مجلة أجسر – مجلة عربية محكمة في مجال العلوم – زورو موقعنا

القهوة في أوروبا والهند والأمريكيتين إرث مشترك للثقافة الإسلامية

الكاتب

بروفسور: A. R. MOMIN

ترجمة : م. عبدالحفيظ العمري

الوقت

04:16 مساءً

تاريخ النشر

10, سبتمبر 2015

يتتبع المؤرخون الغربيون والمعلقون عموماً بدايات العولمة في النصف الثاني من القرن العشرين. غير أن العولمة ليست حديثة جداً ولا ظاهرة فريدة من نوعها على الإطلاق. يقول الخبير الاقتصادي البارز والحائز على جائزة نوبل أمارتيا سينAmartya Sen  إن تاريخ العولمة يمتد عدة قرون وإن عناصر فاعلة في العولمة في بعض الأحيان قد تم تحديدها في مواضع بعيدة تماماً عن الغرب. ويشير إلى أنه عند حوالي عام 1000م، اخترع الصينيون بعض الاختراعات التكنولوجية الأكثر أهمية والابتكارات مثل الساعة، والبوصلة المغناطيسية، والورق والطباعة والبارود وعربة اليد ثم انتشرت بعد ذلك في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك أوروبا. وثلاث نقاط عن نشأة وسوابق العولمة مستحقة للملاحظة وهي:

  • النقطة الأولى: يحتاج المرء أن ينظر إلى العولمة ليس بوصفها ظاهرة معزولة والتي ظهرت في الغرب في الآونة الأخيرة، ولكن كنتيجة للعمليات التاريخية والاجتماعية والثقافية التي وقعت في العديد من السياقات غير الغربية، والتي سبقت العولمة المعاصرة بقرون عديدة. بعبارة أخرى، ينبغي أن ننظر إلى العولمة من وجهة نظر التاريخ الاجتماعي والثقافي وبوصفها نتاجاً لعملية التقدم التراكمي والتنمية.

  • النقطة الثانية: يجب التمييز بين العولمة المعاصرة والعولمة البدائية أو العولمة الأولية.

  • النقطة الثالثة: الخطاب الحالي حول العولمة، الذي هو أوروبي واضح أو متمركز بشكل غربي، لا بد من تفكيكه وإلغاء مركزيته Decentered.

 

بعض المؤرخين، مثل هوبكنزA. G. Hopkins  وكريستوفر بايلي Christopher Bayly، قد استخدموا مصطلح العولمة البدائية لوصف مرحلة الصلات التجارية المتزايدة والتبادل الثقافي التي ميزت الفترة ما بين 1600-1800م، والتي سبقت العولمة الحديثة. وتجدر الإشارة إلى أن مدى العولمة البدائية أو العولمة الأولية تحتاج إلى أن تمتد إلى ما بعد القرن السابع عشر الميلادي، لا ينبغي أن ينظر للعولمة البدائية أو العولمة الأولية على أنها مجرد مرحلة مبكرة من العولمة، ولكن باعتبارها مقدمة هامة أو سلف العولمة التي أثرت بشكل كبير على العمليات والروابط التي أصبحت السمة المميزة للعولمة المعاصرة.

وشملت العولمة البدائية أو العولمة الأولية كل تلك الأحداث والعمليات التاريخية التي تغطي مساحة شاسعة من الأراضي، وانطوت على تجاوز الحواجز الجغرافية والحدود الوطنية وتشارك مختلف الشعوب والثقافات المتنوعة. وتشمل هذه طريق الحرير (شبكة واسعة من الطرق التجارية والروابط الثقافية والإرسال التي تربط الشرق والغرب منذ ما يقرب من ألفي سنة)، والانتشار العالمي للأديان العالمية مثل المسيحية والبوذية والإسلام، والانتشار العالمي للتقنية الصينية، وخاصة صناعة الورق والطباعة والبوصلة والبارود، وكذلك الخزف الصيني، والحرير والشاي وإمبراطوريات عالمية مثل الإمبراطورية المغولية والإمبراطورية العثمانية، والفتوحات والهجرات، والروابط العالمية للتجارة، والاستعمار الأوروبي، وتجارة العبيد العالمية من إفريقيا ومنطقة البحر الكاريبي إلى العالم الجديد وأوروبا، واستيراد العمالة المتعاقد معها من آسيا وإفريقيا إلى جنوب شرق آسيا. وقدّم المسلمون مساهمات هائلة وواسعة النطاق في العولمة البدائية في العلوم والطب والتكنولوجيا والهندسة والتجارة والتبادل التجاري واللغة والأدب والانتشار على نطاق العالم للورق والقهوة وغيرها من السلع. وقد لاحظ أمارتيا سين Amartya Sen: "أن قادة الفكر الإبداعي في تلك الفترة من التاريخ، من المفكرين المسلمين كانوا بين العولميين Globalizers الأكثر التزاماً بالعلوم والرياضيات".

