التحكم في هيكل وحجم وخواص المواد المتبلورة هو نوع من أنواع التحكم في هندسة البلورات. فاقتحام مجال هندسة البلورات بطريقة معينة قد يرقى بالمواد التقليدية، فتصبح مواد متقدمة تواكب متطلبات العصر الحديث. وبصفة عامة، قد يكون التحكم في هندسة البلورة بالتأثير على بعض أو كل أبعادها أو الانتقال بها من هيكل أو طور معين إلى طور آخر. وهذا التأثير قد يؤدي إلى انكماش أو تمدد البلورة أو تغير النظام البلوري للمادة إلى نظام آخر ويكون كل هذا من خلال الكثير من التقنيات والآليات المتطورة. ومن بين تلك التقنيات تقنية المحاليل الصلبة.
المحلول الصلب
اعتقاد فطري لدى الجميع أن المحلول بطبيعته سائل، ولكن الحقيقة تمتد إلى أبعد من ذلك، فالمحلول يمكن أن يوجد في الحالة الغازية أو السائلة أو الصلبة. وبما أن المحلول يتكون من مُذيب بكمية كبيرة ومُذاب بكمية صغيرة كانت أنواعه مابين متجانس وغير متجانس. فالمحاليل الغازية دائماً تكون متجانسة في حين تختلف المحاليل السائلة والصلبة من حيث درجة تجانسها طبقاً لكمية وطبيعة المُذاب والمذيب.
ولكن ما هو المحلول الصلب؟ هو مادة واحدة على الأقل تكون هي المذيب الذي يمتزج بكمية معينة من مادة أخرى تكون هي المُذاب. ومن المحاليل الصلبة الأكثر استخداماً في حياتنا اليومية، المجوهرات والحُلي المصنّعة من الفضة أو الذهب والتي تحتوي على كميات صغيرة من النحاس تكون هي المُذاب الموجود في المحلول الفضي أو الذهبي. ويطُلق على المحاليل الصلبة التي تضم الفلزات اسم السبائك.
المحاليل الصلبة الإحلالية والخلالية
تتنوع المحاليل الصلبة مابين إحلالية أو استبدالية وأخرى خلالية أو "تخللية" وذلك طبقا لآلية إدخال جسيمات (ذرة أو أيون أو جزئ) المادة المُذابة في الشبكة البلورية لجسيمات المادة المذيبة. فإدخال جسيمات المادة المُذابة يكون من خلال آليتين أو طريقتين: الطريقة الأولى هي الطريقة الإحلالية، وفيها تقوم جسيمات من مادة المُذاب بأخذ أو احتلال مكان جسيمات أخرى في الشبكة البلورية لمادة المذيب وتؤدي هذه الآلية إلى تكوين المحاليل الصلبة الإحلالية. أما الطريقة الثانية، فهي الطريقة الخلالية وفيها تقوم جسيمات من مادة المُذاب بالدخول في الفراغات البينية الموجودة في الشبكة البلورية بين جسيمات المادة المذيبة. دلالة على هذا أن المحلول الصلب هو المحلول الناتج من ذوبان جسيمات المادة المُذابة في مادة أخرى مذيبة عن طريق الإحلال أو التخلل.
قواعد الإحلال والتخلل في المحاليل الصلبة
جاءت قواعد هيوم- روثري (Hume-Rothery Rules) لتضع القواعد العامة لعمليتي الإحلال والتخلل في المحاليل الصلبة من خلال ما يلي من قواعد:
- يجب ألا يزيد الاختلاف بين أقطار ذرات كل من المواد المُذيبة والمُذابة عن نسبة 15%.
- يجب أن تتطابق الهياكل البلورية للمذيب والمُذاب.
- كما يجب أن تتشابه السالبية الكهربية للمذيب والمُذاب.
- تطابق تكافؤ كل من المُذاب والمذيب يؤدي إلى الوصول إلى الحد الأقصى لعمليتي الإحلال أو التخلل في المحاليل الصلبة. من ناحية أخرى، تميل جسيمات المعادن ذات التكافؤ المنخفض إلى أن تحل محل جسيمات المعادن ذات التكافؤ العالي نظراً لانخفاض أقطار أيوناتها.
آثار عمليتي الإحلال والتخلل في المحاليل الصلبة
في حقيقة الأمر أن ذوبانية مادة في مادة أخرى في الحالة الصلبة قد يؤثر على الهندسة البللورية لهذه المواد. ومن هنا يرى الكاتب أن هناك ثلاث حالات لعملية الذوبان الإحلالية في الحالة الصلبة وهي كالتالي:
- عدم تغير الشكل أو الهيكل البلوري وبالتالي عدم تغير الحجم البلوري لجسيمات المادة المذيبة مع الوصول إلى الحد الأقصى لعملية الذوبان وذلك عند تطابق كل من تكافؤ وأقطار جسيمات المذيب والمُذاب.
- تغير واضح في الهيكل البلوري للمادة المذيبة وذلك عند اختلاف تكافؤ جسيمات المذيب والمُذاب وكذلك عند اختلاف أقطار هذه الجسيمات بنسبة لاتتعدى 15%. وهنا نجد حالتين من التغير في أبعاد الهيكل البلوري وبالتالي الحجم البلوري للمذيب. في الحالة الأولى إذا كانت جسيمات المادة المُذابة ذات قطر أصغر من قطر جسيمات المادة المذيبة تظهر إجهادات شد يتبعها انكماش للشبكة البلورية وبالتالي نقص في الحجم البلوري للمادة المذيبة. والعكس صحيح في الحالة الثانية حيث تظهر اجهادات ضغط يتبعها تمدد للشبكة البلورية وبالتالي زيادة في الحجم البلوري للمادة المذيبة.
