كشف تحقيق استقصائي نشرته مجلة Science العلمية عن تدني جودة مراجعة الأقران في الدوريات العلمية مفتوحة الوصول، والتي يصدر معظمها في الدول النامية، خاصة الهند، معتبرة ذلك "اتجاها ناشئا للفوضى في النشر الأكاديمي".
قدم الصحفي العلمي جون بوهانن نسخًا من ورقة بحثية معيبة باسم عالِم مزيَّف إلى 304 دوريات علمية حول العالم في المدة بين يناير وأغسطس الماضيين، والغريب أن أكثر من نصف تلك الدوريات قبل نشر الورقة، ولم تلحظ أخطاءها الكارثية.
وتشير مجلة Science إلى أن "أي مُراجع ذا خبرة في مجال الكيمياء تجاوز مرحلة التعليم الثانوي ولديه القدرة على فهم مخططات البيانات الأساسية كان بإمكانه أن يلحظ على الفور أوجه القصور في الورقة". مؤكدة: "أن التجارب في تلك الورقة كانت ملأى بالأخطاء، وخلصت إلى نتائج فارغة المضمون".
تم اختيار تلك الدوريات العلمية من بين الدوريات مفتوحة الوصول، أي المتاحة مجانًا للباحثين، الموثوقة والموضوعة على قائمة "الدوريات مفتوحة الوصول"، و"قائمة أشهر الناشرين"، التي جمعها جيفري بيل، أمين المكتبة الأكاديمية بجامعة كولورادو في دنفر بالولايات المتحدة. وتصف الورقة البحثية المزيفة جزيئًا تم انتزاعه من أحد أنواع نبات الحزاز، لتتوصل إلى أنه يعوق نمو نوع معين من السرطان. وقد تم اختلاق أسماء مؤلفي الورقة البحثية وانتماءاتهم ليبدو أنهم ينتمون إلى مؤسسات أفريقية.
ويوضح التحقيق المنشور بمجلةScience يوم 4 أكتوبر "أنه من بين 255 ورقة بحثية خضعت لعملية تقييم كاملة لتصل إلى القبول أو الرفض، اتُّخذت 60% من القرارات النهائية دون أي إشارة تدل على مراجعة الأقران التي يُفترض أن يجريها زملاء ذوو كفاءة بنفس التخصص لتقييم صحة الورقة ومصداقيتها".
الأوراق التي تم قبولها حسب المجلة: "على الأرجح تم ختمها بالموافقة دون أن يقرأها أحد".
وحتى في الحالات التي تمت فيها مراجعة الأقران، جرى التركيز فقط على هيكل الورقة والتنسيقات واللغة، ميز 36 فقط من بين الـ304 دوريات التي تم تقديم الورقة لها، بعض المشكلات العلمية بها، ورغم ذلك حصلت 16 منها على موافقة المحررين بالنشر، على الرغم من النقد العنيف لها". وتوجد نحو ثلث الدوريات التي استهدفها التحقيق في الهند، التي تضم أكبر تجمع للدوريات مفتوحة الوصول في العالم. ووافق نحو 64 من الدوريات الهندية على الورقة البحثية المزيفة، في حين رفضها 15 فقط. وهو ما يجعل الهند الدولة الأسوأ أداءً، وتليها الولايات المتحدة.وبالرغم من أن الدوريات العلمية لها محررون وحسابات بنكية في الدول النامية، إلا أن الشركة التي تجني الربح في النهاية غالبا ما يكون مقرها في الولايات المتحدة أو أوروبا، حسبما تشيرScience.
ورغم ذلك، نجحت مؤسسة "هنداوي" للنشر و مقرها القاهرة في هذا الاختبار، حيث تعمل"هنداوي" بطاقم تحرير قوامه 1000 شخص يتولّون فحص أكثر من 25 ألف مقال علمي في العام من 559 دورية علمية. ورفضت اثنتان من دورياته العلمية نشر هذه الورقة البحثية المزيفة.
ويرى د. حسن عزازي -الأستاذ بقسم الكيمياء في الجامعة الأمريكية بالقاهرة- أن "ما رصده التحقيق متوقع، خاصة مع الدوريات مفتوحة الوصول، والتي تتقاضى مقابلا ماديا للنشر".
يعلق عزازي لموقع SciDev.Net على التحقيق قائلاً: "إن ما حدث -وقد يتكرر- يدمر المنظومة الأكاديمية بالكامل على المدى البعيد، خاصة في دول العالم النامي"؛ لأن هذا يعني اعتماد الترقيات للكوادر الجامعية -والتي تتم وفق عدد البحوث المنشورة للباحث- بناء على أوراق علمية رديئة، أو حتى وهمية. ولمواجهة هذه الظاهرة يقترح عزازي "إنشاء لجنة تابعة لوزارات التعليم العالي والبحث العلمي، تكون مهمتها وضع قائمة تحدث دوريًّا بالدوريات العلمية الموثوقة، وأخرى للمشبوهة"، على أن تتم مخاطبة لجان الترقيات والأساتذة في الجامعات والمراكز البحثية بهذه القوائم.
ويشيد عزازي بالخارطة التي وضعها التحقيق للدوريات التي نشرت البحث المزيف والأخرى التي رفضت النشر، وأكد "أنها نواة جيدة جدا للقائمة التي يمكن أن تستعين بها المؤسسات البحثية في وضع قوائمها الخاصة".
وفي السياق ذاته يؤكد د. طارق قابيل -الأستاذ المساعد بقسم الأحياء- في كلية العلوم والآداب، بجامعة الباحة في السعودية- أن هذه القضية كانت مثارا للجدل في الآونة الأخيرة، خاصة فيما يتعلق بالترقيات. ويقول لموقع SciDev.Net: "كانت هناك شكوى دائمة من دوريات جنوب شرق آسيا مفتوحة الوصول، والعديد من الزملاء فوجئوا بوضع أسمائهم كمحررين ومحكمين في هذه المجلات دون الرجوع إليهم، بالضبط كما وصف التحقيق".
ويضيف قابيل: "هناك تسهيلات تقدم في التحكيم والنشر، كأن يُطلب من الباحث أن يرشح مُحكَّمًا، وغالبا ما يختار الباحث أحد المقربين له؛ لأن كل ما يهمهم هو تحصيل تكاليف النشر فقط".
جدير بالذكر أن شبكة SciDev.Net نشرت تقريراً في وقت سابق من العام حول الممارسات المشبوهة لبعض الدوريات التي تعمل من أجل التربح – وليس لنقل العلوم التي تتم مراجعتها عبر الأقران– والتي تستهدف الباحثين في الدول النامية. وقال أحد الخبراء ل ـSciDev.Net: إن المنافع -المالية و المهنية على السواء– التي يتم تحصيلها من خلال مثل هذه النشرات يجب أن يتم سحبها. و أضاف: يجب محاكمة ما سماهم "الحيتان الكبيرة" الذين يتربحون منها.