القهوة

القهوة، الشراب المحضر من حبوب البن المحمص الذي تم الحصول عليه من نبات البن، هي واحدة من المشروبات الأكثر شعبية في العالم. على الرغم من أن الشاي أكثر شعبية في جميع أنحاء العالم من القهوة، إلا أن الإنتاج العالمي من القهوة (8.5 مليون طن متري سنوياً) يفوق إنتاج الشاي (4.7 مليون طن متري). ويقدر أن 8.5 مليار كيلوغرام من القهوة تستهلك على مستوى العالم كل سنة. وتقول منظمة البن الدولية إلى أن استهلاك القهوة زاد في جميع أنحاء العالم بما يقرب من 42% منذ بداية القرن الحادي والعشرين. والقهوة هي ثاني أعلى سلعة متداولة في العالم بعد النفط. شرب القهوة هو الغالب في الأمريكيتين وأوروبا بينما الشاي هو المشروب المفضل في معظم أنحاء آسيا وإفريقيا وروسيا. والولايات المتحدة هي أكبر مستهلك للقهوة في العالم. تقريبا 45% من القهوة في العالم تُشرب في الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن الدول الإسكندنافية هي أكبر المستهلكين للفرد في العالم من القهوة.

وتزرع أشجار البن في أكثر من 70 بلداً، في المقام الأول في الأمريكيتين وجنوب شرق آسيا والهند وأجزاء من إفريقيا. والبرازيل هي أكبر منتج للبن في العالم، وتنتج ثلث البن في العالم. والبلدان الأخرى الرئيسية المنتجة للبن هي فيتنام (15.2%)، وإندونيسيا (6.3%)، وكولومبيا (5.9%)، والهند (4.1%).

والنوعان الرئيسيان المهمان لنبات البن هما آرابيكا Arabica  (العربي) والروبستا Robusta. وإن النباتات العربية المعتبرة أصيلة جداً هي في غابات المرتفعات الجنوبية الغربية في إثيوبيا. والبن العربي يمثل 70-80% من إنتاج البن في العالم. والروبستا نوع قوي Sturdy من حبوب البن مع نسبة عالية من المرارة. وكان مصدره في وسط وغرب إفريقيا جنوب الصحراء. واليوم، يُزرع معظمه في فيتنام، وهي الآن أكبر مصدر لبن روبستا في العالم. وتستخدم حبوب الروبستا أساساً في القهوة واسبريسو Espresso (قهوة إيطالية خفيفة وغامقة جداً، تصنع بغلي البن مع الماء تحت الضغط). وبن روبستا يمثل نحو 30 في المائة من إنتاج البن في العالم. يتم إعداد القهوة بطرق متنوعة، والأنواع الأكثر شعبية هي الاسبريسو، والكابتشينو  Cappuccino (قهوة إيطالية تتألف من الاسبرسو بمقدار الثلث وثلث حليب وثلث حليب مبخر ومخفوق يظهر كأنه كريمة)، والموكا Mocha (قهوة فرنسية أو إيطالية، وقد جاءت هذه التسمية من ميناء المخا في اليمن)، والكافي لاتيه Café Latte (قهوة فرنسية بالحليب)، والريستريتو Ristretto (قهوة من نوع اسبريسو لكنها منزوع منها نصف الكمية من الماء) والكوريتو Corretto (قهوة إيطالية من نوع اسبريسو مخلوطة بقليل من الخمر).

في أوقات سابقة، بعض قبائل السكان الأصليين في البلاد، وخاصة شعب أورومو Oromo، تستهلك الثمار الناضجة لنبات البن، والتي تعرف محلياً باسم "بون Bunn"، كغذاء ومنبه. وفي بعض الأحيان يتم غلي أوراق الشجر والثمار ويُعتقد أن طهوها له خصائص طبية.  وتشير الأدلة التاريخية واللغوية أن نبات البن نشأ في إثيوبيا وقد تم جلب حبوب البن وزرعها في اليمن في وقت ما في القرن الخامس عشر الميلادي. ومنذ الألف الأول قبل الميلاد، ربطت طرق التجارة عبر البحر الأحمر شرق إفريقيا بشبه الجزيرة العربية.

