يرى العديد من الباحثين والمؤرخين لتاريخ العلم أن بداية نشوء علم (النانو تكنولوجي)Nanotechnology تعود إلى تلك التساؤلات التي طرحت في العام 1959 من قِبل العالم الأمريكي الشهير (ريتشارد فاينمان) الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1965، والتي وجهها إلى الجمعية الفيزيائية الأمريكية في محاضرة بعنوان (هناك مساحة واسعة في الأسفل). وذلك حينما قال: إذا كان تحطيم الذرة أنتج الطاقة النووية والقنابل الذرية، فماذا يحدث إذا استطعنا التحكم بحركة الذرات وتغيير مواقعها، وإعادة ترتيبها كما نشاء؟
وقال: إن المادة عند مستويات بعدد قليل من الذرات (النانو) تتصرف بشكل مختلف عن حالتها عندما تكون بالحجم المحسوس، كما أشار إلى إمكانية تطوير طريقة لتحريك الذرات والجزيئات بشكل مستقل والوصول إلى الحجم المطلوب وعند هذه المستويات يتغير كثير من المفاهيم الفيزيائية فمثلا تصبح الجاذبية أقل أهمية وبالمقابل تزداد أهمية التوتر السطحي. ولم يتوقع (فاينمان) أحد أعظم علماء الفيزياء في القرن العشرين أن يتوصل أحد إلى إجابة على سؤاله إلا في المستقبل البعيد وهو ما حصل بعد نحو عقدين من الزمن على يد عالم عربي مسلم جاء للدراسات العليا من فلسطين المحتلة، إنه البروفيسور منير نايفه الذي أصبح أحد رواد علم تقنيات النانو تكنولوجي في العالم، حيث نجح العالم الفلسطيني في الإجابة على سؤال (فاينمان) وتمكن من تحريك الذرات منفردة ذرة ذرة، وهو الاكتشاف الذي أسس لفرع جديد في علم الكيمياء وهو (كيمياء الذرة المنفردة) وأستطاع نايفة بتحريكه للذرات وتحقيق حلم (فاينمان) وعمل على تطوير طريقة جديدة للكتابة على السطوح باستخدام ترتيب ورصف الذرات ،وهي ما عرفت لاحقا بتسمية (الكتابة على الذرات).
ليس ذلك فحسب بل إن نتائج أبحاثة على ذرة الهيدروجين باستخدام الليزر أثناء عملة في معمل جامعة ستانفورد أثناء دراسته للدكتوراه جعلته من أوائل مكتشفي اختلاف سلوك المواد والجزيئات عند الأبعاد النانوية، وعن الأبعاد المرئية. لقد أعتُبر اكتشاف منير نايفة في تحريك الذرات بمثابة ولادة تقنية النانو الحديثة، حيث إن تثبيته للذرات وتحريكها كيفما يشاء وفي أي درجة، مهدت إلى رسم الخطوط الأولية لتقنية النانو، المستخدمة في شتى جوانب العلوم التطبيقية كالحواسيب والأجهزة المحمولة والأدوات الطبية.
ولعل من أهم التحولات في نشوء علم النانو تكنولوجي هو ذلك الاكتشاف الذي توصل له البروفسور منير نايفة وهو اكتشاف وتصنيع عائلة من حبيبات السليكون أصغرها ذات قطر 1 نانو وتتكون من 29 ذرة سيليكون شكلها على سطح الفلورينات الكربونية إلا أن داخلها غير فارغ حيث تتوسطها ذرة واحدة منفردة، وهذه الحبيبات عندما تتعرض لضوء الإشعاع فوق البنفسجي فأنها تعطي ألواناً مختلفة حسب قطرها تتراوح بين الأزرق والأخضر.
