منظمة المجتمع العلمي العربي، هي مشروع حضاري عربي إسلامي يسعى لاعادة اعتبار العلم وممارسته جزءاً أساسياً من ثقافة الأمة وبعداً حضارياً لها.
تؤمن المنظمة أن العلم والمعرفة لا يمكن أن تُنقل من مجتمع إلى آخر، وإنما تُمتلك. ولا يمكن امتلاكها دون أن يبني المجتمع لنفسه وبنفسه تقاليده الخاصة بالبحث العلمي، أي بتوطين العلم فيه. لذا، تسعى المنظمة لتوطين العلم وامتلاكه وتشجيع خلق التقاليد العلمية الوطنية في البحث النظري والتقني من أجل امتلاك القدرة على تحصيل العلوم والتقنية وتطبيقها وانتاجها والاستفادة منها. وليس استيراد بعض تطبيقات العلم ونتائجه.
ولكن يجب أن يكون واضحاً أنه لا يمكن توطين العلم ونعني به القدرة الفعلية على تحصيل العلوم والتقنية وتطبيقها، إلا إذا تبنت الحكومة والقطاع الخاص سياسة الاعتماد على الذات. أي لا بد من قرار وتشجيع من السلطة السياسية والالتزام الإرادي للنخب الاقتصادية والعسكرية والعلمية. وعمل المنظمة يأتي للتهيئة لمثل هذه الخطوة وتشجيع اتخاذ هذا القرار، من خلال تصحيح المفاهيم ونشر الثقافة العلمية بمعناها الواسع من جهة، وبالتركيز على بناء وتقوية المادة والركن الأساسي للنهضة الحضارية القائمة على العلم، ألا وهو المجتمع العلمي العربي. وإذا أردنا ضرب أمثلة للتوضيح، فلدينا مثالين: أحدهما النهضة العلمية العربية الإسلامية في بداية الدولة العباسية، والآخر تجارب الدول في العصر الحديث.
كما يقول البروفسور رشدي راشد:" كان العلم بعداً أساسياً في المدينة الإسلامية. ولم يهاجم أو يضطهد العلم في الحضارة الإسلامية أبداً". ويقول:" لقد كان الاعتماد على الذات سمة ثقافية عربية إسلامية". ويقول أيضاً: " لقد أصبح العلم بتطبيقاته جزءاً من الممارسة الاجتماعية وفي التدريس والبحث، ولم يكن العلم هامشياً في المدينة العربية الإسلامية، ولم يكن هامشياً في الثقافة العامة. وهذه إحدى خصائص الحضارة العربية حتى في عصور الانحطاط".
فما الذي ساعد في توطين العلم في الحضارة العربية في ذلك الوقت؟
بالإضافة إلى تشجيع العلم والفكر واحترام العلماء في القرآن والسنة، كان لتشجيع السلطة السياسية والاجتماعية دور كبير في دعم هذا التوجه. وتظهر أهمية الاعتماد على الذات والثقة بالنفس ويمكننا القول الاعتزاز بالهوية في هذا التشجيع من جهة وكذلك في جهود العلماء والباحثين الذين يريدون توفير حاجات المجتمع الجديد (الإسلامي) المادية والثقافية. بالإضافة إلى ذلك، كان لوجود نهضة في العلوم الإنسانية والاجتماعية سابقة ومعاصرة للنهضة العلمية مثل: علم الكلام وعلم اللغة والتاريخ والفقه والتفسير وعلم الحديث …. الخ، دور كبير أيضاً في تلك النهضة العلمية العربية.
وللغة دور كبير وأساسي في أي نهضة، فاللغة ليست ألفاظ فقط وإنما فكر وثقافة وروح، ولا يمكن أن توجد نهضة بلغة أجنبية. لقد احتاج العلماء العرب لترجمة علوم السابقين، وكان الهدف من الترجمة هو تلبية حاجات البحث والمجتمع العلمي. فقد كان المترجمون أنفسهم علماء. وكان اختيار الكتب وتوقيت هذا الاختيار مرتبطاً بما يعرض للبحث. ونتيجة لتلك الأنشطة كانت نشأة اللغة العربية العلمية.
أما المثال الثاني، فهو من تجارب الدول في الوقت الراهن، فكل تلك الدول التي أصبحت بها نهضة علمية وبدون استثناء، ربطت نتائج البحث والتطوير فيها بالاقتصاد بفاعلية أكبر؛ واستثمرت بشكل كبير في بنيتها العلمية التحتية. أي اهتمت بنوعية المجتمع العلمي فيها ووجهت البحوث لحاجتها ورؤيتها الخاصة، ووضعت سياستها العلمية وفق رؤيتها وتطلعاتها الوطنية.
البريد الالكتروني للكاتب: mmr@arsco.org