مجلة أجسر – مجلة عربية محكمة في مجال العلوم – زورو موقعنا

زيادة سنوات الدراسة بكليات العلوم بين الرفض والقبول

الكاتب

الكاتب : الدكتور طارق قابيل

أستاذ التقنية الحيوية المساعد - جامعة الباحة

الوقت

01:06 مساءً

تاريخ النشر

02, أكتوبر 2014

حرك قرار مجلس نقابة العلميين بالموافقة على زيادة سنوات الدراسة بكليات العلوم إلى 5 سنوات العديد من المشاعر، والكثير من الذكريات الأليمة لديّ و لدى الكثير من العاملين في هذا المجال. فعندما ذهبت للولايات المتحدة لأول مرة فوجئت أن معظم أقراني الحاصلين على الدكتوراه من أمريكا و اليابان و الصين والهند، وبعض دول أوربا الشرقية لا تتجاوز أعمارهم الثلاثين عاماً، في الوقت الذي حصلت فيه على درجة الماجستير بعد أكثر من 10 سنوات، بالرغم من أنه قد تم تكليفي معيداً في أكبر كليات العلوم المصرية، وأعرقها، وهى كلية العلوم جامعة القاهرة، وكنت أول دفعتي، و قد كان هذا التأخير نتيجة للعديد من الأسباب والمعوقات الموجودة في جامعاتنا المصرية، والتي لا يتسع المقام هنا لذكرها.

ولكن أهم ما في هذا الموضوع هو التناقض الذي يشعر به أي طالب مصري مبتعث للخارج، و تحسّره على سنوات عمره التي تضيع دون أي جدوى، و ما يدفعه من ثمن غالٍ للحصول على الدرجات العلمية العليا، في حين أن جميع أقرانه في دول العالم المتقدم يحصلون على قسط أوفر من التعليم و التميز العلمي دون الحاجة لبذل الغالي و النفيس للحصول على هذه الدرجات العلمية. وكان مجلس نقابة العلميين قد صدّق بالإجماع على مقترح يطالب بزيادة عدد سنوات الدراسة بكلية العلوم إلى 5 سنوات، وذلك عن طريق إضافة سنة خامسة تطبيقية، كما وافق على تشكيل لجنة لوضع تصور في هذا الصدد بعضوية أساتذة و عمداء كليات العلوم بالجامعات المصرية و عضوية العديد من المتخصصين وممثلين من القطاعات المختلفة التي يعمل بها العلميون.

وبحسب بيان النقابة، فأن هذا المقترح يهدف إلى رفع مستوى كفاءة الخريجين في التخصصات المختلفة للكلية، و أن زيادة عدد سنوات الدراسة سيتيح الفرصة للدارسين للحصول على دراسات تخصصية تطبيقية في إطار تأهيلهم لسوق العمل إلى جانب الدراسة الأكاديمية التي تتناول الفروع المختلفة من العلوم. وأوضح نقيب العلميين أن هذا المقترح يهدف أيضاً إلى التغلب على التحديات التي تواجه خريج كليات العلوم في سوق العمل و تتيح له التنافس مع التخصصات المختلفة و زيادة الخبرة في إطار زيادة سنوات الدراسة لخمس سنوات بما يتلاءم مع المتاح من فرص العمل في ظل تباين التخصصات.

وكما هو متوقع، أثار هذا البيان العديد من ردود الفعل بين الطلاب و الخرجين و العاملين و الباحثين بالمراكز البحثية و أعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية و غيرها من المؤسسات الحكومية و الجهات التنفيذية التي تهتم بالبحث العلمي و التعليم العالي في مصر. وامتلأت صفحات الشبكات الاجتماعية بالعديد من التعليقات الساخرة المتعلقة بهذا الموضوع، فضلاً عن التعليقات الجادة و الأفكار المتزنة و الرزينة، التي جاءت في معظمها رافضة لهذا التوجه،  ومحذرة من تداعيات تنفيذ هذا القرار. وأكدت جميع وجهات النظر أن مخرجات التعليم الجامعي تقاس بكفاءة الخريج، و منافسته في سوق العمل الدولي، و المحلي، و أن تطوير التعليم و المناهج التعليمية، و تحسين المقررات الدراسية، و زيادة الدراسة العملية و التدريبية و الاهتمام بمخرجات الدراسات العليا، هو الاتجاه الصحيح لتطوير كفاءة خريجي كليات العلوم المصرية التي تفتقر الى التدريب العملي المناسب لأسواق العمل، و أن طول مدة الدراسة لن يحقق هذا الغرض.

