من المعروف أن نشر الكتب العلمية في دور النشر العالمية هي عملية قد تستغرق فترة زمنية طويلة قد تصل في بعض الأحيان إلى عامين أو أكثر، حيث تشتمل عملية نشر الكتب على العديد من الخطوات، تبدأ بإعداد مقترح الكتاب ثم تحكيم المقترح من طرف المحكمين النظراء ثم مراسلة المؤلفين ثم كتابة فصول الكتاب وتحكيمها وتدقيقها لغوياً وفي النهاية يتم نشر الكتاب في صورة ورقية أو إلكترونية.
أدّى التطور الكبير في تكنولوجيا المعالجة اللغوية Natural Language Processing والتعلم الآلي Machine Learning والذكاء الاصطناعي AI إلى ظهور النصوص المؤلفة إلكترونياً، كما هو الحال في بعض نصوص الصحافة الآلية في مجالات الأوراق المالية وتقارير السوق أو تنبؤات الطقس، حيث يتم تحويل البيانات والإحصائيات إلى نصوص لغوية آلياً. وقاد ذلك الأمر إلى تفكير العلماء في ابتكار آلية جديدة للتأليف والنشر العلمي، ألا وهي الكتب المؤلفة آلياً أو إلكترونياًMachine-Generated Research Book .
احتفلت دار نشر سبرنجر نيتشر Springer-Nature العالمية مؤخراً بإصدار أول كتاب في العالم يتم تأليفهُ إلكترونياً بواسطة تكنولوجيا المعالجة اللغوية والتعلم الآلي والذكاء الاصطناعي، حيث تم نشر الكتاب بدون اسم للمؤلف، وأُطلق على المؤلف مجازاً اسم Beta Writer وتم تطوير Beta Writer الذي يعتمد على خوارزميات جمع وتلخيص المحتوى العلمي للنقطة البحثية مجال الاهتمام عن طريق تعاون مشترك بين دار نشر Springer Nature ومجموعة من علماء ومهندسي تكنولوجيا المعالجة اللغوية والتعلم الآلي بجامعة جوته بمدينة فرانكفورت الألمانية.
عنوان الكتاب هو Lithium-Ion Batteries أو بطاريات ايون الليثيوم (البطاريات القابلة لإعادة الشحن) باللغة العربية وتم اقتراح هذا العنوان نظراً لأنهُ تم نشر أكثر من 53 ألف مقالة وورقة بحثية في السنوات الثلاث الماضية عن البطاريات القابلة لإعادة الشحن. وتعد البطاريات القابلة لإعادة الشحن جزءاً أساسياً من حياتنا اليومية، حيث تستخدم في الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة وغيرها من الأجهزة.
تم تأليف الكتاب عن طريق التلخيص التلقائي للأوراق البحثية والنصوص العلمية التي تم تجميعها من محتوى قاعدة بيانات Springer Link، وهنا فإن عملية التأليف العلمي تتم آلياً بل وفي زمن قصير جداً، حيث يتم تخليص عدداً كبيراً من الأوراق البحثية في مجال معين في كتاب قصير وبالتالي سيؤدي ذلك إلى اختصار وقت الباحثين والعلماء بدلاً من قراءة مئات الأوراق البحثية المنشورة.
يعتبر هذا الكتاب نموذج أولي للكتب التي سوف يتم تأليفها إلكترونياً في المستقبل القريب، حيث تخطط دار نشر Springer Nature إلى تطبيق هذه الآليات الحديثة في نشر نماذج أولية في مجالات وموضوعات علمية أُخرى بما في ذلك العلوم الإنسانية والاجتماعية. وطرحت مقدمة الكتاب عدداً من الأسئلة المتعلقة بـتأثير الذكاء الاصطناعي على صناعة النشر العلمي في المستقبل، ولا زالت تلك الأسئلة تحتاج إلى نقاش ودراسات مستفيضة حتى تصل عملية التأليف الإلكتروني إلى الكمال نوعاً ما، وكان من أهم تلك الأسئلة:
- ما هو مصدر المحتوى العلمي الذي أنشأته الآلة؟
حيث توجد مصادر علمية محكّمة ومنشورة في الدوريات وقواعد البيانات العالمية وعلى النقيض توجد العديد من المصادر الغير محكّمة على الشبكة العنكبوتية.
- من المسؤول عن المحتوى الذي تم إنشاؤه آلياً من وجهة النظر الأخلاقية؟
حيث أن المصادر الأساسية التي تم استخدامها في تأليف هذا الكتاب هي مصادر تم مراجعتها من قبل النظراء. ولكن قريباً سوف نرى النصوص التي سيتم إنشاؤها بواسطة آلة من مصادر لم يتم مراجعتها من قبل النظراء مما سيؤدى إلى عمليات تقييم أكثر تعقيداً.
- ما هو دور المراجعة المناظرة Peer review ؟
فمن هم المراجعين الأقران في هذا السياق؟ وهل يمكن اعتبار القارئ البشري نظيراً لجهاز الحاسب الآلي؟
- ما هو دور المؤلف العلمي؟
فمن المتوقع في المستقبل أن يكون هناك مجموعة من الخيارات لإنشاء المحتوى العلمي للكتب والأوراق العلمية، ومن المتوقع أن يوجد خلط بين الإنسان والآلة في تأليف النصوص العلمية، لكن من الصعب أن يتم استبدال المؤلفين بـالخوارزميات كلياً. ومن المتوقع أن دور المؤلفين سوف يظل مهماً، ولكن سيتغير بشكل كبير وسوف يزداد عدد مصممي النصوص العلمية مع تزايد اصدار النصوص بواسطة الخوارزميات.
في النهاية يعتبر إصدار هذا الكتاب طفرة كبيرة في النشر العلمي، لكن من المهم العثور على إجابات للعديد من الأسئلة المطروحة وتحديد المعايير المتعلقة بـالمحتوى العلمي الذي تنتجة الآلة. ويعتبر هذا الكتاب أيضاً بمثابة فرصة لبدء المناقشة المبكرة لمستقبل المؤلف الآلي في النشر العلمي.
هذا وبالله التوفيق
المصدر
البريد الإلكتروني للكاتب: hassanienmohamed@hotmail.com