أعمل عضو هيئة التدريس بقسم طب و جراحة العيون بمستشفيات جامعة الأزهر، و قد بدأنا أبحاث الخلايا الجذعية كأول جامعة مصرية في علاج أمراض الشبكية، خصوصاً التهاب الشبكية الصبغي التلوني و ضمور الماقولة الشيخوخي.
فالأول يصيب الأنسان في سن مبكرة و تبدأ الإصابة من أطراف الشبكية و هو ما يلاحظه المريض بصعوبة في الرؤية الليلية لهذا أطلق عليه مسمى العشى الليلي، ثم تتطور الحاله حتى يكون المريض غير قادر على الرؤية الليلية ثم تتطور حتى تصيب مركز الإبصار و بالتالي الرؤية في النهار، و تختلف بداية فترة الاصابة بالمرض حسب النوع، فأحياناً تبدأ الاصابة في سن الطفولة و أخرى في العقد الثاني أو الثالث من العمر
التهاب الشبكية الصبغي التلوني، مرض وراثي ينتقل إلى الأبناء من الآباء و الأمهات و تكثر احتمالية الاصابة به من تزاوج الأقارب و بخاصه المصابين بالمرض.
وخطورة هذا المرض تكمن في أنه يصيب المريض في فترة الشباب تلك الفترة التي يحدد فيها الانسان مستقبله فتعيقه عن العمل، و بالتالي كان اهتمام العلماء و اهتمامنا في الجامعة بهذا المرض لما له من تأثير على المريض و المجتمع المحيط به.
وقد بدأنا في أبحاث الخلايا الجذعية في هذا المرض منذ سنتين عن طريق أخذ عينة النخاع من عظم الحوض و تجهيزها ثم إعادة زرعها في العين، و تختلف طريقة الحقن بالعين باختلاف نسبة الاصابة و مدى تأثير مركز الإبصار بالشبكية و الذي تحدده الفحوصات الطبية (الأشعة بصبغة الفلوريسين والأشعة المقطعية على الشبكية و كذلك رسم الشبكية الكهربائي و رسم العصب البصري( .
وتتم متابعة المريض لمدة لا تقل عن ستة أشهر، يتم خلالها ملاحظة التغير في النظر إن وجد كذلك يتم إجراء الفحوصات الطبية من جديد لدراسة التغير الواقع.
وقد بدأت الاستجابة في بعض تلك الحالات بتحسن تدريجي في الرؤية بنسب تتراوح من 20% إلى 30% و قد توقف تدهور الرؤية في 60 % من الحالات.
أما بالنسبه لمرض ضمور الماقولة الشيخوخي الذي يصيب المريض في فترة الشيخوخة فهذا المرض يبدأ من مركز الإبصار و بالتالي يصيب الرؤية المركزية بحيث يفقد المريض مزايا هذه الرؤية، منها رؤية الأجسام بوضوح (التفاصيل الدقيقة ) و رؤية الألوان بدرجاتها المتقاربة
ويحدث هذا المرض نتيجة فقد نسيج الشبكية الصبغي بالعين الذي يقوم بدوره في اخراج مواد التأكسد الناتجة عن عمليات الأيض بالشبكية للأوعية الدموية التي تقوم بدورها في التخلص منها و بالتالي فإن فقد هذا النسيج يؤدي إلى تراكم هذه المواد و بالتالي تلف نسيج الشبكية.
وتبدأ شكوى المريض بعدم وضوح الرؤية المركزية تتطور إلى انعدام الرؤية المركزية مما تؤثر مباشرة على قدرة المريض على القراءة. نقوم بإجراء الفحوصات للمريض بعد ذلك يتم تحديد نوع العلاج و طريقة الحقن و عدد المرات علماً بأن هذا النوع يتم علاجه في المراكز البحثية على مستوى العالم بطرق مختلفة، ففي جامعة كاليفورنيا يقوم فريق بحثي بحقن الخلايا الجنينية الموجهة للنسيج الصبغي (human embryonic RPE ) تحت مركز الإبصار، و في البرازيل فريق بحثي آخر في جامعة ساو باولو يستخدم الخلايا الجذعية المأخوذة من النخاع (mesenchymal stem cells) وحقنها فوق نسيج الشبكية ، و نقوم نحن باستخدام الخلايا الجذعية المأخوذة من النخاع نظراً لصعوبة تحولها إلى أورام كما هو الحال مع الخلايا الجنينية وقد قمنا تسجيل الدراسة الخاصة بنا بموقع الأبحاث الطبية(clinicaltrials.gov) (NCT02016508) و جاري العمل بالبحث.
الجدير بالذكر أن هذه الأبحاث لا تقوم على أفراد نظراً للتكلفة الباهظة بل تقوم بها المؤسسات البحثية التي تخضع للحكومات التي تقوم بدورها بالدعم المادي للأبحاث، و هذا ما نفتقده في العالم العربي، فنجد أن أبحاث الخلايا الجذعية في الشرق الأوسط تكثر في اسرائيل ثم ايران ثم مصر.
أما في الدول المتقدمة فالأبحاث تؤخذ بعين الاعتبار من جانب الحكومة، فنرى نجاح فريق بحثي في صناعة مثانة بولية كاملة و صمام للقلب من الخلايا الجذعية و آخر نجح في صناعة جلد يستخدم في علاج الحروق.
ونظرا لأن العلاج بالخلايا الجذعية نجح في علاج الكثير من الأمراض المستعصية التي لا زالت الأدوية الطبية تعجز عن علاجها، فإن المستقبل قد يكمن في هذا النوع من العلاج، لذلك كثرت الأبحاث الطبية في هذا المجال في غياب واضح لدور الكثير من الحكومات العربية و المؤسسات البحثية بل تطور الأمر في بعض الأحيان إلى مهاجمة هذا النوع من العلاج من باب أنه وهم.
وقد أدى ذلك إلى وقوع المرضى من مختلف الدول العربيه فريسة لسماسرة المراكز الطبية في أوروبا و أمريكا التي لا تخضع للمجموعات البحثية المعروفة في العالم، ما ينعكس بدوره السلبي على المرضى لعدم وجود تحسن في كثير من هذه الحالات. وقد لاحظنا الكثير من هذه الحالات مؤخراً التي سافرت للعلاج بهذه المراكز في الصين و أوكرانيا و ألمانيا بعد معرفتهم بأن نسب التحسن تتراوح من 80-90 % و هذا يتنافى مع نتائج الأبحاث الطبية.
لذلك فمن المهم أن تقوم الحكومات العربية بتكوين فرق بحثية من مختلف التخصصات الطبية حتى نستطيع اللحاق بالدول الكبرى خصوصاً أن ذلك سيعود بالنفع علينا من طريقين :
- الأول: أن يتم علاج المرضى في الوطن العربي و بالتالي تقليل التكلفة على المريض.
- ثانيا: أن العلاج الفعّال للمريض سيمكنه من مزاولة نشاطه من جديد بما يؤثر على المجتمع المحيط به.
لذلك أرى أنه من الواجب علينا انشاء مركزاً بحثياً على أعلى مستوى يضم باحثين عرب و خبراء أجانب و عرب يكون مختصاً بأبحاث الطب التجديدي الذي يشمل الخلايا الجذعية و هندسة الأنسجة و كذلك تكنولوجيا النانو و هو ما يمثل ثورة الطب الحديث، علماً بأن تكلفة انشاء مركزاً واحداً أقل من تكلفة علاج الأمراض المزمنة سنوياً مما سيعود بالنفع على اقتصاد الدول التي تتبنى هذا النوع من العلاج.