لقد غيّرت شبكة الإنترنت العالم من خلال توفير أرخص شبكة لمشاركة المعلومات على الإطلاق. كما أن تطوير برمجيات التدوين -والتي صارت الآن قوية ومتاحة للاستخدام مجانا- يسمح لأي شخص بأن يتبادل أفكاره على الفور مع أي شخص آخر في العالم لديه اتصال بالإنترنت. يقع التواصل الشخصي في القلب من عملية التدوين. تأتي كلمة "مدونة" blog ذاتها من كلمتيweb log، بمعنى سجل الويب، وبعبارة أخرى: اليوميات. وبالمثل كما يمكن أن تكون لليوميات أشكال عديدة، فكذلك الحال بالنسبة للمدونات، لكنها تختلف قليلا عن وسائل الإعلام التقليدية في مجال اهتمامها.
وفي هذا السياق، نجد أريانا هافينجتون، وهي مؤسس شبكة التدوين الناجحة للغايةHuffington Post، تستخدم تشبيها طبيا؛ فتصف وسائل الإعلام الشعبية بكونها تعاني من اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط؛ فهي تبحث دائما عن الشيء الجديد القادم، وتترك قصص الأمس دون أن تكتمل. أما المدونون، في المقابل، فيشبهون مرضى الوسواس القهري؛ فيقومون باستمرار وإصرار بمتابعة مواضيع منفردة.
عمّ أدوّن- وكيف أفعل ذلك؟
ربما كُنت عالماً يريد التدوين عن أبحاثه العلمية الخاصة، أو عن القضايا التي تواجه العلماء. وقد تكون صحفيًّا علميًّا يود كتابة مقالاته العلمية بطريقة مختلفة عن كتابته للمطبوعات التقليدية. أو قد ترغب في أن تُصبح معلقًا سياسيًّا، فتقوم برصد السياسات العلمية وآثارها المحتملة. من الممكن أن تأتي كل هذه تحت مظلة التدوين العلمي، الذي يتبع العديد من نفس القواعد المتّبعة في الأنواع الأخرى من المدونات.
أولاً، اختر موضوعًا تكون متحمسًا له وعلى دراية كاملة به على حد سواء. وليكن اهتمامك مركّزا، فإذا اخترت موضوعا واسعا للغاية -الفيزياء، على سبيل المثال- فستجد أنه من الصعوبة بمكان أن تضيف إلى الويب شيئًا فريدًا ومثيرًا للاهتمام، والذي يجذب القراء. ومن ناحية أخرى، فإن خطر انتقاء موضوع ضيق للغاية يقل عن ذلك بكثير، قد يكون هناك عدد قليل من الباحثين في مؤسستك الذين يهتمون كثيرًا بالعُثّ، مثلا، لكن يرجّح أن يكون هناك عدد أكبر بكثير من المهتمين بالموضوع في مختلف أنحاء العالم. إن الموضوع الذي تختار التدوين عنه -وكيفية قيامك بذلك- سيعتمد أيضا على جمهورك المستهدف، سواء كانوا من العلماء العاملين في هذا المجال، أو علماء من تخصصات أخرى، أو من عامة الناس.
من بين أفضل وأنجح المدونات العلمية واحدة تسمى Pharyngula، يكتبها عالم البيولوجيا ب.ز. مايرز، الذي يعمل في جامعة مينيسوتا. وهو يصف مدونته بأنها "أفكار بيولوجية عشوائية حول التطور والتنمية، من ليبرالي متحرّر"، كما ظلت صوتًا قويًّا مؤيدًا للعلوم في الجدل الدائر حول الخلق في الولايات المتحدة. وهذه المدونة واحدة من العديد من المدونات الممتازة على موقع ScienceBlogs. يهدف مؤسس الموقع، آدم بلاي، إلى جعل العلم من الأهمية بمكان للثقافة، مثل السياسة أو الفنون، ويبين موقع ScienceBlogs كيف يمكن للأسلوب التحاوري والجذاب للمدونات أن يساعد في تحقيق ذلك.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ما مدى البُعد الشخصي الذي يجب أن تحتويه المدونة؟ إليك قاعدة عامة: إذا بدأت الكتابة عن حيوانك الأليف، فمن المرجّح أنك عبرت خط الخصوصية. لكن أي شيء أقل من ذلك ليس فقط جيدا، بل ضروري. إن شخصيتك هي ما سيجعل مدونتك الخاصة تتفوق على المدونات الأخرى، وستجلب لك ذلك التواصل بالغ الأهمية مع قرائك.
قد يكون هذا غير مريح للأكاديميين والصحفيين المحترفين، والذين يقضون حياتهم المهنية محميين من خلال استخدام الشخص الثالث (أتذكر كيف صارعت نفسي لكي أبدأ الجمل بعبارة "إنني" عندما بدأت التدوين). لكن عليك أن تُثابر، وسوف تتكيف بسرعة وستتمكن من التصرف بحرّية. وإذا لم تقم بذلك، فإن ما تكتبه ليس مدونة، بل مقالة.
