تتعرض سواحل مناطق شمال إفريقيا القاحلة التي تمتد على أكثر من 4600 كيلومتر، من تونس إلى دلتا النيل في مصر، إلى تآكل كبير في شواطئها الرملية ومناطق مصبات الأنهار. ويشير تقرير التقييم الخامس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ على سبيل المثال، إلى أن ما بين 1 و3 % من السواحل القاحلة الممتدة على طول تونس وليبيا ومصر معرضة لخطر غمر البحر بحلول عام 2100 بأكثر من متر تحت سطح البحر مما سوف يتسبب في تراجع شديد في الخط الساحلي بعدة عشرات من الأمتار على مساحات شاسعة من ساحل البحر الأبيض المتوسط.
ورغم أن دراسات علمية سابقة عزت هذا التآكل إلى ارتفاع متوسط مستوى سطح البحر نتيجة التغيرات المناخية، فإن دراسة علمية جديدة قام بها فريق علمي دولي ونشرت مؤخرا في دورية "نيتشر" العلمية تشير إلى أن عوامل أخرى أكثر تأثيراً من التغيرات المناخية تؤدي إلى تآكل شواطئ الدلتا والسواحل الرملية في المنطقة بشكل مثير للقلق.
وشارك في تأليف الورقة إلى جانب المؤلف الرئيسي الباحث عبد الرؤوف الحزامي الدكتورة علا العمروني من المعهد الوطني لعلوم وتكنولوجيا البحار بجامعة قرطاج والدكتور سعدي عبد الجواد من كلية العلوم بتونس بالتعاون مع الدكتور عصام حجي من جامعة جنوب كاليفورنيا وباحثون من فرنسا.
يقول عبد الرؤوف الحزامي الباحث بالمعهد الوطني لعلوم وتكنولوجيا البحار وطالب الدكتوراه بكلية العلوم بتونس في حوار مع موقع منظمة المجتمع العلمي العربي، "إن الغرض من هذه الدراسة كان تقييم هشاشة السواحل الممتدة بين خليج تونس ودلتا نهر النيل". في هذه الدراسة اعتمد المؤلفون على كمية ضخمة من البيانات حول سواحل المنطقة لوضع خارطة إحصائية لمؤشر الهشاشة الساحلية والضغوط التي تتعرض لها. "لهذه الغاية تم وضع مؤشر للهشاشة الطبيعية CVI يقوم على سبعة عوامل مثل التركيبة الجيولوجية لتربة السواحل ونسبة انحدارها وارتفاع الأمواج البحرية ومؤشر للهشاشة الاجتماعية والاقتصادية SVI يقوم على أربعة عوامل تتعلق بالكثافة السكانية وطبيعة استخدام الأراضي الساحلية"، يضيف المؤلف الرئيسي للدراسة.
استمد فريق الباحثين بيانات مختلف العوامل الطبيعية والاقتصادية والاجتماعية من دراسات علمية سابقة إضافة إلى صور الأقمار الصناعية التي تعود إلى فترات مختلفة من الزمن تظهر التغيرات التي تطرأ على الشواطئ مع مرور الوقت.
ثم قام الفريق بدمج المؤشرين الطبيعي والاقتصادي-الاجتماعي في مؤشر متكامل لقياس قدرة السواحل على تحمل الضغوطات المختلفة.
وكشفت الخريطة الإحصائية لمؤشر الهشاشة الساحلية المتكامل أن 47% من السواحل في منطقة الدراسة معرضة لخطر الغمر الشديد، لا سيما في مناطق الدلتا ذات الكثافة السكانية العالية والشواطئ الرملية. هذه المناطق، تقع حول مصب نهر مجردة في تونس وفي دلتا نهر النيل في مصر، وهي أكثر عرضة للخطر بنسبة 70 % من بقية السواحل في شرق البحر الأبيض المتوسط.
وتظهر الخريطة كذلك أن 20% من هذه السواحل مصنفة على أنها مناطق معرضة لمخاطر عالية جدا وأن 27% منها معرضة لخطر كبير للغمر البحري، في الوقت الذي تتعرض فيه شواطئ تونس ومصر إلى درجات عالية جدا من الهشاشة تبلغ 71% و70% على التوالي مقابل 9% فقط في ليبيا.
كما تشير خرائط قيم مؤشر الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية للسواحل أن العديد من المدن الساحلية مثل أريانة (تونس) وطرابلس (ليبيا) والإسكندرية (مصر) تقع في مناطق عالية المخاطر. بينما تميزت أغلب السواحل الليبية والسواحل الشمالية الغربية لمصر وسواحل الجنوب الشرقي لتونس عموما بمخاطر منخفضة أو معتدلة.
وحول أسباب هذه الهشاشة، لاحظ الباحث الحزامي "أن الدراسات السابقة أرجعت هذه الهشاشة إلى العوامل الطبيعية مثل التغيرات المناخية وطبيعة التركيبة الجيولوجية للسواحل، لكن النتائج التي توصلنا إليها تظهر أن عاملين بشريين كان لهما تأثير أكبر هما الكثافة السكانية العالية وبناء السدود ".
فالسواحل التي تعاني من الهشاشة المزدوجة (طبيعية واقتصادية اجتماعية) مثل دلتا نهر النيل وخليج تونس وخليج الحمامات تشهد نموا سكانيا سريعا يفتقر في كثير من الأحيان إلى التخطيط العمراني السليم الذي يراعي الجانب البيئي، في الوقت الذي يتم فيه تشييد البناءات في المجاري الطبيعية للأودية وقريبا من الشواطئ الرملية والقضاء على المزيد من الأراضي الزراعية وعلى الموائل الطبيعية التي تساعد في الوقاية من خطر الفيضانات.
إضافة إلى العامل العمراني، سجل الباحثون في الدراسة التأثير السلبي على المدى الطويل لبناء السدود سواء على نهر النيل أو نهر مجردة مما حرم الشواطئ من نصف المواد الرسوبية تقريبا ومن الرمال نهائيا على مدى الأربعين سنة الأخيرة بالنسبة لنهر مجردة.
وربط مؤلفو الدراسة الهشاشة الشديدة للسواحل بتدهور نوعية طبقات المياه الجوفية الساحلية، والأمن الغذائي مما يضر بنوعية الحياة المحلية ويؤدي إلى زيادة معدل الهجرة البشرية. فخلال فترة الرصد من 2000 إلى 2016، أظهرت معدلات الهجرة البشرية لهذه المناطق الساحلية المعرضة للخطر زيادة قدرها نصف مليون مهاجر (أي زيادة 62%) في تونس وزيادة قدرها 6.7 مليون مهاجر (بزيادة 248%) في مصر.
الملاحظ أن هذه الدراسة لاقت اهتماما واسعا وهو ما يشير إليه الاهتمام الإعلامي بنتائجها وكذلك احصائيات الاطلاع على الدراسة على موقع "نيتشر" التي بلغت أكثر من 35 ألف إطلاع في أقل من أسبوعين. ويتوقع عبد الرؤوف الحزامي أن تلقى اهتماما مماثلا لدى المسؤولين وصناع القرار. وقد بادرت بالفعل وكالة حماية الشريط الساحلي التونسية بطلب الاطلاع على نتائج الدراسة.
المصادر
- حوار حصري مع المؤلف الرئيسي للدراسة عبد الرؤوف الحزامي
تواصل مع الكاتب: gharbis@gmail.com
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل
أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة