عرف الخل منذ الحضارات القديمة وفي تراثنا العربي والإسلامي بفوائده الصحية والغذائية الكثيرة للإنسان. لكن دراسة علمية يابانية جديدة كشفت أن فوائده تشمل كذلك النباتات من خلال زيادة قدرتها على مقاومة الجفاف. فقد اكتشف باحثون يابانيون تقنية جديدة لزيادة مقاومة عدد من النباتات للجفاف باستخدام مادة الخل بعد أن لاحظوا أن بعض النباتات تمتلك في فترات الجفاف آلية بيولوجية لإنتاج مادة الخلات Acetate، وهي ملح من مشتقات حمض الخل، وتزيد هذه المادة من قدرة النباتات على التأقلم مع ظروف نقص المياه. وقد نشرت نتائج الدراسة في دورية "نيتشر بلانت" العلمية في شهر يونيو2017.
وقد كان أحد أهداف الدراسة التي أجراها باحثون من معهد ريكن في يوكوهاما في اليابان هو اكتشاف سر المقاومة الطبيعية العالية للجفاف التي يمتلكها أحد أنواع نبتة رشاد الصخر أرابيدوبسيس Arabidopsis، وهو نبات ينتشر في آسيا وأوروبا وشمال إفريقيا، فقد عرف هذا النبات تحور جيني على إنزيم يُسمى HDA6 Histone Deacetylase6، كما سعى الباحثون من خلال هذه الدراسة إلى تحديد كيفية تأثير هذا التحور في جعل النبتة تنمو بشكل طبيعي جداً في ظل ظروف الجفاف القاسية والمطولة. وتبين أن وجود هذا الإنزيم يؤدي إلى تنشيط عملية بيولوجية تنتج خلات، وهي ملح مشتق من حامض الخليك المكون الرئيسي للخل. والخل هو منتج معروف مكون من محلول مخفف من حامض الخليك أو حامض الأسيتيك، متاح على نطاق واسع وغير مكلفة.
وتوصل الباحثون لعدة اكتشافات مهمة في هذه الدراسة، حسب مجلة "علوم وحياة" الفرنسية عن جونغ ميونغ كيم وموتواكي ساكي المشاركان في البحث، كان من بينها أن إضافة الخل كعامل خارجي يمكن أن يحسن مقاومة النباتات للجفاف كما استنتج العلماء أن العملية البيولوجية التي تنتج مادة الخلات داخل النبتة وتمكنها من مقاومة الجفاف موجودة في الكثير من النباتات المزروعة مثل الأرز والقمح والذرة. وأظهرت الاختبارات التي أجريت على نبتة رشاد الصخر العادية في ظروف الجفاف العلاقة بين إنزيم HDA6 وتفعيل العملية البيولوجية التي تنتج الخلات المادة الأساسية للخل. وقد استنتج الباحثون أن عملية التفعيل تكون أكثر أهمية لدى النباتات المحورة جينياً وهي تترافق مع إنتاج كميات أكبر من مادة الخلات.
وقد أظهرت البحوث المعمقة في هذا المجال أن إنزيم HDA6 يقوم بوظيفة مفتاح التحكم في نوع مسار التمثيل الغذائي. ففي الظروف العادية يُفعِّل الإنزيم داخل النباتات عملية تحويل السكر إلى طاقة، لكنه في أوقات الجفاف يفعل العملية التي ينتج خلات. وقام الباحثون لاحقاً بقياس كميات الخلات في النباتات العادية واستنتجوا أن الكميات المنتجة منها داخل النبتة في أوقات الجفاف متناسبة مع حظوظ بقائها على قيد الحياة.
وأظهرت النتائج أن النباتات التي تنتج كميات أقل من الخلات تكون أكثر حساسية للجفاف من النباتات التي تنتج كميات أكبر من هذه المادة. وخلص الباحثون إلى أن زيادة كميات الخلات داخل النبتة من شأنها أن تزيد في مقاومتها للجفاف واحتمال بقائها على قيد الحياة في فترات نقص المياه. وقام فريق البحث باختبار هذه الفرضية من خلال زرع نباتات عادية في مناطق جافة مع معالجتها باستخدام الخلات أو أحماض أخرى أو الماء. واستنتجوا بعد مرور 14 يوماً أنه بقي 70 بالمائة من النباتات التي تمت معالجتها بالخلات على قيد الحياة بينما ماتت كل نباتات الأخرى.
كما أكدت اختبارات أخرى أجراها الفريق الياباني أن قدرة نباتات القمح والأرز والذرة على مقاومة الجفاف تزيد عند زراعتها في تركيزات مناسبة من الخلات. ووفقاً لـ جونغ ميونغ كيم، المؤلف المشارك للدراسة، فإن الحلول المتعلقة بمقاومة الجفاف قد يأتي من الكائنات المعدلة وراثياً، لكن من الأفضل تطوير تكنولوجيا بسيطة وأقل تكلفة، وذلك لأن النباتات المعدلة وراثياً غير متوفرة في جميع البلدان.
المراجع
بيان معهد ريكن حول الدراسة:
رابط المقال (ملخص):
المقال بصيغة PDF للقراءة والتحميل أعلى الصفحة.
البريد الإلكتروني للكاتب: gharbis@gmail.com