توصَّل باحثون تونسيون إلى اختراع مبيدٍ بيولوجي مستخرج من بكتيريا مكتشفة حديثا، تنمو في التربة التونسية؛ وأثبت فعاليته في مقاومة الآفات التي تصيب أشجار الحمضيات. وتقول الأستاذة "سعاد رويس" الباحثة بمخبر المبيدات البيولوجية بمركز البيوتكنولوجيا بمدينة صفاقس (جنوب تونس) "إن المبيد البيولوجي الجديد مستخرج من مادة سمية تنتجها بكتيريا -تم اكتشافُها في المختبر خلال السنوات الماضية- وثم تخزنُها في الخلايا على شكل بروتينات بلورية".
وتضيف الباحثة التونسية في تصريحها الذي أدلت به لفائدة موقع منظمة المجتمع العلمي العربي (أرسكو)؛ أن المبيد البيولوجي المبتكر حديثا هو أحد تطبيقات هذا الاكتشاف. ويتم استخلاص المادة بعد تكثير البكتيريا عن طريق عملية التخمير fermentation، وعند التحلل تخرج المادة البلورية لتتم معالجتها لإنتاج المبيد البيولوجي. ويتميز هذا النوع من المبيدات بكونه غير ضار للبيئة.
وكان فريق البحث التونسي؛ قد حصل على تمويل في إطار برنامج البحث والابتكار وتبادل الموظفين ضمن المشروع الأوروبي "أفق 2020" للبحث العلمي -والذي تبلغ ميزانيته 80 مليار أورو. وقد انطلق المشروع المسمي IPM-4-Citrusبشراكة مع فرق بحثية أوروبية وعربية في عمليات اختبار الاكتشاف وتصنيعِه والخروج به من المخبر إلى الحقل. وقد تجاوز المشروع مرحلة التجارب بإنتاج نموذج prototype يسعى الباحثون لتسويقه.
وتمثل غياب الخبرة لدى الباحثين بصفة عامة في مجال التسويق وحماية ابتكاراتهم؛ تحديا هاما في سبيل الوصول بالمنتج إلى المستهلكين (المزارعين). ويتعين اللجوء إما إلى التعاقد مع مؤسسة اقتصادية لنقل التكنولوجيا إليها بهدف إنتاج وتسويق المنتج، أو إنشاء شركة ناشئة للغرض ذاته. وقد اختار فريق البحث الاعتماد على منظمتين غير حكوميتين تعمل في مجال تثمين نتائج البحث (واحدة تونسية والأخرى إيطالية)، لتوفر حاضنة للمشروع بهدف تأطير الفريق ومساعدته للخروج بالمنتج إلى السوق كما تقول الباحثة التونسية. وأضافت السيدة "رويس" "نريد تحسيس المتدخلين والفاعلين في مجال المبيدات الحيوية في تونس خاصة الفلاحين ومنظمات المجتمع المدني؛ للتشجيع على استعمال المنتوج الجديد الذي هو منتوج تونسي خالص، سعيا لتغيير عادات المستهلك في هذا المجال".
وتؤكد الباحثة على أن للمبيد البيولوجي الجديد فوائد كثيرة. فإضافة إلى كونه غير ضار بالبيئة، فهو ليس له أية تأثيرات سلبية على النباتات والحشرات النافعة، أي أنه (مبيد ذكي). كما يمثل قيمة مضافة للبحث العلمي التونسي وقابل للتصنيع والترويج، بعد نقل التكنولوجيا للمحيط الصناعي (ويعمل المخبر مع مؤسسة صناعية لإنتاج المبيدات وتصديرِها؛ لما يتميز به من جودة وتنافسية مقارنة مع بقية المبيدات المتوفرة في الأسواق العالمية.
وكان فريق بحثي ينتمي إلى مختبر المبيدات البيولوجية؛ قد حصل في وقت سابق على براءة اكتشاف هذا النوع من البكتيريا، الذي يطلق عليه اسم BLB1، وهو سلالة جديدة من بكتيريا عصيات باسيليس ثورينجينزيس Bacillus thuringiensis (أو Bt)، معزولة عن عينة التربة التونسية، تتميز بتركيز عال للبروتينات البلورية (السمية) التي تنتجها مقارنة بالسلالات المستخدمة حاليا في إنتاج المبيدات البيولوجية عالميا. ومن المنتظر أن تسهم السلالة الجديدة في دفع إنتاج المبيدات البيولوجية التي تقدر حاليا كمياتها المنتجة عالميا بحوالي 30 ألف طنٍ أغلبها مستخرج من بكتيريا (Bt).
يذكر أن المبيدات الكيميائية تستعمل على نطاق واسع عالميا، حيث بلغت كمياتها في عام 2007 أكثر من 2.4 مليون طن. وتتسبب هذه الكميات المستخدمة خاصة في المجال الزراعي في مخاطر بيئية وصحية كبيرة. إذ تلعب دورا هاما في تدهور التنوع البيولوجي وتلوث التربة والمياه النباتات، وهو ما ينعكس بشكل مباشر وغير مباشر على صحة الإنسان وقد وجدت دراسة أمريكية أجريت سنة 2014، أن 75 بالمائة من الغلال والخضر المستهلكة في الأسواق الأمريكية؛ تحتوي على آثار المبيدات. كما أثبتت دراسات مختلفة علاقة هذه المبيدات بالعديد من الأمراض. لذلك فإن الأبحاث في مجال تطوير مبيدات بيولوجية غير ضارة يكتسي أهمية كبيرة للحفاظ على سلامة البيئة وصحة الإنسان.
المراجع
البريد الإلكتروني للكاتب: gharbis@gmail.com