يستطيع التحليل الطيفي باستخدام الأشعة تحت الحمراء كشف آثار الغازات ويقدم بديلاً محتملاً لتقنية التأريخ الكربوني.
قد تمنح طريقة جديدة تعتمد على البصريات لكشف آثار الغازات أسلوبا بديلاً محتملاً لتأريخ القطع الأثرية. فكما تم شرحه في مجلة رسائل المراجعة الفيزيائية Physical Review Letters ، تقتضي هذه التقنية استخدام ضوء ليزر من الأشعة تحت الحمراء لكشف الكميات الصغيرة من (الكربون- 14) في عينة غازية. و يستطيع هذا النظام كشف أثر غاز عند ضغط نصف فيمتوبار، أي ما يعادل 10-15 من الضغط الجوي، وهو ضغط أصغر مما استطاعت أي طريقة سابقة كشفه لغاز جزيئي بسيط. ما زالت الحساسية بحاجة إلى التحسين ليمكنها التنافس مع أحدث تقنيات التأريخ الكربوني، و لكن الطريقة الجديدة صغيرة الحجم والتكلفة نسبياً. كما أنها قد تكون عملية أيضا في مجالات مثل اختبارات الأدوية و مراقبة البيئة.
يعتمد التأريخ الكربوني على الكربون-14، و هو نظير كربوني له فترة نصف عمر تساوي 5730 سنة. وتحتوي الكائنات الحية على ذرة كربون-14 واحدة لكل تريليون من ذرات الكربون-12، مما يعكس وفرتها النسبية في الجو. و لكن بمجرد أن يموت الكائن الحي، يتوقف عن تبادل الكربون مع البيئة. يتحلل الكربون-14 على سبيل المثال في قطعة قديمة من الورق أو الملابس باستمرار. وتكشف الكمية المتبقية عن عمر الشيء.
يقيس علماء الآثار تقليديا الكربون-14 المتبقي باستخدام طيف الكتلة المسارع (ط.ك.س) (AMS)، وفيه تُحرق عينة من المادة لينبعث ثاني أكسيد الكربون، ثم يتم ترتيب الأيونات المستخرجة من هذا الغاز حسب كتلتها. تستطيع التقنية أن تقيس نسبة الكربون-14 إلى الكربون-12 حتى جزء واحد في كل كوادريليون (10-15)، والتي تناظر عمر للعينة يساوي 50,000 عام.
تقنية أخرى عالية الحساسية هى التحليل الطيفي الضوئي الذي يكشف الكميات الصغيرة من المادة عن طريق قياس كمية الضوء التي تمتصها. مدى الأطوال الموجية الذي يتراوح بين 2.5 و 10 ميكرون هو المدى الذي يكون فيه لجزيئات الغاز أقوى امتصاص، لكن التكنولوجيا للقياسات عالية الدقة في هذه المنطقة لم تصبح متاحة إلا مؤخراً.
في السنة الماضية، كشف بابلو دي ناتال من مجلس الأبحاث الوطني الإيطالي و المعمل الأوربي للتحليل الطيفي غير الخطي (LENS) في فلورنسا، و زملاؤه عن تقنية جديدة عالية الدقة يطلق عليها "التحليل الطيفي بتسدل تجويف الامتصاص المشبَّع" (سكار (SCAR)). في التحليل الطيفي بتسدل تجويف الامتصاص المشبَّع التقليدي، استمر العمل به منذ أكثر من عشرين عاما، يملأ الباحثون تجويف اسطواني بعينة غازية و يشعون الضوء لوقت قصير في التجويف عند طول موجي يمكن لآثار الغاز أن تمتصه. بعد إقفال النور، تستمر المرايا في كل نهاية في عكس الفوتونات جيئة وذهابا آلاف المرات حتى يتبدد كل الضوء.
يعتمد الوقت الذي تأخذه العملية التي يطلق عليه "تسدّل التجويف" على الدرجة التي تكون فيها المرايا بها عيوب في عكس الضوء، ولكن أيضا على كمية الضوء الممتصة بواسطة آثار الغاز. للتمييز بين التأثيرين، يقيس الباحثون المفقودات بالانعكاس العادي بشكل منفصل مع تجويف فارغ. و لكن النظام الذي طوّره دي ناتال و زملاؤه أكثر حساسية عشرين مرة لأنه يستطيع عزل النوعين من المفقودات مع وجود العينة في التجويف. لإجراء هذه الخطوة للمعايرة، يغلق النظام أساساً الامتصاص لفترة قصيرة باستخدام ليزر له طاقة كافية لإثارة كل الجزيئات المستهدفة واضعاً إياها في حالة لا تستطيع فيها امتصاص الضوء. بعد حوالي 10 مايكرو ثانية، يعود الامتصاص بعد أن تعود الجزيئات إلى حالتها الأصلية من عدم الاستثارة.
يقول جيوفاني جيوزفريدي: لقد دفع الفريق الآن حساسية النظام إلى حدودها القصوى عن طريق استهداف جزيئات ثاني أكسيد الكربون النادرة التي تحتوي على الكربون-14. بمقارنة عينات ثاني أكسيد الكربون مع الكميات الوافرة الطبيعية و المستنفذة من الكربون-14، أوضح الفريق أن طريقتهم تستطيع كشف مستويات منخفضة من الكربون-14 تصل إلى 43 جزء في الكوادريليون، والتي تناظر عمر عينة يساوي 28,000 سنة. و برغم أن حساسيتها لم تصل بعد إلى درجة (ط.ك.س)، فإن نظام سكار يسهل استخدامه معملياً وتكلفته أقل عشر مرات عن تكلفة استخدام آلة (ط.ك.س). هناك أيضا مجموعة واسعة من تطبيقات الكربون المشعّ التي لا تحتاج إلى هذه الحساسية و التي قد تستفيد من الحجم الصغير لـ(سكار)، مثل دراسة دورة الكربون في المناطق الجغرافية المختلفة و تقييم أيض الدواء.
يقول باري ماكنوس من مؤسسة أيروداين البحثية في بيليريكا، ماساشوستس: "أعتقد أن هذا يمثل تقدماً ملموساً في حساسية التحليل الطيفي. نجح المبتكرون في الوصول لحدود كشف في الطريقة الجديدة تعادل ثلاثة أضعاف أي نتائج معروفة حتى الآن لتجربة تستخدم التحليل الطيفي بالامتصاص". يعتقد جيانفرانكو دى لوناردو من جامعة بولونيا في إيطاليا أن هذه التقنية الجديدة ستتحسن مع مزيد من التطوير لتصبح أكثر تنافسية مع التأريخ الكربوني القائم على طيف الكتلة المسارع.
المراجع