توصل فريق من الباحثين التونسيين إلى أن نفايات نوى التمر يمكن استخدامها بشكل فعّال لإزالة النفايات الكيميائية المتأتية من الأصباغ المستخدمة في صناعة الأقمشة والملابس، من مياه الصرف التي تمثل مشكلة بيئية وصحية في المناطق التي تنتشر فيها هذه الأنشطة الصناعية.
وخلصت نتائج الدراسة المنشورة في دورية Journal of the Taiwan Institute of Chemical Engineers خلال شهر مارس /آذار 2019 إلى أنه يمكن التعامل مع هاتين المشكلتين البيئيتين في وقت واحد إذ يتم من ناحية، التخلص من نفايات زراعية صلبة (نوى التمر)، ومعالجة النفايات السائلة الملوثة من ناحية أخرى. كما توقع الباحثون أن تساهم هذه التقنية المبتكرة في خفض تكاليف معالجة النفايات المتأتية من الصناعات التحويلية للتمر وصناعات النسيج.
مخلفات مزعجة
تعتبر المخلفات الصناعية السائلة، كما يقول الباحثون، مصدر إزعاج كبير لصحة الإنسان وكذلك للنظام البيئي بأكمله. وتتركز في مياه الصرف الصحي بدرجة عالية المركبات السامة وخاصة الأصباغ ذات التحلل البيولوجي المنخفض وعلى وجه الخصوص، الأصباغ العضوية الاصطناعية المستخدمة في العديد من القطاعات الصناعية مثل السيارات والكيماويات والورق، وبالطبع، المنسوجات.
وتتميز صبغة النسيج بالإضافة إلى لونها بخاصية الصباغة طبقاً لعدد من المعايير التي تهدف إلى إطالة عمر المنتجات النسيجية التي يتم تطبيقها عليها كمقاومة التآكل وثبات لون التحلل الضوئي ومقاومة التآكل الناتج عن الأكسدة الكيميائية (بما في ذلك المنظفات) والميكروبات. وقد تم تطوير تقارب صبغ الألياف بشكل خاص للأصباغ التي لها طابع حمضي أو أساسي، وهو ما يزيد من ثبات الأصباغ العضوية في البيئة ويجعلها غير قابلة للتحلل الحيوي. وتعد هذه الخاصية الناتجة عن تقارب معين بين الصبغة والألياف من الصعوبات الرئيسية التي تحول دون معالجة نفاياتها فيما بعد.
تقول الباحثة بسمة الخياري من المدرسة الوطنية للمهندسين بقرطاج والمشاركة في إنجاز الدراسة إن "ما يصل إلى 15 % من الأصباغ المتأتية من عملية الصباغة يتم تصريفها مع المخلفات إلى المجاري المائية دون معالجة مسبقة." وتضيف الباحثة أن "هذه التصريفات الملونة تشكل مشكلة جمالية وصحية وبيئية حقيقية لأن العمليات التقليدية المستخدمة في محطات معالجة مياه الصرف الصحي غالباً ما تكون غير مناسبة لهذا النوع من ملوثات المبيدات الحيوية."
بالإضافة إلى ذلك، فقد تبين أن عمليات المعالجة الكيميائية (التخثر، التلبد، ..)، والفيزيائية (الترشيح الفائق، الترشيح النانو ، …) مكلفة للغاية. وتعد تقنية امتصاص الكربون المُنشَّط الأكثر استخداماً والموصى بها على نطاق واسع لمعالجة مياه الصرف في صناعة الغزل والنسيج. لكن استخدامها أصبح أكثر محدودية، بسبب تكلفتها المرتفعة إضافة إلى تسرب هذه المادة في مياه الصرف، إذ يفقد حوالي من 15 إلى 20% من وزنه أثناء المعالجة. كما يقول مؤلفو الدراسة.
حلول بديلة
وقد عمل الباحثون في دراسات علمية سابقة على إيجاد منتجات جديدة من مصادر رخيصة ومتاحة. وتم استخدام العديد من المواد الطبيعية منخفضة التكلفة كبديل للكربون المنشط مثل الطين ونشارة الخشب وثفل الزيتون وقشور جوز الهند والفستق، وغيرها. وقد أثبتت هذه المواد الطبيعية غير التقليدية قدرتها على القضاء على بعض الملوثات الضارة للغاية.
