مع استمرار تزايد حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد (أو الكوفيد-19) حول العالم، ينهمك العلماء في العديد من دول العالم في البحث عما إذا كان الفيروس قد شهد تحولات جينية تغير من خصائصه في سرعة الانتشار والعدوى وتؤدي إلى ظهور سلالات جديدة أكثر فتكا.
وتكتسي اليوم، في هذا الإطار، عمليات تحديد السلسلة الوراثية للجينوم الكامل لسلالات هذا الفيروس أهمية علمية واقتصادية بالغة في مكافحة هذه الجائحة عالميا باعتبارها خطوة أساسية في سبيل تطوير لقاحات أو أدوية ناجعة في المستقبل.
في تونس، تمكن مؤخرا فريق من الباحثين بمخبر أساليب الغربلة الجزيئية والخلوية في مركز البيوتكنولوجيا بصفاقس بالتعاون مع مراكز بحث ومؤسسات استشفائية أخرى، من تحديد السلسلة الوراثية للجينوم الكامل لسبع سلالات جديدة من فيروس كورونا ليبلغ العدد الجملي للسلالات التي تم تحديد سلاسلها الوراثية في تونس خمس عشرة سلالة.
يندرج هذا العمل ضمن مشروع إيلافي أطلقته وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بالاشتراك مع وزارة الصحة التونسية ويهدف إلى دراسة الأعراض المرتبطة بجينوم المريض وحالته المناعية وتحليل جينوم الفيروس بدراسة عناصر شراسته، وفق الدكتور أحمد الرباعي أستاذ البيو إعلامية بمركز البيوتكنولوجيا بصفاقس ومنسق المشروع في تصريح خاص لموقع منظمة المجتمع العلمي العربي.
شارك في هذا المشروع، الذي أعلن عن نهاية مرحلته الأولى في منتصف شهر أغسطس الماضي، كلية الطب بصفاقس وكلية الصيدلة بالمنستير والمدرسة الوطنية للمهندسين بصفاقس والمستشفى العسكري بتونس والمستشفى الجامعي الحبيب بورقيبة بصفاقس إضافة إلى شركة خاصة مختصة في التصرف في الملفات الطبية إلى جانب مركز البيوتكنولوجيا بصفاقس.
يقول الباحث الدكتور صابر المصمودي رئيس مخبر أساليب الغربلة الجزيئية والخلوية بالمركز في تصريح لموقع منظمة المجتمع العلمي العربي، إن "الهدف من تحليل جينوم سلالات فيروس كورونا هو إيجاد علامة بيولوجية Biomarqueur تساعد على اتخاذ القرار المسبق حول الرعاية الصحية، أي تحديد ما إذا كان المريض يحتاج إلى تلقي رعاية طبية أم لا، وذلك باستخدام الذكاء الإصطناعي الذي طوره الباحثون من المدرسة الوطنية للمهندسين بصفاقس."
استخدم الباحثون تقنيات "التسلسل الجيني عالي التدفق" والبيو إعلامية لتحليل العينات السبع الجديدة من الفيروس والتي أُخذت في فترتين مختلفتين تعود أولاهما إلى شهر مايو الماضي 2020 خلال الموجة الأولى من انشار المرض، أما الثانية من العينات فهي تعود إلى بداية الموجة الثانية لانتشار المرض (يوليو 2020).
أظهرت نتائج التحليل، وفق الدكتور الرباعي، تنوع سلالات فيروس كورونا في تونس من حيث مصدرها، إذ تعود العينات التي تم تحليلها إلى سلالات الفيروس المنتشرة في أوروبا والخليج العربي والقارة الأمريكية. وتعد هذه المصادر متوقعة نتيجة حركة التنقل لبن تونس ودول مثل فرنسا وإيطاليا وألمانيا ودول الخليج.
ولئن أكدت نتائج التحليل بصفة عامة، عدم وجود تغيرات كبيرة في التركيبة الجينية للفيروس مقارنة مع أنواع الفيروس المنتشرة في العالم، فإنها سجلت وجود التغير -المعروف في العديد من المناطق في العالم- في مستوى البروتين D614G في ستٍ من العينات السبعة (و11 من 15 سلالة تم تحليلها في تونس). وقد ظهرت السلالة الحاملة لهذا التغير منذ يناير 2020 في الصين لكنها أصبحت منذ شهر مارس الأكثر انتشارا في العالم مقارنة بالسلالات الأخرى. وهو تحور جيني لفيروس كورونا جعله أقل حدة وأكثر قدرة على الانتشار حسب الدراسات العلمية.
من بين التغيرات الأخرى التي لاحظها فريق البحث، تغير فريد في إحدى العينات التي تعود للموجة الثانية يتمثل في نقص الحمض الأميني الأخير في سلسلة الحمض النووي الريبوزي RNA للفيروس. وهو تغير يحد من شراسة الفيروس وسرعة انتشاره، كما يقول المصمودي.
تكمن أهمية تحديد السلسلة الوراثية للجينوم الكامل لسلالات فيروس الكوفيد في تونس في الكشف عن مختلف التغيرات التي قد تطرأ عليه وبالتالي المساعدة على تشخيص المرض والتعرف على مدى نجاعة التلاقيح في مكافحته بعد تطويرها. وهو ما سيتطلب، حسب المصمودي، مواصلة هذا الجهد بتحليل عينات أخرى في المستقبل بعد انتشار الفيروس في تونس خلال المدة الفارطة.
الخطوة التالية في هذا المشروع، حسب الباحث أحمد الرباعي هي دراسة الجينوم البشري لتفسير تفاوت الإصابة بين مريض وآخر. وقد تم اعتمادا على دراسات علمية منشورة حصر ما يقارب 700 جينة بشرية قد يكون لها دور في تحديد كيفية إستجابة الانسان عند الإصابة بالفيروس.
وستجرى لاحقا تحاليل مخبرية على جينات بشرية لأشخاص مصابين بفيروس كورونا تختلف حدة أعراض المرض لديهم من بسيطة أو منعدمة إلى حادة وذلك لمقارنة تسلسل الجينوم البشري لديهم بهدف تحديد العوامل الجينية التي تسببت في تعزز حدة وخطورة الأعراض وتلك التي ساعدت في مقاومته وأدّت إلى ضعف أو انعدام ظهورها.
- هذا وقد تم نشر نتائج هذا العمل على موقع NCBI
- كما أن هناك ورقة علمية عنه في طريقها للنشر قريبا بإذن الله.
البريد الإلكتروني للكاتب: gharbis@gmail.com