وهناك عدد من السلع والبضائع، بما في ذلك المواد الطبية، تم تداولها أو تبادلها بين شرق إفريقيا وشبه الجزيرة العربية. ومن المحتمل أن حبوب البن، التي يعتقد أن لها خصائص طبية، قد وصلت إلى الجزيرة العربية ومناطق أخرى من العالم الإسلامي من خلال القوافل التجارية قبل وقت طويل، فتمت زراعتها وجنيها. أقرب ما يشير إلى حبوب البن، "بون Bunn"، أنها وجدت في أعمال علماء مسلمون في القرن العاشر الميلادي مثل عالم النبات والطبيب أبو بكر محمد بن زكريا الرازي وابن سينا ​​(توفي 1037م)، الذي ناقش الفوائد الطبية من حبوب البن للمعدة. وأقرب الأطروحات عن القهوة، والتي أصبحت معروفة باسم القهوة Qahwa في القرون اللاحقة في كتاب عمدة الصفوة في الهيل والقهوة Umdat al-safwa fi hill al-qahwa، الذي كتبه عبد القادر الجزيري في عام 1587م.

وواحدة من الأساطير المحيطة حول انتقال زراعة القهوة من إثيوبيا إلى اليمن هو أن الشيخ شهاب الدين الدهاني Dhahani (توفي 1470م)، وهو صوفي متجول من الحضرة الشاذلية Shadhiliya، جلب حبوب البن من الساحل الإفريقي إلى عدن وزرعت هناك. فحبوب البن الناضجة إذا حُمّصت ثم طُحنت وغُليت في الماء أو الحليب، يكون لها تأثير منبه. بدأ المتصوفة في اليمن وبعد ذلك في مكة ودمشق وحلب والقاهرة وشمال إفريقيا استخدام القهوة لمساعدتهم على البقاء مستيقظين في الليالي للصلاة والدعاء لتكرار الأدعية الإلهية (الذكر). في القرن السادس عشر والسابع عشر الميلادي، ارتبط شرب القهوة ولا سيما بصوفية الحضرة الشاذلية في بعض أجزاء من الجزائر، حيث كانت القهوة تُعرف بالشاذلية.

وقد شاع شرب القهوة وأصبح شراباً شعبياً في مكة ودمشق والقاهرة في العقود الأولى من القرن السادس عشر الميلادي. وافتُتح أول مقهى في العالم في دمشق عام 1530م. وهناك روايتان لإدخال القهوة إلى الإمبراطورية العثمانية:

  • وفقاً للرواية الأولى، فقد جلب بعض التجار السوريين حبوب البن إلى القسطنطينية.
  • في حين تقول الرواية الأخرى إن القهوة تم تقديمها في الإمبراطورية بفضل أوزدمير باشا، الوالي العثماني لليمن، في حوالي منتصف القرن السادس عشر الميلادي.

 

وسرعان ما أصبحت القهوة جزءاً هاماً من المطبخ الملكي. كان صانع القهوة الرئيسي قهواجباشي (Kahvecibashi) واحداً من موظفي البلاط المهمين. بمرور الوقت، أصبح شرب القهوة ذا شعبية متزايدة ليس فقط بين الطبقة الأرستقراطية ولكن أيضاً بين الجماهير. وافتُتح أقدم مقهى (كيفا هان Kiva Han) في أوروبا في القسطنطينية عام 1554م. وكتب جيان فرانشيسكو موروسيني، Gian Francesco M سفير جمهورية البندقية لدى الحكومة العثمانية، تقريراً عام 1582م، وصف فيه بعض المباني العامة في "تركيا العثمانية" حيث يجتمع فيها الناس على أكثر المشروبات الساخنة والسوداء والتي تسمى كافي Cavee.

