تخيّلْ أنْ نَكُونَ قادرين على رُؤية كُلّ جزء في تفاعل كيميائي كما يَحْدثُ، فنشاهد فيلماً لبروتين يتم طيه أو خلية تتشكل؟! طبعاً لَيس تمثيلاً أَو محاكاة، لكن صور فعليّةَ تعرض تلك البروتينات أو الخلايا كما تبدو و كما تتحرّك ؟! لقد تم صُنع مجهر يقوم بذلك في مركز الفيزياء الحيوية للعلوم و التكنولوجيا فائقة السرعة التابع لجامعة كالتك كاليفورنيا و الذي يديره الدكتور أحمد زويل.
أطلق على هذا المجهر اسم مجهرِ الكترونِي فائق السرعة Ultrafast Electron Microscope يختصر ب(UEM). تقول مجلة ساينس "لقد نجح د. زويل ومن معه في ادخال البعد الرابع – الزمن- في صورة ميكروسكوبية عالية الجودة حيث يجري تتبع كل الكترون على حده و بدقة كاملة في الزمان والمكان". فالزمن أساسي في هذا المجهرِ الذي يُمْكِنهُ أَنْ يَتعقّبَ التغييرات الهيكلية ثلاثية الأبعادَ بالمقياس الذرّي.
آلية المشاهدة
إن صنع رابطة أو تكسيرها بين الذرّاتِ يَحْدثُ في فيمتوثانية (10-15ثانية) بالمقياس الزمني، و في بيكومتر (10-12متر) بالدقةِ المكانية و هذا يجعل مشاهدة تلك التفاعلات صعباً لأن التقنيات المعتمدة على الضوءِ في المجهر البصري التقليدي لَنْ تعمل فرغم ان دقتها المكانية تصل إلى نانومترية (10-9 متر) لكنها بدون تقنيات زمنية.
فباستخدام الكترونات ذات طول موجي أقصر من المسافة بين الذرات (بزيادة سرعة الالكترونات) يمكن رؤية تلك التفاعلات فهذا المجهرِ يَتقصّى العيناتَ برُزَمِ من الإلكترونات المفردة على فتراتَ زمنية مقدارها فيمتوثانيةِ.
هذا المجهر هو مجهر الكتروني ذو تعديل عالي ينقل بينية السطوح إلى نظام ليزري بتغطية مجدولة محدودة بفيمتو ثانية لهذا السبب يَجِبُ على الباحثين والزوّار أَنْ يَلْبسوا نظارات أمان بعدساتِ داكنة.
جزء من شعاعِ الليزرَ يُستَعملُ لإثارة العيّنةِ، و الباقي يُحوّلُ إلى نبضات فيمتوثانية التي تنتج حزم من الإلكترونات المفردة المناسبة لتقصّي التراكيبِ الجزيئيةِ للعينة، فبدلاً مِنْ جلب كُلّ الإلكترونات في نفس الوقت فيحدث تنافر فيما بينها – كما في بَعْض المجاهرِ الإلكترونية التقليديةِ- تأتي الالكتروناتُ بِانفراد في هذا المجهر و الإلكترون المفرد عندما يَثِبُ علىْ العيّنةِ فيَضْربُ كاشفَ المجهر فتُكبّرُ العدساتَ داخل المجهرِ العينة في إطار مفرد بدقة فيمتوثانية فتَظْهرُ كصورة على شاشة الحاسوبِ. وبالحصول على الإطاراتِ بشكل متعاقب يُمْكِنُ صنع فيلم رقمي لما يَحْدثُ على المستوى الذرّيِ.
مجالات الاستخدام
يقول د. زويل أنّه عَرفَ الحاجةَ العلميةَ لاستعمال هذا المجهر منذ عِدّة سَنَوات قَبْلَ أَنْ يتسلم جائزة نوبلَ في الكيمياءِ عام 1999 لتطويرِه كيمياءِ الفيمتو. فبفضل منحة الـ 17.5$ مليون دولار المقدمة من قبل جوردن Gordon و مؤسسة بيتي مور & Betty Moore أصبحَ التصوير المباشر باستعمال مجهر الإلكترون فائق السرعة حقيقةً في 2005م.
حتى الآن، استعمل زويل و زملائه هذا المجهر الفائق لتصوير مباشر للأنظمةِ المرتبة، مثل الموادِ الجزيئيةِ البلّوريةِ. لَكنَّهم يطمحون في تفحّص الجزيئاتِ الحيويةِ، مثل الريبوزومات ribosomes و العمل مع الأنظمةِ الحيويةِ الأكثر تعقيداً مثل الخلايا الكاملة، لذا عمل كلاً من د. أحمد زويل و جرانت .ج. جينسن –أستاذ البيولوجي المساعد في كالتك- في تصوير خلية كاملة تحتوي على عشرة آ بروتين لتفهم كيفية عملها.
الجيل الأول للمجهرِ عُجّلت الإلكترونات فيه إلى 120 keV، مانحاً صور للمواد اللاعضوية و شرائح الخلية، و الجيل الثاني من المجهر يصل تعجيل الالكترونات إلى 200 keV و هو قيد الاستعمال حالياً في كالتك ،و قد ساعدت قدرات هذا المجهر الباحثين لاكتشافَ ظاهرة ميكانيكية مجهولة سابقاً في مادة نحاس tetracyanoquinodimethane – تختصرCuTCNQ) ) – و هي مادة نانوية شبه موصلة أحادية البعد، دُرِسَت لمدة 40 سنة تقريباً، فالصور الأولية للمادّةِ في هذا المجهرِ أظهرت صفّ من القضبانِ البلّوريةِ تَتراوحُ مِنْ عِدّة ميكرومترات إلى عشراتِ النانومترات، و كَشفتْ عن قناة في الصفِّ تُفتح و تُغلق كنبضة ليزر.
على الرغم مِنْ التقدّمِ في مجهرِ الجيل الثاني، إلّا إنه لَيسَ مثاليَاً، فالعينات يجب أنْ تُبقى ضمن الفراغِ لمَنْعها من التفاعل مع الغازاتِ المحيطةِ ، لذلك فالجيلِ الثالث منه بدقة تصل إلى 300 keV يستطيع التعامل مع العيناتِ تحت الشروطِ الأكثرِ طبيعية، مثل الضغطِ الجوي و خلافه.
إذا كان خبراء المجاهر يعتبرون مجهر كالتك هذا ثورياً، فهل ستغير قدرته من طريقة تفكير علماء الكيمياء و الفيزياء و الأحياء بشأن ديناميكية النظم الجزيئية في مجالاتهم؟
المستقبل سيخبرنا بذلك..
المراجع
- Physical Biology: 4D Visualization of Complexity. A. H. Zewail Physical Biology: From Atoms to Medicine, ed. A. H. Zewail, Imperial College Press, London, 2008, p. 23
- Four-Dimensional Ultrafast Electron Microscopy. V. A. Lobastov, R. Srinivasan, and A. H. Zewail Proc. Natl. Acad. Sci. U.S.A. 102, 7069 (2005)
- 4D Ultrafast Electron Diffraction, Crystallography, and Microscopy. A. H. Zewail Annu. Rev. Phys. Chem. 57, 65 (2006)
- Franklin’s Vision. A. H. Zewail Proc. Am. Phil. Soc. 150, 542 (2006)
البريد الإلكتروني للكاتب : alamri_75@yahoo.com