لا شك ان جائحة كوفيد 19 قد أحدثت ارتباكاً عالمياً غير مسبوق في تاريخ الأوبئة وحولت جزءاً كبيرا من العالم إلى سجن كبير. التأثيرات السلبية لهذه الجائحة لم تقتصر على الجوانب الصحية بل تعدتها إلى الاقتصاد والسياحة، الصناعة والتعليم بل مست جميع مناحي الحياة حرفياً. الجميع تضرر ربما بدرجات متفاوتة وبأشكال مختلفة وفي هذه المقالة سنتحدث عن التأثيرات المحتملة على العاملين في القطاع الصحي بشكل خاص.
يمكن أن تتلخص التأثيرات السلبية في جانبين: الأول: تأثيرات جسدية والثاني: تأثيرات نفسية قد تؤدي إلى تأثيرات اجتماعية.
التجربة جديدة على معظم دول العالم وعلى الطواقم الطبية، الحجر الصحي، إجراءات مكافحة العدوى الصارمة، التعامل مع معدات الحماية الشخصية بشكل مطول ومن أشخاص غير مدربين على الاستخدام الأمثل لها، العمل دون الذهاب إلى المنزل لأكثر من شهرين، معرفة العاملين في القطاع الصحي بأنهم عرضة أكثر من غيرهم للإصابة، العوامل النفسية المتعلقة بالبعد عن العائلة والأصدقاء، البيئة فيها أحداث توتيريه (نتائج الفحوصات، الاعلام، الشائعات)، العمل تحت ضغط وتوتر بشكل عام، وربما في غياب بروتوكولات دقيقة قد يضطر البعض لاتخاذ قرارات صعبة.
نسبة متزايدة من الإصابة ونقص في الطواقم
تشير التقارير في بعض البلدان إلى أن واحد من كل عشرة من العاملين في القطاع الصحي قد يصاب بكوفيد 19، وفي مارس 2020 في إيطاليا، 9% من عدد المصابين الكلي كانوا من العاملين الصحيين وفي نفس الفترة في بريطانيا قدرت تقارير إخبارية أن طبيب من كل أربعة إما كان مصاباً أو في العزل أو يهتم بأحد أفراد أسرته المصاب بكوفيد 19. وفي بريطانيا أيضاً تم استدعاء العاملين الصحيين المتقاعدين من قبل السلطات الصحية للمساعدة في هذه الأزمة. هذه المعلومات وغيرها الكثير مؤشر على وجود عامل خطورة عالٍ للإصابة وأيضا تفيد بالنقص الحاد في الطواقم الطبية.
نقص في معدات الحماية الشخصية ونقص في التدريب على استخدامها
أظهرت وسائل الإعلام والأخبار مدى هشاشة الأنظمة الصحية في الدول الكبرى في جانب توفير معدات الحماية الشخصية وبالتأكيد في البلدان الفقيرة المشكلة أكبر. وربما والأخطر من ذلك هو عدم وجود تدريب كاف مسبق على استخدام (ارتداء وخلع والتخلص الآمن من هذه المعدات). الكثير من البلدان أمتلك فرصة جيدة في موضوع التدريب لتأخر وصول المرض للقطاع وكان هناك جهد كبير في هذا الجانب. لكن لم يصل الأمر إلى حد الثقافة والسلوك المنضبط.
الوفيات بين الطواقم الصحية
الكثير من الدول أعلنت عن وجود وفيات بين الطواقم الصحية. هذه الأخبار من شأنها أن تضع العاملين في القطاع الصحي في توتر وضغط نفسي كبيرين. حتى في المناطق التي لم تسجل حالات وفيات بين الطواقم الصحية يبقى هاجس الإصابة والخوف من الموت بالمرض قائماً وقد يسبب تقاعساً او تقصيرا من قبل البعض.
الأثر النفسي
لا يمكن إغفال التأثيرات النفسية للعاملين في الرعاية الصحية في هذا الوقت بالتحديد. فقد أظهرت دراسة من سنغافورة وجود قلق، إحباط، وتوتر لدى العاملين في رعاية مرضى كوفيد 19. يعزو البعض زيادة حجم متطلبات العمل عن الروتين اليومي المعتاد والتعارض مع واجباتهم تجاه اصدقائهم وعوائلهم، الأمر الذي يؤثر على نفسياتهم. أيضا كان هناك دراسة تفيد بقلق العامليين الصحيين من عزلهم وحجرهم واصابتهم بالمرض. مثلاً، ممرضة إيطالية انتحرت بعد شعورها بالإجهاد الكبير خلال محاولتها انقاذ المصابين بالمرض.
بعض المجتمعات، قد يتعرض العاملين في القطاع الصحي إلى العنف من قبل المواطنين بسبب عدم قدرة المشافي على تلبية احتياج الجمهور، خاصة في المجتمعات التي يتفشى فيها الوباء بسرعة شديدة وتفتقر أنظمتها الصحية للقدرة على التعامل مع هذه الاعداد الكبيرة.
احتمالية الاضطرار لاتخاذ قرارات لها جوانب أخلاقية مثل ما حدث في إيطاليا بالنسبة لاستخدام وإزالة أجهزة التنفس يشكل أيضاً ضغط نفسي إضافي على بعض العاملين في القطاع الصحي.
لكن، ربما تكون هنالك جوانب إيجابية تنتجها هذه الأزمة الصحية العالمية منها إعادة أو زيادة الاحترام والتقدير للطواقم الصحية حيث أصبح ينظر لهم بأنهم جنود وقادة المعركة العالمية…قد تتغير أيضاً الكثير من الخطط الصحية لتشتمل على الاستعداد للأوبئة وتجهيز مخزون استراتيجي من معدات الحماية الشخصية. ربما سيكون التدريب على إجراءات وتدابير مكافحة العدوى أيضاً جزءا مهماً من البرامج الاكاديمية للكثير من التخصصات الصحية.
نتمنى السلامة للجميع
البريد الالكتروني للكاتب: elmanama_144@yahoo.com