (2019)، والذي غالباً ما يكون من خلال جمع جهات التسويق للمعلومات التي يشاركها المراهقون عبر الإنترنت للاستفادة منها في الإعلانات والترويج لاستهلاك سلع معينة إذ لدى منصات التواصل الاجتماعي القدرة على قراءة اهتمامات أي شخص وهو أمر مررنا به جميعاً عند البحث عن منتج أو موضوع معين حتى تصلنا رسائل أو إعلانات تتضمن أشياء تشبه ما كنا نبحث عنه، لذا فعلى الأسر دعم وعي أبنائهم بتفعيل الخصوصية على أي منصة مستخدمة من قبلهم وعدم الوثوق بالشركات الدعائية أو الرسائل التي تصلها منهم، ذكرت دراسة Feng & Xie (2014) أن هناك علاقة إيجابية بين مستوى قلق الوالدين بشأن الخصوصية ومستوى قلق المراهقين بشأن الخصوصية، يمكن للوالدين التأثير على مواقف وسلوكيات أطفالهم من خلال الوساطة الأبوية التي تتضمن مراقبة استهلاك أطفالهم لمنصات التواصل الاجتماعي وإبراز الملف الشخصي في تحفيز المراهقين على زيادة مخاوف الخصوصية عبر الإنترنت، والتي بدورها تدفع المراهقين إلى تبني المزيد من استراتيجيات إعداد الخصوصية على شبكات التواصل الاجتماعي وتعيين ملفاتهم الشخصية على فيسبوك إلى خاصة، عن طريق الوساطة النشطة بمناقشة الوالدين مع الأطفال الجوانب غير المرغوب فيها لمحتويات الوسائط والطرق المرغوبة لاستهلاك الوسائط، ثانيًا، الوساطة التقييدية، والتي تشير إلى قواعد وضع الوالدين للتحكم في استخدام الأطفال لوسائل الإعلام من حيث محتوى الوسائط المناسب ووقت عرض الوسائط (Feng & Xie 2014).
تسعى كل من الأسرة والمجتمع بمؤسساته إلى تنمية الدوافع الإبداعية لدى الفرد لمساعدته على التطور والنمو ودفع عجلة التنمية، من خلال تحقيق الاندماج الاجتماعي والتعلم وتنمية المهارات المختلفة، لتتدخل منصات وسائط التواصل الاجتماعي مسببة إعاقة هذه العملية عبر تأثيراتها، أحد هذ المؤثرات هو ظهور الاكتئاب نتيجة الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي، فالسعي المستمر للحصول على القبول والوعي الذاتي من خلال البقاء على اتصال مع الأقران، وكثافة التواصل الاجتماعي في عالم الإنترنت والذي يتطلب مشاركة مستمرة، يؤدي إلى ما يعرف بـ اكتئاب Facebook، والذي يعرض لخطر العزلة الاجتماعية واللجوء إلى مواقع الإنترنت والمدونات الخطرة للحصول على المساعدة، التي قد تروج لتعاطي المخدرات والممارسات الجنسية غير الآمنة والسلوكيات العدوانية والمدمرة للذات. أجرت الدكتورة جوان دافيلا وزميلتها ليزا ستار باحثتا جامعة ستوني بروك دراسة لإثبات الارتباط بين الاكتئاب ووسائل التواصل الاجتماعي، على عينة من الفتيات المراهقات، وكشفت الدراسة أن الاستخدام المفرط لموقع Facebook يجعل الفتيات أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب والقلق. وبعد عام، أعاد الباحثون تقييم المجموعة بحثًا عن أي علامات للاكتئاب أو القلق، وأثبتت نتائج الدراسة أن المستخدمين الذين ناقشوا مشاكلهم مع الأصدقاء بشكل متكرر، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، عانوا من مستويات أعلى من القلق من أولئك الذين لم يفعلوا ذلك. ووفقًا للدكتور دافيلا أن الرسائل الفورية والشبكات الاجتماعية تجعل من السهل جدًا على المراهقين أن يصبحوا أكثر قلقًا، مما يؤدي إلى الاكتئاب، لأن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت وسيلة انتقال لهذه المناقشات المتكررة، مما يسمح بإعادة صياغة المناقشات باستمرار حول مشاكل هؤلاء الفتيات، مما يجعلهن مهووسين بـ المشكلة ويمنعهن من المضي قدمًا في الحياة. ووسائل التواصل الاجتماعي الآن هي القناة الأساسية للمراهقين للتنفيس عن المشاكل الحالية في حياتهم، وبالتالي عندما ينشر مراهق مشكلة عبر الإنترنت، فمن المحتمل أن يتلقى تعليقات إيجابية أو سلبية، مما يتسبب في تطوير هوسه بشأن المشكلة المنشورة وبمجرد مشاركة شيء ما عبر الإنترنت، لا يمكن استعادته أبدًا حتى إذا حذف المنشور، مما يؤدي بالمرسل إلى مزيد من الاكتئاب والقلق (Chung & Tai ,2021).
