مجلة أجسر – مجلة عربية محكمة في مجال العلوم – زورو موقعنا

لقاح حمى الضنك يثير الجدل

الكاتب

أ.د. عبدالرؤوف المناعمة - روان حسن ريدة

الجامعة الإسلامية- غزة/ فلسطين

الوقت

10:55 صباحًا

تاريخ النشر

16, يونيو 2019

حمى الضنك مرض فيروسي ينتقل عبر البعوض، وازداد انتشاره بسرعة في الكثير من بلدان العالم في السنوات الأخيرة. تشكل إناث البعوض من جنس الزاعجة المصرية Aedes aegypti بدرجة رئيسية  والزاعجة المرقطة A. albopictus.  بدرجة أقل الناقل لهذا الفيروس. كما ينقل هذا النوع من البعوض داء الشيكونغونيا والحمى الصفراء والعدوى بفيروس زيكا. 

ويتفشى المرض على نطاق واسع في المناطق المدارية، مع تباينات في مستويات الخطورة التي تتأثر بمعدل هطول الأمطار، ودرجة الحرارة، والعمران العشوائي. 

تم التعرف على حمى الضنك الحادة (المعروفة أيضاً باسم حمى الضنك النزفية) في الخمسينات من القرن الماضي أثناء فاشيات الضنك في الفلبين وتايلاند. أما اليوم فإن حمى الضنك الوخيمة تنتشر في معظم بلدان آسيا وأمريكا اللاتينية، وقد غدت من بين الأسباب الرئيسية للإدخال إلى المستشفيات والوفيات في صفوف الأطفال والبالغين في تلك المناطق.

يوجد أربعة أنماط (سلالات) مصلية مختلفة من الفيروس المتسبب بحمى الضنك وهي DENV-1, DENV-2, DENV-3,  DENV-4 (وتم اكتشاف سلالة خامسة في العام 2014) ويؤدي تعافي المريض من العدوى إلى اكتسابه مناعة تدوم مدى الحياة ضد السلالة التي  أُصيب بها. وتزيد الإصابات اللاحقة المتكررة بسلالات أخرى من مخاطر الإصابة بحمى الضنك الحادة.

وبائية المرض عالمياً

شهدت العقود الأخيرة ارتفاعاً شديداً في معدلات انتشار حمى الضنك في الكثير من البلدان وتتوقع منظمة الصحة العالمية أن تفوق الأرقام الفعلية لحالات حمى الضنك ما تشير إليه التقارير، كما أن الكثير من الحالات يتم تشخيصها بشكل خاطئ. وتشير إحدى التقديرات الحديثة إلى أن عدد حالات الإصابة بحمى الضنك يصل إلى 390 مليون حالة سنوياً، منها حوالي 96 مليون حالة ظاهرة سريريا. ويُعتقَد أنَّ البدء بأنشطة تسجيل جميع حالات حمى الضنك قد ساعد جزئياً في تفسير الزيادة الحادة في عدد الحالات المبلغ عنها في السنوات الأخيرة.

في ستينيات القرن الماضي عانت تسعة بلدان فقط من فاشيات حمى الضنك الحادة. بينما في الوقت الحاضر استوطن هذا المرض أكثر من 100 بلد. وبالإضافة إلى تزايد عدد الحالات مع انتشار المرض إلى مناطق جديدة، فإن فاشيات انفجارية تحدث باستمرار. وثمة خطر الآن من وقوع فاشية محتملة لحمى الضنك في أوروبا، وقد أُبلغ للمرة الأولى عن سراية محلية للضنك في فرنسا وكرواتيا عام 2010 وتم الكشف عن حالات مستوردة في ثلاث بلدان أوروبية أخرى. وفي عام 2012 أسفرت فاشية لحمى الضنك في جزر مادييرا البرتغالية عن أكثر من ألفين حالة، وكُشف عن حالات مستوردة في البر البرتغالي وعشرة بلدان أخرى في أوروبا. وفيما بين المسافرين العائدين من البلدان منخفضة الدخل والبلدان متوسطة الدخل، فإن حمى الضنك هي ثاني أكثر أسباب الإصابة بالحمى بعد الملاريا.