يرى الكثيرون أن زيادة عدد السنوات الدراسية بكلية العلوم أو غيرها من الكليات هو اتجاه خاطئ تماماً، و يجعلنا نسير عكس الاتجاه، ففي الوقت الذي وقعت فيه معظم دول الاتحاد الأوروبي (أكثر من 29 دولة) على بروتوكول بولونيا و الذي ينظم التعليم الجامعي في أوروبا الموحدة بهدف التوافق و توحيد المعايير و بالتالي امكانية الانتقال من بلد الى آخر و استكمال التعليم في أي مكان، بدون إجراء أية معادلات، و توحيد معايير المنافسة بين الخريجين على مستوى العالم، فإننا في مصر نسلك اتجاهاً معاكساً لمعظم دول العالم. الهدف من بروتوكول بولونيا ان تكون مدة المرحلة الجامعية الأولى ثلاث سنوات فقط ويحصل الخريج على درجة البكالوريوس التي تؤهله لسوق العمل في مجال تخصصه، وإذا أراد أن يمارس أعمال أكثر تخصصاً فعليه ان يحصل على درجة الماجستير في سنتين، ثم يتبعها بدرجة الدكتوراه لمدة ثلاث سنوات و ذلك على نفقته الشخصية.

وعليه فإننا نلاحظ في الغرب والدول الأخرى ان هناك شباب حاصلين على درجة الاستاذية بأعمار لا تزيد عن 35 عاماً في حين يصل بعض شبابنا إلى الأربعينات قبل الحصول على الدكتوراه. وأن زيادة سنوات الدراسة بكليات العلوم لا تتوافق مع اتفاقية بولونيا لجامعات دول الاتحاد الأوربي التي تعتمد نظام 3+2+3 أي ثلاث سنوات للبكالوريوس و سنتان للماجستير و ثلاث للدكتوراه كحد أدنى. والحد الأدنى للماجستير و الدكتوراه عندنا سنتين، و لكن الوقت يضيع في سنة تمهيدية تطول إلى سنة أخرى قبل التسجيل حتى أصبح الحد الأقصى (خمس سنوات)، وهو المدة التي يتوقع أن ينهى الطالب بعدها رسالته، و عند حصوله على الدكتوراه يكون أكبر من نظيره في الدول الأخرى بعدة سنوات ضائعة من عمره، وحيث أننا نشترط أيضاً مرور عشر سنوات للترقية إلى أستاذ فإنه يمكن لأقراننا في جامعات العالم الوصول إلى الأستاذية بعد خمس سنوات من الدكتوراه، و يبدأ الأستاذ في الخارج بناء مدرسة علمية و هو شاب بينما يبدأ الأستاذ المصري تكوين مدرسته العلمية وهو كهل و ربما يفضل أن يستريح بعد الأستاذية التي حصل عليها بعد عمر طويل.

من المعروف أن الهند اعتمدت نظاماً مشابهاً، تمنح فيه الدرجة الجامعية الأولى في ثلاث سنوات فقط و اهتمت بالمحتوى، وأن هناك جامعات أوربية متخصصة في العلوم تعطي درجة البكالوريوس في 3 سنوات، أو البكالوريوس والماجستير في 5 سنوات، و يشترط ان يقضي الطالب 6 أشهر على الاقل في تدريب عملي و مشروع بحثي ليحصل على الماجستير، أي أن الخريج يكون حاصلاً على الماجستير وعمره 20 الى 21 عاماً على الاكثر، أي قبل 5 الى 10 سنوات من نظيره في النظام المصري. ويرى البعض أن إثارة هذا الموضوع في هذا التوقيت قد تؤدي لشغل المجتمع العلمي بقضية جديدة تبعده عن قضاياه الأساسية، وأن الاهتمام بالعملية التعليمية يكون بداية من المناهج و تصميم برامج مناسبة للمتطلبات التي تنتج خريجاً مناسباً للمهام المستقبلية. و على سبيل المثال، فإن مناهج كلية العلوم في جامعة حلوان كانت مصممة لتخريج دفعات من الكيميائيين و الفيزيائيين ومتخصصي علم الرياضيات مناسبين لسوق العمل و كانت المناهج بها بعض المقررات الهندسية، وتوجد بالأقسام العلمية تخصصات داخلية تناسب احتياجات قومية ملحّه في هذا التوقيت. ولكن بعد تخريج عدد من الدفعات عادت الكلية إلى المناهج التقليدية لتكون مثل أي كلية علوم أخرى تعاني من الانفصام بين المناهج الدراسية وسوق العمل وبخاصة الصناعي والبحثي.