في هذا الإطار، أنجز فريق الباحثين المنتمي لمخبر علوم وتكنولوجيات البيئة بالمعهد العالي لعلوم وتكنولوجيات البيئة ببرج السدرية (ضواحي تونس العاصمة) هذا البحث بهدف دراسة عملية امتصاص الأصباغ الاصطناعية المستخدمة على نطاق واسع في صناعة النسيج وهي "ميثيل البنفسجي" و"الأحمر الأساسي 2" باستخدام نوى التمر الخام غير المعالجة وغير النشطة. ينتمي مركب "بنفسجي الميثيل" لعائلة المركبات العضوية التي تستخدم بشكل رئيسي كصبغات. حيث يعتمد تغيّر لون الصبغة على عدد مجموعات الميثيل المرتبطة به. وتُستخدم الصبغة البنفسجية في صِباغة المنسوجات، لتعطي اللون البنفسجي الغامق في الدهانات والحبر. أما "الأحمر الأساسي 2" أو السفرانين فهو صبغة حيوية تستخدم في علم الأنسجة وعلم الخلية وكذلك كصبغة تباين في بعض بروتوكولات الصباغة.
خصائص نوى التمر
ويقول الباحثون إن اختيارهم لنوى التمر كان مدفوعاً بكثرة هذه النفايات في السياق التونسي وفي جُلّ بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. كما أنه لم يسبق للباحثين اختبار نوى التمر مطلقا كمواد ماصة لتنقية المياه التي تحتوي على هذين الصباغين، وهو ما يمثل ميزة إضافية لهذا البحث. لتحقيق ذلك، أجرى فريق البحث عدداً من الاختبارات التجريبية تتمثل خاصة في تحديد خصائص نوى التمور بواسطة تقنيات تحليل مختلفة، وتحديد المجموعات الكيميائية المسؤولة عن التفاعل بين الممتز (Adsorbate) والماز (Adsorbent) بواسطة التحليل الطيفي للأشعة تحت الحمراء وتحليل التركيب الكيميائي للمادة الحيوية باستخدام الأشعة السينية والتوصيف المورفولوجي عن طريق مسح المجهر الإلكتروني.
كما استخدم الباحثون نماذج رياضية لتحديد الظروف المثالية المناسبة للرفع من مستوى امتصاص نوى التمر للأصباغ الاصطناعية ودراسة حركية هذه التفاعلات وديناميكيتها الحرارية.
نتائج مشجعة
أظهرت نتائج الدراسة قدرة نوى التمر المجففة على إزالة الصباغين بشكل فعال من المحاليل المائية. وبلغت على قدرة الامتزاز مركب "بنفسجي الميثيل" حوالي 98 % مقابل نسبة امتزاز في حدود 91 % "للأحمر الأساسي2". وقدّر الباحثون كميات الأصباغ التي يمكن أن تزيلها إجمالي كميات نوى التمر المنتجة من صناعات تعبئة وتغليف التمور في تونس بما يصل إلى 38.1 طناً من مركب "الأحمر الأساسي 2" و69.3 طناً من "بنفسجي الميثيل" من النفايات الصناعية. ويرى مؤلفو الدراسة أن استخدام نوى التمر كمواد ممتصة يُظهر إمكانات كبيرة لإزالة الأصباغ دون الحاجة إلى معدات باهظة الثمن نظراً لوفرة هذه المواد الطبيعية في العديد من البلدان.
فيما يتعلق بتثمين نتائج هذه البحوث، ترى الباحثة سنية الخياري أن المشكلة الكبيرة تكمن في جمع النوى لأن وحدات معالجة التمر منتشرة في مناطق عديدة في تونس، إضافة إلى شيوع استخدامات أخرى لهذه النفايات الصناعية كتغذية الماشية وصناعة مستحضرات التجميل. ومع ذلك، تجري مفاوضات مع المسؤولين عن وحدة تغليف في مدينة بني خلاد (شمال شرق تونس) لتركيز وحدة تجميع نوى التمر من شأنها أن تسمح لها بالحصول على مصدر إضافي للإيرادات، وتتيح مصدرا ثابتا لهذه النفايات قصد استخدامها لاحقا في معالجة مياه الصرف المتأتية من مصانع النسيج.
رابط الدراسة
البريد الالكتروني للكاتب: gharbis@gmail.com