بأي تواتر يجب أن أدوّن؟
ما مدى تواتر تحديث مدونتي؟ الجواب المختصر هو: كل يوم. يريد القراء أن يشعروا ببقاء المدونة على قيد الحياة، وبالتالي فإن المشاركات المتواترة تُظهر ذلك. يبلغ الحد الأدنى للتدوين مرتين أسبوعيًّا، فإذا دوّنت بمعدل يقل عن ذلك فستحتاج إلى أن تكون شخصا مؤثرا للغاية لكي تفلت من العقاب. وهناك طريقة للالتفاف حول القيام بكتابة مدونات متواترة بنفسك، وهي إنشاء مدونة جماعية. لكن هذا قد يكون أمرًا صعبًا، مالم تتشارك المجموعة شعورًا واضحًا بهدفها المنشود، وكذلك توجهات متشابهة. ومن الأمثلة الناجحة لهذا النهج مدونة Effect Measure، التي تديرها مجموعة من العاملين في مجال الصحة العامة.
إذا كان احتمال التدوين اليومي يبدو لك مُزعجًا، فتذكّر أنه ليس من الضروري أن تتألف كل مشاركة من ألف كلمة من النثر المعروض بعناية المكتوب بدقة، بل العكس هو الصحيح في واقع الأمر. فكّر بالأمر كما لو كنت تتجاذب أطراف الحديث مع قرائك. ويكفي لهذا الغرض تدوين ملاحظات قصيرة على الأخبار، تستخدم فيها خبرتك لتوضيح بعض المفاهيم المغلوطة مثلا. وبالإضافة إلى ذلك، فإن المشاركات التي تضم روابط إلى معلومات جديدة أو مثيرة للاهتمام، والمنشورة في مواقع أخرى على شبكة الإنترنت، تتسم أيضا بكونها قيّمة للغاية.
استخدم معارفك الخاصة لترشيح الكم الهائل من المحتويات المتوافرة على شبكة الإنترنت، ومن ثم عرضها للآخرين. ومن خلال تجميع المواد، فأنت تقوم بتحرير الإنترنت لقرائك. وتذكر أن الروابط التي توفرها لا يُشترط أن تقتصر على المقالات؛ فمقاطع الفيديو، والصور، والرسومات قد تكون أكثر إثارة للاهتمام. فإذا كنت سأدوّن عن طيور البطريق، فمن المؤكد أنني سأرفق بمدونتي رابطا لأحد مقاطع الفيديو ذات الصلة. كما أن التقاط الصور أو مقاطع الفيديو الخاصة بك يُعد أفضل؛ فمن السهل إضافتها إلى المدونة.
الجوانب التقنية
لن أحاول أن أزودك هنا بكيفية التدوين خطوة بخطوة؛ فهناك الكثير من المعلومات حول الأمر على الإنترنت. ولكن إذا كان بوسعك استخدام أحد برامج معالجة النصوص ومتصفح للإنترنت، فأنت تمتلك بالفعل 90 في المائة من المهارات التي تحتاج إليها. أما العشرة في المئة المتبقية فهي بسيطة للغاية، مثل استخدام القواعد الأساسية للغة HTML، أو الأزرار المتضمنة في برنامج التدوين الذي تستخدمه، لجعل العبارات الرئيسية مكتوبة بخط أسود عريض، أو لإضافة روابط لمواقع الويب.
هناك مجموعة واسعة من برمجيات التدوين المتوافرة، تحتوي جميعها على أدلة تشرح كيفية استخدامها. يمكنك اختيار ما يتناسب مع مستوى معرفتك التقنية. تقوم أبسطها باستضافة مدونتك، أما أكثرها شعبية فهي مواقع: Blogger، وWordPress ، وTypepad. أما الجانب السلبي لمواقع المدونات هذه فهو امتلاكك لقدر أقل من التحكم على الـ URL. وإذا كنت ترغب في استضافة مدونتك الخاصة، يمكنك -على سبيل المثال- الاطلاع على موقعMovable Type.
وفي هذا السياق، يوصي كيفن أندرسون -الخبير التقني للمدونات لدى صحيفة الجارديان- بالاطلاع على الأدلة التي تُبرز إيجابيات خيارات التدوين المتاحة وسلبياتها المختلفة، وذلك على المواقع التالية: Problogger، وreadwriteweb، وpcworld.com. إن محدودية عرض النطاق الترددي، وصعوبة الوصول إلى شبكة الإنترنت في بعض أجزاء العالم النامي، يحدَّان من جميع أشكال التدوين. ومن جانبه، فإن جوناثان جوسيير -وهو مطور برامج يعيش في كمبالا، أوغندا- يصف التدوين من بلد نام باعتباره "درسا في الصبر، والتحمّل، والإبداع". وعلى مدونته على موقعApprifca، يوصي باستخدام عشرة تطبيقات من شأنها تخفيف حدة التحديات التي يمثلها التعامل مع انقطاع التيار الكهربائي، والاتصال غير المستقر بالإنترنت، والفقدان المحتمل للبيانات.