كانت التجارة الدولية مصدراً هاماً للدخل في الاقتصاد العثماني. فقد امتلكت الإمبراطورية العثمانية مكانة مركزية في التجارة العالمية التي تربط الشرق الأوسط وبلاد فارس والهند وإفريقيا بأوروبا. حيث مرت من المشرق البضائع عبر الموانئ التجارية من بورصة Bursa، وأدرنة، وسراييفو، ودوبروفنيك، وتم تصديرها إلى أوروبا الشرقية والوسطى. وصدّر العثمانيون الحرير، والشمع، والفلفل، والقطن، والمنسوجات، والعسل، والجلود، والفراء، والمعادن، والبن، والمواد الطبية إلى أوروبا. وتم تصدير معظم السلع عبر البندقية من خلال البواخر التجارية والتجار. وقد عملت البندقية كبوابة لأوروبا البحرية لتركيا العثمانية، والمشرق العربي، وشمال إفريقيا لأكثر من ألف سنة، اعتباراً من النصف الأول من القرن التاسع إلى العقود الأخيرة من القرن الثامن عشر الميلادي. والبنادقة كانوا أكبر الشركاء التجاريين للعثمانيين. فقد اعتمدوا على العثمانيين في القمح، والتوابل، والحرير الخام، والجلود، والرماد المتكلس لصناعة زجاج مورانو Murano الشهير (نسبة إلى جزيرة في البندقية تحمل هذا الاسم).

في المقابل، فقد صدّروا السلع المصنعة الفاخرة، بما في ذلك الزجاج، والصابون، والمنسوجات والساعات. في عام 1538م، استولى العثمانيون على ميناء المخا، المنطقة الرئيسية المنتجة للبن في اليمن، والمناطق المحيطة بها، فاحتكروا تجارة البن. وتجار البندقية، الذين ترددوا على اسطنبول لشراء السلع الشرقية الغريبة والتوابل، كانوا قد ذاقوا طعم القهوة وبدؤوا في استيرادها إلى إيطاليا وأجزاء أخرى من أوروبا حوالي عام 1615م. وافتتح أول مقهى في مدينة البندقية في عام 1645م.

في عام 1644م، أخذ مسيو دي لا روكي Monsieur de la Roque، السفير الفرنسي في البلاط العثماني، بعض حبوب البن من اسطنبول إلى مرسيليا. بعد سنوات قليلة بدأ التجار الفرنسيون استيراد البن من اسطنبول. وافتُتح أول مقهى في مرسيليا عام 1671م. وقد تعرفت باريس إلى القهوة بواسطة هوسوهابت نوكتدان سليمان أغا Hossohbet Nuktedan Suleyman Aga، الذي أرسله السلطان محمد الرابع سفيراً في بلاط الملك لويس الرابع عشر في فرنسا عام 1669م. وأخذ سليمان آغا عدة أكياس من حبوب البن إلى باريس، وبدأ بدعوة أعضاء الأرستقراطية الباريسية إلى منزله، ولقد استمتعوا بالقهوة والحلوى التركية. وسريعاً شاع شرب القهوة وافتُتح أول مقهى في باريس عام 1686م.

وحاصر الإمبراطور العثماني سليمان "القانوني" (حكم 1520-1566) فيينا في عام 1529م، لكن الحصار فشل، فكان الحصار الثاني للمدينة في عام 1683م، والذي فشل أيضاً فتراجعت القوات العثمانية، تاركة وراءها 500 كيساً من حبوب البن في مخيمهم المهجور في فيينا، التي لا تعرف شيئاً عن استعمال حبوب البن، ففكرت في رمي الأكياس. ولكن فرانز جورج كولشيتزكي Franz George Kolschitzky، ضابط بحرية بولندية والذي عاش في اسطنبول كجاسوس "الإمبراطورية" النمساوية-المجرية كان على علم بالمشروبات المصنوعة من حبوب البن، فطلب من السلطات الحصول على عدد من أكياس القهوة كأجر لخدمات تجسسه. وقد تم قبول طلبه وبدأ بخدمة أكواب صغيرة من القهوة إلى بيوت فيينا ثم نصب خيمة كبيرة حيث يقدم خدمة القهوة الساخنة. في وقت قصير أصبح شرب القهوة شائعاً شعبياً في المدينة وانتشر إلى أجزاء أخرى من النظام الملكي بهابسبورج. وافتُتح أول مقهى في فيينا عام 1685م. ويعقوب، مهاجر يهودي من تركيا العثمانية، افتتح أول مقهى في أكسفورد في 1637م. وتم افتتاح مقهى لندن الأول في عام 1652م. وافتُتح أول مقهى في ألمانيا عام 1673م. وفي عام 1667م افتتح كارا هيمي Kara Hamie وهو عضو سابق في الإنكشارية العثمانية في اسطنبول، أول مقهى في بوخارست.