- تحول كامل للشكل أو الهيكل البلوري لجسيمات المادة المذيبة إلى هيكل آخر مختلف تماماً مع اختلاف أبعاده عن الهيكل الأصلي للمادة النقية.
كما توجد ثلاث حالات أيضاً لعملية الذوبان الخلالية في الحالة الصلبة وهي كالتالي:
- عدم تغير الشكل البلوري وبالتالي عدم تغير الحجم البلوري لجسيمات المادة المذيبة وذلك عند تطابق أقطار جسيمات المُذاب مع محيط الفراغات البينية بين جسيمات المادة المذيبة.
- تغير واضح في الهيكل البلوري للمادة المذيبة مع نقص في حجمها البلوري عندما تكون أقطار المادة المُذابة أقل من محيط الفراغات البينية بين جسيمات المادة المذيبة والعكس صحيح.
- تحول شامل في الهيكل البلوري لجسيمات المادة المذيبة إلى هيكل آخر مختلف الأبعاد عن الهيكل الأصلي للمادة المذيبة وذلك عندما تكون أقطار جسيمات المادة المذيبة أكبر من محيط الفراغات البينية التي تتخللها. ومن هنا كانت تقنية المحاليل الصلبة إحدى تقنيات الهندسة البلورية للمواد التي تؤول إلى محاليل صلبة نانوية متقدمة وجديدة.
نطاق المحاليل الصلبة
لايخرج نطاق المحاليل الصلبة عن قواعد هيوم- روثري التي حددت ملامحه بكل بدقة. ففي داخل نطاق وحدود المحاليل الصلبة توجد المحاليل الصلبة النانوية المتقدمة وهي التي تم التحكم في شكلها وحجمها للوصول إلى الحجم النانومتري المرغوب فيه وصولاً إلى خواص معينة ومحددة أكسبتها طبيعة متقدمة مطلوبة بشدة في المجال الصناعي والبيئي والبيولوجي. أما خارج نطاق المحاليل الصلبة فنجد المركبات السبيكية (Intermetallic Compounds) أو ما يسمى بالمواد المتألفَة (Composite) مع استحالة تكوين المحلول الصلب وهذا يحدث عندما يكون هناك فرقاً كبيراً في السالبية الكهربية و/ أو في أقطار جسيمات كل من المواد المذيبة والمُذابة.
توصيف وتحضير المحاليل الصلبة
طرق كثيرة ومتعددة تناولها علم المواد منها طريقة التحميص عند درجات حرارة عالية وطريقة الترسيب أو الترسيب المتزامن المتبوع بالتحميص عند درجات حرارة منخفضة نسبياً. علاوة على طرق التحضير الأخضر القائمة على استخدام مواد طبيعية كعوامل مساعدة في تحضير المحاليل الصلبة. بالإضافة إلى طرق الإحتراق الذاتي القائمة على استخدام مواد إحتراق مثل اليوريا. كما أن هناك العديد من التقنيات التي تؤكد لنا تكوّن المحاليل الصلبة، منها حيود الأشعة السينية والتحليل الحراري الوزني والتفاضلي… الخ. ويرى الكاتب أن تقنية حيود الأشعة السينية مهمة جداً في هذا الصدد والتي من خلالها يمكن دراسة الخواص البللورية للمادة المذيبة.
المحاليل الصلبة التطبيقية
تعددت المحاليل الصلبة التطبيقة في الكثير من مناحي حياتنا اليومية، ومنها على سبيل المثال:
- المجوهرات والحُلي، من الذهب والفضة المحتوية على كمية محددة من النحاس.
- الدوراليومين الذي هو مزيج من الألومنيوم والنحاس المستخدم في الطائرات والقوارب وعربات السكك الحديدية والآلات بسبب قوتها العالية ومقاومتها للتآكل.
- الألومنيوم البرونزي المكون من الألومنيوم والنحاس والمنجنيز والذي له خصائص صب ولحام جيدة بالإضافة إلى مقاومته العالية جداً للتآكل.
- الفولاذ (المقاوم للصدأ) المستخدم في أدوات المائدة والأدوات الجراحية والأواني.
- الحديد المحتوي على نسب مختلفة من المنجنيز المستخدم في القضبان والخزائن والآلات الثقيلة.
- النحاس المحتوي على نسب معينة من المنجنيز والنيكل المستخدم في أدوات القياس الكهربائية.
المحاليل الصلبة والمستقبل
تعتبر هندسة البلورات من التكنولوجيات البازغة والعلوم المستقبلية التي تهدف للوصول إلى مواد جديدة متقدمة لها خواص مختلفة (كهربية مغناطيسية بيولوجية ….ألخ) ما لم نعرفه حتى الآن. وهنا يرى الكاتب أن المحاليل الصلبة من المواد التي سوف تؤثر تأثيراً كبيراً في هذا الصدد، ولم لا؟ وهذا هو أكسيد الزنك ذو الاستخدامات المتعددة صناعياً وبيئياً وبيولوجياً والذي له القدرة على تكوين محاليل صلبة يمكنها استيعاب على مايقرب من 40% من عنصر الماغنسيوم على سبيل المثال.
البريد الإلكتروني للكاتب: nmderaz@yahoo.com