اجتذاب جمهور من القراء
فور تفعيل مدونتك الخاصة بك، ستحتاج إلى اجتذاب جمهور لقراءتها. من الممكن أن يكون هذا صعبًا في البداية، لكن عليك أن تتحلى بالصبر. هناك عدد من الأمور التي يمكنك القيام بها في هذا الصدد، وأهمها هو التواصل. أولاً: تحتاج إلى تضمين الكثير من الروابط في كل ما تنشره، فهذا يساعد في عملية "استمثال محركات البحث"، أو SEO، والذي يعني مساعدة محركات البحث على فهم نوع موقع الويب الخاص بمدونتك، مما يعني بدوره أن الأشخاص الذين يبحثون عن موضوعك سيكونون أقرب احتمالاً للعثور على مدونتك. والأمر الأكثر أهمية: هو تشجيع روابط المواقع الأخرى الواردة إلى مدونتك. ويمكنك القيام بذلك عن طريق ترك التعليقات على المواقع الأخرى التي تُعجبك، والتي تتضمن روابط إلى المشاركات ذات الصلة على مدونتك.
لاحظ هنا عبارة "ذات الصلة"؛ فإذا كانت روابطك غير ذات صلة بالموضوع، فسوف تزعج الناس، وهذا لا يمثل وسيلة جيدة للحصول على الشعبية. ويمكنك أيضا إعداد قائمة بالمدونات الأخرى التي تعجبك، وهو ما يسمى بيان المدوناتblogroll . يستحق الأمر أن تسأل أولئك المدونين عما إذا كانوا يرغبون في تضمين رابط لمدونتك، وسيفعلون ذلك إذا أعجبتهم. وأخيراً، يجدر بك إرسال بيانات مدونتك إلى موقع Technorati، الذي هو محرك بحثي متخصص في المدونات على وجه التحديد. إذا كنت تنوي أن تقوم بالتدوين حول الأوراق البحثية الخاضعة لمراجعة الزملاء، فيمكنك التسجيل في موقع Research Blogging، الذي يُبرز مشاركات مستخدميه المسجلين عندما يكتبون عن الأوراق الجديدة المنشورة في المجلات العلمية.
تحفيز المناقشة
هناك اختلاف آخر مهم بين التدوين والصحافة التقليدية والإعلام العلمي: يتوجب على كتّاب وسائل الإعلام التقليدية عدم ترك أسئلة معلقة؛ إذ تحتاج مقالاتهم إلى بداية، ومنتصف، ونهاية. لكن المدونات، باعتبارها نوعاً من المحادثة، تعني أنه بإمكانك طرح الأسئلة، كما فعل مؤخرازميلي جاي راينر-الذي يكتب عن الأغذية- في ما يتعلق بموضوع الأغذية المعدّلة وراثياً. هناك مدونة علمية رائعة حقاً، وهي مرتبطة أيضا بصحيفة الجارديان، واسمها Bad Science، يحررها الطبيب بِن جولد أكر. وكثيرا ما تولّد محادثاته مع قرائه أفكاراً حول تدوينات مستقبلية.
إن إجراء المناقشات مع قرائك هو السمة الأساسية المميزة للمدونة الجيدة؛ فالمدونة التي لا تنطوي على مناقشة تُشبه برنامجا حواريا إذاعيًّا دون متصلين، وهو ما يعني كونها محاضرة في الواقع. تتمثل أبسط طريقة لبدء المناقشة في طلبها، مثل طرح سؤال: "ما رأيك في ما كتبت؟" وعندما يقوم شخص ما بالتعليق، تأكد من الرد عليه عبر المدونة. ففي نهاية المطاف، لا تقُم أبداً بتجاهل شخص تحدّث إليك شخصياً.
لن تكون جميع التعليقات مثيرة للاهتمام أو بنّاءة، كما أن التعامل بهدوء مع التعليقات المسجّلة في مدونتك يمثل توازنا صعبا؛ فإذا كنت شديد الحساسية في ما يتعلق بحذف التعليقات، فسرعان ما يعلم القراء أنك لا ترغب حقا في المناقشة. ومن ناحية أخرى، إذا سمحت بإدراج كافة أنواع التعليقات، فسرعان ما تجد أن مدونتك تعج بالمتصيدين -وهم الأشخاص الذين ينشرون التعليقات غير اللائقة والاستفزازية لتعطيل المناقشات – مما قد يُضجر أو يخوّف أشخاصا مثيرين للاهتمام فيبتعدون. سيتراجع العديد من المتصيدين إذا قمت بالرد عليهم شخصيا، وستتلاشى عدوانيتهم عندما يدركون وجود شخص حقيقي وراء الشاشة. لكنني لا أريد تضخيم هذه المسألة؛ فإن عدم الحصول على أية تعليقات على الإطلاق هو أصعب من التعامل مع تلك السيئة. وتذكّر أن المدونة هي مساحتك الخاصة، وبالتالي فأنت حر في أن تُخرج منها الأشخاص الذين تعترض عليهم، تماماً كما تفعل في منزلك.
- وفي النهاية، لديَّ سؤالاً واحداً أخيراً: ماذا أغفلت في دليلي هذا، برأيك؟