وفي عام 1616م، إن التاجر الهولندي، بيتر فان دير بروك Pieter van der Broecke، الذي كان يعمل لشركة الهند الشرقية الهولندية، سافر إلى المخا في اليمن وتذوق قهوته. ثم حصل على بعض شتلات البن من المخا في اليمن وزرعها في حديقة في أمستردام. وفي 1696م أرسل الحاكم الهولندي في مالابار Malabar (الهند) بعض شتلات البن والتي حصل عليها من جنوب الهند، إلى نظيره في باتافيا Batavia (جاكرتا حالياً) في إندونيسيا. لم تنتج الشتلات الأولى بسبب الفيضانات في منطقة زراعتها، فتم إرسال الشحنة الثانية من الشتلات عام 1699م. والنباتات تجذرت ونمت وتم إرسال أول شحنة من البن من جاوه إلى أوروبا عن طريق شركة الهند الشرقية الهولندية في عام 1717م. وقد أحكم المستعمرون الهولنديون السيطرة على مزارع البن في نطاق واسع من جاوة وتيمور وسومطرة، سيلان وسيريبيس Cerebes. وهكذا بدأ الهولنديون أول إنتاج تجاري على نطاق واسع للبن.

وفي 1714م، أعطى رئيس بلدية أمستردام بسخاء شتلات البن كهدايا للأرستقراطيين الأثرياء. وكان أحد المستفيدين من هديته هو الملك لويس الرابع عشر ملك فرنسا، الذي زرع شتلته في الحدائق النباتية الملكية في باريس. وفي عام 1715م، ضابط بحري شاب اسمه غابرييل دي ماتيو كليو  Gabriel Mathieu de Clieu، والذي كان في إجازة من جزر المارتينيك  Martinique، وهي منطقة في ما وراء البحار لفرنسا في منطقة شرق البحر الكاريبي، هرّب نباتات البن من جاوة وزرعها في المارتينيك، حيث أثمرت. وفي عام 1727م، وضعت الحكومة البرازيلية عينها على تجارة البن المزدهرة. فكلفت العقيد فرانسيسكو دي ميلو Francisco de Melo Palheto  بمهمة الحصول على نبات البن من فرنسا. فعاش قصة حب مع زوجة حاكم غينيا الفرنسية، التي قدمت له باقة من الزهور التي تحتوي على عدد قليل من شتلات من نبات البن، كهدية عند رحيله. فأحضر الشتلات إلى البرازيل، حيث تجذرت وازدهرت. خلال العقود الأولى من القرن التاسع عشر الميلادي أصبحت البرازيل أكبر منتج للبن في العالم.

وفي غضون فترة زمنية قصيرة، ظهرت المقاهي في جميع المدن الأوروبية الكبرى، وأصبحت ملتقى للفنانين والشعراء والكتاب والفلاسفة والمفكرين. وعقد الفلاسفة الفرنسيون الأكثر شهرة والمثقفين مثل فولتير، وروسو، ودينيس ديدرو مناقشات طويلة ونشطة بشأن القضايا السياسية والاجتماعية في مقاهي باريس. وهكذا تطورت ثقافة المقاهي في أوروبا. فيصف جورج شتاينر George Steiner، الروائي الفرنسي والفيلسوف والمفكر العام، في كتابه "فكرة أوروبا" (2015) وجود المقاهي في المدن الرئيسية في أوروبا منذ القرن السادس عشر الميلادي باعتبارها واحدة من السمات المميزة للحضارة الأوروبية.

وفي عام 1607م جلب الكابتن جون سميث John Smith القهوة إلى العالم الجديد، وتم افتتاح أول مقهى في أمريكا في بوسطن في عام 1676م. وفي العصور الوسطى، اعتبر كثير من المسيحيين القهوة مشروب المسلمين فتجنبوا شربه. وفي عام 1600م، طلب بعض مستشاري البابا كليمنت Clement الثامن حظر القهوة، الذي كان مرتبطاً بالمسلمين، وكان الشراب المفضل للحكام العثمانيين. تذوق البابا القهوة ووجد أنها لذيذة. فأعطاها الموافقة البابوية وأعلنها كمشروب مسيحي. ومن المثير للاهتمام أن نلاحظ أن الكنيسة الإثيوبية الأرثوذكسية حظرت القهوة، التي كانت تعتبر الشراب الإسلامي، في القرن السابع عشر الميلادي، وظل الحظر ساري المفعول حتى عام 1889م. ويعتبر البن الآن مشروب أثيوبيا الوطني.