لقد مهدت الأبحاث النانوية للعالِم العربي المسلم منير نايفة إلى إحداث طفرة طبية أدت إلى علاج العديد من الأمراض التي وقف العلم عاجزاً عنها لسنوات طويلة، فقد أتاحت إنجازاته البحثية هذه بناء أجهزة ومعدات مجهرية لا يزيد حجمها على عدة ذرات بما يمكنها من الولوج في جسم الإنسان، والسير داخل الشرايين والوصول إلى أعضائه الداخلية. كما تؤدي إلى إمكانية بناء مركبات معقدة مثل المستقبلات والإنزيمات والأجسام المضادة والهياكل الخلوية التي يكون تصنيعها مكلفا وصعبا باستعمال تقنيات الكيمياء الصناعية الحالية. إضافة إلى ذلك ستؤدي الأبحاث النانوية للعالم العربي نايفة إلى صناعة غرف عمليات كاملة في كبسولة (عبوة) صغيرة، يتم وضعها داخل جسم المريض لتقوم بتنفيذ العملية التي برمجها الطبيب فيها حسب حالة المريض.
إن الطفرة التي أحدثتها أبحاث العالم منير نايفة لم تتوقف على مجال الطب فقط بل تتعدى إلى ميادين الحياة الأخرى مثل الزراعة والغذاء والبيئة والإلكترونيات، فضلا عن تطبيقاتها العسكرية والأمنية والاستكشافية في الفضاء. فقد ظهرت مؤخرا وعلى سبيل المثال منتجات رياضية تحتوي على مواد نانوية، وزجاج مطلي بمواد نانوية لتمنع تبللها أو التصاق الأوساخ عليها ومرشحات للهواء، وحبيبات نانوية مطهرة. ويمكن استنتاج تلك القفزة التي ستحققها التكنولوجيا النانوية (النانوتكنولوجي) وتطبيقاتها بتلك التي أحدثتها (المايكروتكنولوجي) والتي أنتجت الكومبيوتر والترانزيستور وكل المعدات الإلكترونية الحالية. وفي هذا الإطار يشير الكتاب السنوي الصادر عن الموسوعة البريطانية (بريتانيكا) إلى أن تقنية نايفة سوف تزيد من كفاءة أداء الآلات مابين 100 مليون و10الاف مليون مرة على الطريقة التقليدية.
السيرة الذاتية للبروفسور منير نايفة
ولد البروفيسور منير حسن نايفة في ديسمبر عام 1945 في قرية (شويكة) بجوار مدينة طولكرم الفلسطينية، حيث درس المرحلة الابتدائية في طولكرم ثم انتقل للدراسة الثانوية في الأردن في المدرسة الهاشمية، ثم انتقل للدراسة الجامعية في لبنان حيث تحصل على البكالوريوس في الفيزياء عام 1968 ثم الماجستير عام 1970. وبعدها تقدم لمنحة لدراسة الدكتوراه في الفيزياء الذرية وعلوم الليزر في جامعة (ستانفورد) في الولايات المتحدة الأمريكية التي تحصل عليها في العام 1974 بعد حصوله على الدكتوراه عمل نايفة باحثا في معهد أوك ريدج القومي Oak Ridge National Laboratory وذلك خلال الفترة من عام 1977 حتى 1979 ليلتحق بعد ذلك وفي العام 1980 للعمل في جامعة إلينوي والتي مازال يعمل بها، وفي هذه الجامعة احتل مكانة علمية مرموقة حيث شغل منصب بروفيسور الفيزياء.
كتب د. نايفة ما يزيد على 180 مقالاً وبحثاً علمياً، وشارك مع آخرين في إعداد وتأليف العديد من الكتب عن علوم الليزر والكهربية والمغناطيسية، وتقديراً لعلمه ونبوغه حصل على 100 جائزة، كما وردت الإشارة إلى اسمه في العديد من موسوعات العلماء والمشاهير، أبرزها موسوعة «بريتانيكا» الشهيرة، وموسوعة «ماجروهيل» وقائمة رجال ونساء العلم الأميركيين، وقائمة رجال الإنجازات. ويقول عنه رئيس قسم الفيزياء في جامعة إلينوي ديل هان هارانجن: إن نايفة اكتشف قبل خمس عشرة سنة أهمية تكنولوجيا النانو وبدأ أبحاثه فيها، وانصب اهتمامه الأساسي على كيفية تصنيع جزيئات نانو عالية الجودة، واستخدم النانو في العديد من التطبيقات، الأمر الذي جعله عالما مثيرا للاهتمام.
روابط ومراجع:
البريد الإلكتروني للكاتب: abualihakim@gmail.com