وقد وُجدت حالات في ولاية فلوريدا (الولايات المتحدة الأمريكية) ومقاطعة يونان الصينية سنة 2013. وتُواصِل حمى الضنك الانتشار في عدة بلدان من قارة أمريكا الجنوبية، على وجه الخصوص كوستاريكا، وهندوراس، والمكسيك. وفي آسيا أبلغت سنغافورة عن زيادة في الحالات بعد انقطاع لعدة سنوات، وأُبلغ أيضاً عن فاشيات في لاو. في عام 2014 أشارت الاتجاهات إلى زيادات في عدد الحالات في جمهورية الصين الشعبية، وجزر الكوك، وفيجي، وماليزيا، وفانواتو، مع ظهور النوع الثالث من حمى الضنك (DEN 3) في البلدان الجزرية في المحيط الهادئ بعد انقطاع دام أكثر من عشر سنوات. وتم الإبلاغ عن ظهور حمى الضنك كذلك في اليابان بعد انقطاع زاد على سبعين عاما.

وقد سجَّلت مدينة دلهي الهندية في عام 2015 كذلك أسوأ فاشية شهدتها منذ 2006، عندما أبلغت عن أكثر من 15000 حالة إصابة بالمرض. كما تأثَّرت جزيرة هاواي بولاية هاواي الأمريكية بإحدى فاشيات حمى الضنك التي أصابت 181 حالة في 2015.

تَميَّز عام 2016 بانتشار ملحوظ لحمى الضنك في جميع أنحاء العالم. وتم الإبلاغ عن أكثر من 2.38 مليون حالة في عام 2016 في الأمريكيتين حيث سجلت البرازيل وحدها عدداً من الحالات يقارب 1.5 مليون حالة، أي ما يزيد على عدد الحالات المسجلة في عام 2014 بحوالي ثلاثة أضعاف. وبُلِّغ أيضاً عن 1032 حالة وفاة ناجمة عن حمى الضنك في الإقليم.

طريقة انتفال الفيروس

تُعتبر بعوضة الزاعجة المصرية الناقل الرئيسي لحمى الضنك. حيث ينتقل الفيروس إلى الإنسان عبر لسعات إناث البعوض المصابة. وبعد فترة حضانة الفيروس التي تتراوح بين 4-10 أيام تغدو البعوضة المصابة قادرة على نقل الفيروس طوال الفترة المتبقية من حياتها.

أما الزاعجة المرقطة فهي ناقل ثانوي لحمى الضنك في آسيا، وقد انتشرت في أمريكا الشمالية وأكثر من 25 بلدا في الإقليم الأوروبي، ويعزى هذا الانتشار إلى التجارة الدولية بالإطارات المستعملة التي تعتبر بؤر تكاثر للبعوض. تتسم الزاعجة المرقطة بقدرتها العالية على الـتأقلم، وبالتالي فإن بمقدورها البقاء على قيد الحياة في المناطق ذات المناخ البارد في أوروبا. ويُعزى انتشارها إلى تحملها لدرجات حرارة تقل عن الصفر، وإلى كمونها (المرور بمرحلة السكون)، وكذلك قدرتها على الاحتماء في بيئات مختلفة.

السمات

حمى الضنك مرض حاد شبيه بالإنفلونزا يصيب الرضع، والأطفال، والبالغين، ولكنه قلما يتسبب في الوفاة. يمكن الاشتباه بالإصابة بحمى الضنك عندما تترافق الحمى الشديدة (40 درجة مئوية) باثنين من الأعراض التالية: الصداع الحاد، ألم خلف العيون، آلام العضلات والمفاصل، الغثيان، القيء، انتفاخ الغدد، والطفح. عادة ما تدوم الأعراض ما بين 2-7 أيام، وذلك في أعقاب فترة حضانة بين 4-10 أيام بعد اللسع من بعوضة مصابة.