القهوة في الهند

وفي 1670م، إن بابا بودهانBuddhan  (Bababudan)، وهو صوفي متجول من أصل هندي، جلب حبوب البن من اليمن وزرعها في تلال تشاندرا جيري في كارناتاكا. وتجذرت النباتات وازدهرت. ومزرعة البن في المنطقة لا تزال تُعرف باسم بابا Budangiri في ولاية كارناتاكا. وأعطى سلطان تيبوTipu ، ملك ميسور Mysore (حكم في الفترة 1782-1799) أراضي بلا إيجار للمزارعين المحليين لزراعة البن. والهند هي الآن سابع أكبر منتج للبن في العالم، وتمثل 4.1% من إنتاج البن العالمي و4.52% من صادرات البن العالمية. وتم العثور على مزارع البن في ولاية كارناتاكا، والتي تمثل 53% من إنتاج البن في البلاد، ولاية كيرالا (28%) وتاميل نادو (11%). وأنتجت الهند 327 طن متري من القهوة في الفترة 2014-2015م. ويتم تصدير أكثر من 80% من القهوة المنتجة في الهند إلى أكثر من 45 بلداً، معظمها إلى أوروبا. وفي الفترة 2013-2014م، جلبت الصادرات من البن إيرادات 765.80 مليون دولار.

القهوة في اللغة

وهناك وجهتا نظر حول أصل كلمة قهوة. أحدهما أنها مشتق من كافاKaffa ، منطقة في المرتفعات الإثيوبية حيث ينمو نبات القهوة بكثرة. وهذا الأصل اللغوي متنازع عليه من قبل علماء اللغة، الذين يشيرون إلى أن كلمة القهوة في اللغة الإثيوبية السامية هي "بون Bunn"، والتي لا تزال تستخدم في إثيوبيا. ومن المثير للاهتمام، أن نفس الكلمة "بون" ، تستخدم على نطاق واسع للبن في اليمن.  والكلمة التي تستخدم عادة للقهوة في الشرق الأوسط هي (قهوة) qahwa. وفي التركية تم تعديل كلمة qahwa قليلاً إلى kahve. ووجدت كلمة kahve التركية طريقها إلى اللغات الأوروبية بأشكال مماثلة أو تم تعديلها، فمثلاً:

  • اللغة الفنلندية kahvi أو kavee
  • اللغة الكرواتية kava
  • اللغة البولندية kawa
  • اللغة الهنغارية  kave
  • اللغة الجورجية  qava
  • اللغة الأوكرانية  kavy
  • اللغة الليتوانية kava
  • اللغة السلوفيني  kave
  • اللغة الصربية kafa
  • اللغة الألمانية kaffee
  • اللغة الايطالية caffe
  • اللغة الفرنسية café
  • اللغة الهولندي  koffie
  • اللغة البرتغالية  café
  • اللغة الإسبانية café
  • اللغة اليونانية  kafes
  • اللغة اليديشية  kave
  • اللغة الإنجليزية coffee

 

وقهوة موكا Mocha Coffee قدمت أدلة داعمة أخرى للأصل العربي لكلمة القهوة. قهوة موكا (المعروفة أيضاً باسم موكاكسينو  Mocaccino) هو مشروب القهوة الشعبية بنكهة الشوكولاتة. واشتقت كلمة الموكا Mocha من الكلمة العربية المخا Al-mukha، وهو ميناء على ساحل البحر الأحمر في اليمن. وكان المخا سوق كبير للبن من القرن الخامس عشر إلى القرن التاسع عشر الميلادي. وتحظى حبوب البن بتقدير كبير في هذه المنطقة لمذاقها المميز.

هذه المقالة تستند جزئياً على كتاب "الإسلام و صناعة الحضارة"

  • www.iosminaret.org
  • The IOS Minaret
  • المجلد 10 العدد 16-31 يوليو أغسطس 2015

المقال كاملاً بصيغة PDF للقراءة والتحميل أعلى الصفحة.

 

البريد الإلكتروني للكاتبى : abdualamri.75@gmail.com

الكلمات المفتاحية

الزوار الكرام: يسعدنا مشاركتكم وتواصلكم حول هذا المقال

الكلمات المفتاحية

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

license
0 التعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
guest

شبكاتنا الاجتماعية

  • facebok
  • twitter
  • Instagram
  • Telegram
  • Youtube
  • Sound Cloud

يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

icons
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x