وأتفق الكثيرون على أننا نسير في اتجاه معاكس لما يحدث في معظم دول العالم، بعد أن قررت نقابة الصيادلة اضافة سنة سادسة، ونقابة العلميين اضافة سنة خامسة، والسبب المعلوم هو تحسين الوضع الوظيفي للخريج طبقاً للقوانين القائمة حالياً، والتي تحدد الراتب و الدرجة حسب مدة الدراسة بالكلية، وأن الحل قد يتأتى من تغيير القوانين التي عفى عليها الزمن بدلاً من زيادة عدد السنوات الدراسية. كما أن العبرة ليست بعدد السنيين التي يقضيها الطالب داخل الجامعة وهذا ما يؤكده نظام الساعات المعتمدة التي تطبقه حالياً بعض الجامعات المصرية، ولكن بجودة التعليم و توفير الإمكانيات، و أنه من الأفضل لمصر اتباع نفس منهج الاتحاد الأوروبي في اختصار مدة التعليم الجامعي، لأن ذلك سوف يوفر مليارات الجنيهات التي يمكن استخدامها في تطوير التعليم.

إن العبرة في التعليم الجامعي بتحصيل الطالب و اكسابه المهارات اللازمة لممارسة المهنة، و في مجال الجامعات و مراكز البحوث التي يحكمها القانون 49 و تعديلاته يجب أن تكون العبرة بالإنجاز عند الترقية، و المأمول أن يكون للنقابات دور في تدريب أعضائها و تطوير مهاراتهم المهنية. ولا شك أن نقابة العلميين قد ناقشت زيادة فترة الدراسة بكليات العلوم على أمل مساواة خريجين العلوم بخريجين كليات الصيدلة و الهندسة و الطب البيطري في سوق العمل، لكن هذه النظرة ربما تخص العمل في الهيئات الحكومية بينما فرص العمل قد تكون متاحة بظروف أفضل في القطاع الخاص أو في الخارج حيث المعيار هو الكفاءة، وحيث أن تطوير الدراسة في كليات العلوم من مسئولية الجامعات و بصفة خاصة لجنة قطاع العلوم الأساسية بالمجلس الأعلى للجامعات، فيرى معظم أعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية أن القرار لا قيمة له بدون الرجوع للكليات ومجالس الاقسام التي تمنح الدرجات العلمية، ويتوقعون موافقة البعض والرفض من البعض الآخر، مما سيؤدي لعدم توحيد سنوات الدراسة في جميع كليات العلوم المصرية، والتخبط في السياسات التعليمية بكليات العلوم.

وأخيراً وليس آخراً نتمنى أن يهدى الله ولاة أمورنا لما فيه خير العباد والبلاد بإذن الله، وأن يتريث متخذي هذا القرار، وألا يتم تنفيذه إلا بعد الرجوع للجامعات، والاستعانة بآراء الخبراء، و مقارنة تجارب الدول المتقدمة في هذا المجال وغيره من المجالات التعليمية و المهنية الأخرى المرتبطة به.

 

البريد الالكتروني للكاتب: tarekkapiel@hotmail.com

الكلمات المفتاحية

الزوار الكرام: يسعدنا مشاركتكم وتواصلكم حول هذا المقال

الكلمات المفتاحية

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

license
0 التعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
guest

شبكاتنا الاجتماعية

  • facebok
  • twitter
  • Instagram
  • Telegram
  • Youtube
  • Sound Cloud

يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

icons
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x