إضافة إلى ذلك فإن أحد أهم التحديات التي وكلاء التنشئة الاجتماعية الأسرة والمجتمع، هو تمكين الأنشطة الإجرامية من خلال استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، فقد أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي أداة للمجرمين والمفترسين والإرهابيين لتمكينهم من ارتكاب أعمال غير قانونية، من خلال استغلال العديد من المجرمين وسائل التواصل الاجتماعي لإخفاء هويتهم وارتكاب العديد من الجرائم مثل التنمر الإلكتروني والإرهاب السيبراني والاتجار بالبشر والاتجار بالمخدرات (, Jacob 2015).
الخلاصة
أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي واحدة من أهم المنصات لربط البشر من كل مكان في العالم، كأداة اتصال وتفاعل، وقد تم إنشاؤها لبناء العلاقات والحفاظ عليها بغض النظر عن القيود الجغرافية أو الزمنية، ومع ذلك فقد زادت وسائل التواصل الاجتماعي من وظيفتها بشكل أساسي من خلال تأثيرها على التنشئة الاجتماعية ومنافسة وكالات التنشئة التقليدية في القيام بدورهم، نتيجة استخدامها وتوظيفها في مجالات متنوعة، عبر زيادة الاتصال والتعبئة والتمايز والتوسع المكاني وهو ما له عواقب بعيدة المدى على عمليات التنشئة الاجتماعية، مثل تشويش التفاعلات الاجتماعية وتحولات الأدوار وغير ذلك كثير. ولا نغفل عن أن تجارب التنشئة الاجتماعية تؤثر أيضًا على طريقة استخدام الناس لمنصات وسائل التواصل الاجتماعي وللتعامل معها كنشاط اجتماعي ثقافي، هذا أيضًا له أهمية تجريبية تظهر عبر أنماط الاتصال والروابط التي يسعى الأفراد لتحقيقها.
المراجع
- Black, R. W., Korobkova, K. & Epler, A. (2014). Barbie Girls and Xtractaurs: Discourse and identity in virtual worlds for young children. Journal of Early Childhood Literacy, 14 (2), 265-285. doi: 10.1177/1468798413494920
- Christine W. Trültzsch-Wijnen (2020) The Significance of Media for Processes of Socialization, journal of Media Literacy and the Effect of Socialization pp 11-59
- Chung, ChunLai – Tai, Pui (2021) Types of social media activities and Hong Kong South and Southeast Asians Youth’s Chinese language learning motivation, Journal of System, 97, 102432.
- Cubillas, PilarI báñez- Díaz, Cristina -Martín Ana BelenPérez-Torregrosa, (2017) Social Networks and Childhood. New Agents of Socialization, Journal of Procedia – Social and Behavioral Sciencesm, 237, P 64-69.
- E. Ortiz-Ospina, (2019) The rise of social media. Our World in Data, Available online at: https://ourworldindata.org/rise-of-social-media.
- Feng, Yang, Xie, Wenjing (2014) Teens’ concern for privacy when using social networking sites: An analysis of socialization agents and relationships with privacy-protecting behaviors, Journal of Computers in Human Behavior, 33, P 153-162.
- Giddens, Anthony (2006) sociology, Polity Press, Cambridge, England.
- Jiang Dayu Lawrence, Zhang, Jun (2020) Collaborating with ‘familiar’ strangers in mobile-assisted environments: The effect of socializing activities on learning EFL writing, Journal of Computers & Education, 150, 103841.
- Jacob, Amedie, (2015) The Impact of Social Media on Society, Santa Clara University.
- Kaplan, A.M, Haenlein, M, (2010) Users of the world, unite! the challenges and opportunities of Social Media, Journal of Business Horizons, 53 (1), pp. 59-68
- L. Lazarbal (2013) El desarrollo afectivo en niños/as de 0-6 años, Revista arista digital, 38 (2013), pp. 92-98.
- Mary W, Nyambura, (2020) Impact of social media platforms on family and household interactions in Limuru town, University of Nairobi.
- Serenkoa, Alexander, Turelb, Ofir & Bohonisc, Hafsa (2021) The impact of social networking sites use on health-related outcomes among UK adolescents, journal of Computers in Human Behavior Reports 3, 100058.
- Schlör, Katrin (2016) Doing Family und Social Media. (Re) Konstruktionspraktiken von Familie im Spannungsfeld von Vergemeinschaftung und Abgrenzung journal of Studies in Communication Sciences )16), Issue 1, p 28-35.
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل
أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة