شهد استخدام الذكاء الاصطناعي تطوّرًا في مجال الرعاية الصحية، إلا أنّه ليس على قدر المأمول. تحاول هذه المقالة العلمية تسليط الضوء على أبرز الأسباب المبطِئة لإحداث التغيير في الرعاية الصحية.
منذ ما لا يقلّ عن عقدٍ من الزمن، كان روّاد القطاع الصحي يتوقّعون ثورة الذكاء الاصطناعي القادمة. في مجالاتٍ أخرى، شهدنا تطوّر ملحوظ لهذه التقنية، وعرض لتطبيقات عملية كالمركبات الذاتية القيادة، والمساعدين الافتراضيين وما إلى ذلك…
وفي الرعاية الصحية، وعلى الرغم من التوقّعات والإمكانات الهائلة لتحسين الاستشفاء، فإنّ ثورة الذكاء الاصطناعي قد بدأت للتوّ رغم الإنجازات المسجّلة. لقد كانت هناك تطوّرات محدّدة في مجالات مثل التصوير التشخيصي، والخدمات اللوجستية في الرعاية الصحية، والتعرّف على الكلام (معالجة اللغة الطبيعية) وغيرها، وقد تعزّزت بشكلٍ نسبي مع أزمة فيروس كورونا المستجدّ. لكن مع ذلك، فإنّ تقنيات الذكاء الاصطناعي المؤثّرة على جودة رعاية المرضى لا تزال ضيّقة في الوقت الراهن. والسؤال: لماذا كان الذكاء الاصطناعي بطيئًا في إحداث تغيير في العمليات الأساسية للرعاية الصحية؟
مع توفّر الخوارزميات وقوة الحوسبة الجاهزة، يكمن التطبيق الناجح للذكاء الاصطناعي في توفّر مجموعات بيانات ذات معنى وجودة للتدريب عليها. وكان من المفترض أن تحلّ السجلّات الصحية الإلكترونية حاجز البيانات. وتجلّى الأمل في إمكانية توفير هذه السجلّات لكمية بيانات قابلة للاستفادة منها، والمساعدة في تحسين رعاية المرضى. ولكن لم يتحقّق هذا الوعد بالكامل، فمعظم البيانات المهمة التي يمكن تحصيلها في سياق رعاية المرضى تُعدّ غير كافية و غير متّسقة. وغالبًا ما يتم تسجيل بيانات في السجلّ الصحي الإلكتروني، لدعم الأمور المالية كالفواتير، وتكون على شكل نصّ عادي (غير قابل للتنفيذ)، كما كان لمتطلّبات التوثيق في السجلّات الصحية من قبل الأطباء تأثير سلبي عليهم، لأنّهم انهمكوا بإدخال الكثير من هذه البيانات.
لم تقم السجلّات الصحية الإلكترونية، بتكريس مفهوم توثيق البيانات والمعلومات كما ينبغي، فاستخدامها في غرفة الفحص ينتقص بشكلٍ كبير من رعاية المرضى. وصحيح أنّ التعرّف على الكلام في السجلّات، قد قطع شوطًا طويلًا، لكنّه لم يغيّر تلك الديناميكية الأساسية لتفاعل الشاشة التي تبتعد عن المريض. وفي الواقع، إنّ استخدام تقنية التعرّف على الكلام، جعل الأطباء يحدّقون في الشاشة بشكلِ أكبر، حيث يجب أن يكونوا واعين بالأخطاء التي قد يولّدها نظام التعرّف على الكلام.
وبالنظر عن كثب إلى تقنية التعرّف على الكلام في مجال الرعاية الصحية، نعتقد أنّ المرحلة التالية في تطوّر هذه التكنولوجيا ينبغي أن تركّز على تحرير الأطباء من سيطرة الشاشة، والعمل على تطوير أنظمة التعرّف على الكلام للوصول إلى الكاتب الإفتراضي المستند على الذكاء الاصطناعي، لتكون مهمّته الاستماع إلى محادثات الطبيب مع المريض وإنشاء الملاحظات.
إنّ استخدام كاتب بشري يحلّ جزءًا كبيرًا من المشكلة بالنسبة إلى الأطباء، ويخفّف عليهم الاضطرار إلى إدخال البيانات الضرورية يدويًا. وبالنسبة للعديد من الأطباء، فقد سمح لهم الكاتب بالتركيز أكثر على المرضى بدلًا من شاشات أجهزة الكمبيوتر. ومع ذلك، فهذا يفرض مزيدًا من التكاليف المتأصّلة لكلّ من التدريب واستخدام كاتب بشري، ما دفع إلى بذل العديد من الجهود لبناء نظراء رقميين، أي الكاتب الافترضي القائم على الذكاء الاصطناعي والذي يمكنه محاكاة عمل الكاتب البشري.
في الوقت الراهن، إنّ بناء كاتب ذكاء اصطناعي أمرٌ صعب ويحتاج للمزيد من الأبحاث، ويتطلّب نظامًا أكثر تعقيدًا من الجيل الحالي المعمول به من أنظمة التعرّف على الكلام. ويعدّ تفسير محادثات اللغة الطبيعية أحد التحديات الرئيسية للذكاء الاصطناعي. ويعمل الجيل الحالي من المساعدين الافتراضيين مثل "ألكسا" و "سيري" على تبسيط التحدّي من خلال وضع حدودٍ على الكلام، وإجبار المستخدم على التعبير عن فكرةٍ واحدة في كلّ مرة، وفي غضون بضع ثوانٍ وضمن حدود حتى تتمكّن هذه الأنظمة من التفسير.
وفي المقابل، يجب على نظام الذكاء الاصطناعي الذي يستمع إلى المحادثة بين الطبيب والمريض التعامل مع تعقيدات الكلام البشري والسرد وطريقته، فيمكن أن تستغرق زيارة المريض خمس دقائق أو ساعة، كما قد يتضمّن الحوار وجود طرفين على الأقل (الطبيب والمريض). ونتيجةً لتعقيد الكلام في المحادثة، لا يزال من المبكر جدًا الحديث عن كاتب ذكاء اصطناعي مستقلّ تمامًا.
وحاليًّا تملأ أنظمة الذكاء الاصطناعي المعزّزة بجهود البشر سدّ الفجوات في كفاءة هذه التقنية. والتحوّل الحقيقي سيكون عندما تتمكّن هذه الأنظمة من التقاط المجموعة الشاملة من البيانات حول رحلة المريض من بدايتها إلى نهايتها، بطريقةٍ منظّمة ومتّسقة ومن ثَمّ وضعها في السجلّات الطبية.
المراجع
البريد الالكتروني للكاتب: mohamadmaaz1991@gmail.com