وتعتبر حمى الضنك الحادة من المضاعفات المميتة لتسببها فيما يلي: تسرب البلازما، أو تراكم السوائل، أو ضيق التنفس، أو النزف الحاد، أو قصور الأعضاء. وتظهر العلامات التحذيرية بعد ثلاثة إلى سبعة أيام من الأعراض الأولى بالترافق مع انخفاض في درجة الحرارة (دون 38 درجة مئوية) وتشمل: ألم معدٍ حاد، وقيء متواصل، وسرعة تنفس، ونزف اللثة، وإجهاد، وتململ، وقيء مدمم. وقد تكون الساعات 24-28 من المرحلة الخطرة قاتلة؛ وتستدعي الحالة رعاية طبية مناسبة لتفادي المضاعفات وخطر الوفاة.

التطعيم

تم طرح أول لقاح ضد حمى الضنك في العالم، ووافقت إدارة الأغذية والعقاقير الأمريكية (FDA)  على استخدامه،  لكن مع فرض قيود شديدة. 

توصل باحثون من جامعة كاليفورنيا في بيركلي إلى أن الطريقة التي يستجيب بها الجهاز المناعي للشخص المصاب بحمى الضنك عند اصابته بالعدوى للمرة الأولى يمكن أن يكون لها تأثير على شدة الإصابات المستقبلية بسلالات أخرى من الفيروس. تحدث هذه الظاهرة، التي تُسمى التحسين المعتمد على الأجسام المضادة(ADE) ، عندما تزيد الاستجابة المناعية فعلياً من تأثير التعرض الثاني. وهذا الأمر يمكن أن يُحدِث الفرق بين حالة خفيفة وحالة قاتلة من حمى الضنك النزفية.

يُستخدم اللقاح الجديد، الذي يطلق عليه Dengvaxia والذي طورته شركة الأدوية الفرنسية Sanofi Pasteur، فيروس الحمى الصفراء الُمضعَّف، والذي عُدل وراثياً ليحمل جينات من الأنواع الأربعة لفيروس حمى الضنك.

عندما أطلق العلماء في الفلبين حملة تطعيم لأطفال المدارس، أصيب بعض العلماء بالذهول. لاعتقادهم أنَّ اللقاح يجب أن يُعطى فقط للأطفال الذين لديهم حالة مؤكدة سابقة من الفيروس؛ وذلك لتفادى الخطر المحتمل في أن يكون اللقاح بمثابة التعرض الأول مما يؤدي إلى الإصابة بالعدوى النزفية الحادة. وقد سمحت منظمة الصحة العالمية بإطلاق اللقاح على أي حال، ويبدو أن المخاوف كانت صحيحة. فمن بين 830 ألف تلميذ تم تطعيمهم في الفلبين، مات 130 منهم. ومع ذلك، لم يكن هناك دليل مباشر على أن اللقاح كان السبب. ولكن قامت منظمة الصحة العالمية بتغيير توصياتها بعد ذلك؛ فأوصت أن لا يُعطى اللقاح إلا للأشخاص الذين تم التأكد من أنهم أصيبوا سابقاً بالفيروس.

مازال مصير هذا اللقاح غير واضح، حيث تُوجد الآن ادعاءات قضائية من وزارة العدل الفلبينية على الشركة المنتجة واتهام للعلماء المشرفين على برنامج التطعيم في الفلبين بالإهمال الذي تسبب في موت العديد من الأطفال.

 

المراجع 

 

البريد الإلكتروني للكاتبين: elmanama_144@yahoo.com | rawaaan10001@gmail.com

الزوار الكرام: يسعدنا مشاركتكم وتواصلكم حول هذا المقال

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

license
0 التعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
guest

شبكاتنا الاجتماعية

  • facebok
  • twitter
  • Instagram
  • Telegram
  • Youtube
  • Sound Cloud

يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

icons
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x