من المتوقع حدوث خسوف كلي للقمر مساء يوم الجمعة 27 يوليو الجاري 2018 في أجزاء واسعة من العالم، تشمل الوطن العربي بأكمله. حيث يستمر الخسوف الأطول في القرن الحادي والعشرين مدة تبلغ ست ساعات وثلاث عشرة دقيقة وإحدى وخمسين ثانية، منها ساعة واثنان وأربعون دقيقة وست وخمسون ثانية خسوفاً كلياً تغطي كل المشرق العربي ومصر والسودان والصومال وجيبوتي وجزر القمر والجزء الشرقي من ليبيا، بينما تتناقص فترة الخسوف كلما اتجهنا غرباً لتصل إلى ثلاث ساعات وثلاث وخمسين دقيقة وتسع وعشرين ثانية في نواكشوط العاصمة الموريتانية منها ساعة وثمان وثلاثون دقيقة وثانيتان خسوفا كلياً.
والصورة التوضيحية التالية والمأخوذة من موقع timeanddate.com تبين هذا الخسوف، كما يحتوي الموقع على الكثير من المعلومات المفيدة حول الظاهرة.
تذكر لنا كتب السيرة أن كسوفاً للشمس وقع يوم وفاة إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال البعض أنها كُسفت لموت إبراهيم، فقام عليه الصلاة والسلام، بتصحيح هذا الاعتقاد وأمر مناديا ينادي، الصلاة جامعة. فصلى بالناس ثم خطبهم، وبين لهم حكمة الكسوف وأبطل اعتقادات الجاهلية، وبين لهم ما ينبغي لهم أن يفعلوه من الصلاة، والدعاء، والصدقة، وقال عليه الصلاة والسلام: " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا، وصلوا، وتصدقوا ".
نعم، إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فالعقل المسلم عقل علمي لا يؤمن بالخرافات والخزعبلات، أراد له الله سبحانه من أول كلمة أن يقوم تفكيره على المنطق والعلم والبرهان. وبناء عليه فقد أسهم العلماء المسلمون في تفسير ظاهرة الخسوف والكسوف بشكل علمي دقيق، فقد درس ثابت بن قرة في القرن التاسع الميلادي مسألة الكسوف ثم جاء الحسن بن الهيثم ليكمل عمله ويكتب رسالة في أكثر من عشرين صفحة بعنوان " في صورة الكسوف" فسر فيها الظاهرة من الناحية الرياضية والفلكية بشكل دقيق ونهائي كما هي معلومة لدينا اليوم، ونقد فيها ما جاء في كتاب المجسطي لبطليموس حول الظاهرة. وقد حسب ابن الهيثم موعد ووقت حدوث الظاهرة بدقة عالية جدا.
الخسوف ظاهرة فلكية معروفة تنشأ من طبيعة سير أشعة الضوء في خطوط مستقيمة مما يتسبب بحدوث منطقة ظل وشبه ظل إذا وقع حائل بين مصدر الضوء والسطح المستقبل له. فحين تقع الأرض بين مصدر الضوء وهو الشمس وبين القمر وهو السطح المتلقي لها فإنها أي الأرض تحجب كل أو جزء من أشعة الشمس وتلقي بظلالها على القمر متسببة في حدوث ظاهرة الخسوف. والعكس يحدث عندما يقع القمر بين الشمس والأرض ويحجب عنا جزء من أشعة الشمس فتحدث ظاهرة كسوف
الشمس. وحسب التغطية يكون الخسوف أو الكسوف كلياً أو جزئياً.
خلال الخسوف الكلي يظهر القمر بلون أحمر ويمكن النظر إليه بالعين المجردة بدون أن يسبب لها أذى.
الخسوف الجزئي يحصل عندما لا يكون القمر والأرض والشمس على استقامة واحدة. فيقع جزء من القمر في منطقة ظل الأرض وجزء في منطقة شبه الظل.
خسوف شبه الظل يحصل عندما يكون كل أو جزء من القمر في منطقة شبه الظل وعندها يظهر القمر باهتاً وليس منخسفاً.
ونظراً لكون الشمس والكواكب المحيطة بها وأقمارها تدور في أفلاك وتخضع لقوانين الفيزياء الفلكية الصارمة التي جعلها مبدع هذا الكون العظيم آية من آياته، وأعطى الإنسان القدرة على الفهم والحساب، فإن هذه المدارات أصبحت معروفة ويمكن حساب متى وأين تقع هذه الظواهر. ومنها التنبؤ بحدوث هذا الخسوف في مساء يوم الجمعة 27/7/2018 .
والبيانات التالية والمأخوذة من الموقع نفسه تبين بداية ونهاية الخسوف في تلك الليلة في شرق وغرب الوطن العربي. ويمكن من خلال الموقع معرفة بيانات كل منطقة.
لا يتعارض تنبؤ العلماء بموعد الكسوف أو الخسوف أو فهم الظاهرة مع كونه آية يخوف الله بها عباده، لأن الله يعلم الشيء قبل وقوعه ويؤقت الأقدار في مناسباتها. وتمكين الله للإنسان من هذا العلم ليس مبرراً لعدم الخوف أو عدم الالتزام بالسنة وبأمر الرسول عليه الصلاة والسلام فيها.
فكسوف الشمس وخسوف القمر آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده ويذكّرهم ببعض ما يكون يوم القيامة إذا الشمس كوّرت وإذا النجوم انكدرت، وإذا برق البصر وخسف القمر وجُمع الشمس والقمر، وهذا وجه التخويف وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم من شدة خشيته لله قد خرج فزعا يظنّ الساعة قد قامت لما كسفت الشمس في عهده وهذا من قوّة استحضاره لقيام الساعة وشفقته منها، وأمّا نحن فقد أصابتنا الغفلة حتى لم يعد أكثر الناس يرون فيها إلا مجرّد ظاهرة طبيعية يعمدون فيها إلى لبس النظّارات وحمل الكاميرات والاقتصار على التفسير العلمي الدنيوي لها دون أن يدركوا ما وراء ذلك من التذكير بالآخرة وهذا من علامات قسوة القلب وقلة الاهتمام بأمر الآخرة وضعف الخشية من قيام الساعة والجهل بمقاصد الشّريعة وما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من الفزع عند حدوث الكسوف والخسوف.
وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يقومون لصلاة الكسوف والخسوف وفي أنفسهم أنها لو كانت لقيام الساعة لم يكونوا بصلاتهم غافلين وإن كان الكسوف والخسوف ليس لأنّ القيامة قد قامت فلم يخسروا بصلاتهم وإنما غنموا أجرا كبيراً.
نسأل الله أن يجعلنا ممن يخشونه وهم من الساعة مشفقون وصلى الله على نبينا محمد.
[الفقرة الأخيرة مأخوذة من موقع الإسلام سؤال وجواب]
- نوصي بالاطلاع على النسخة المرفقة على هيئة ملف PDF
البريد الإلكتروني للكاتب: mmr@arsco.org