عندما تتردد هذه العبارة المأثورة لكريستوفر ريفز، ممثل شخصية سوبرمان في مؤتمر علمي في فلسطين، فنحن نعيش لحظة "حتمية" تصبح فيها منتجات ثورة علمية تكنولوجية أدوات ثورة علمية تكنولوجية جديدة، و تبلغ آخر مكان يخطر على البال عند الحديث عن الثورات العلمية؛ تبلغ فلسطين. و"دَعْ كرة النانو في فلسطين تدور" nanotech@palestine" شعار اللحظة "الحتمية" أطلقه أسامة نايفة، أصغر العلماء المشاركين في "المؤتمر الدولي الأول للنانوتكنولوجيا في فلسطين".
و كرة النانو الفلسطينية مجموعة أدمغة تقيم عبر المعلومات الفورية "الأونلاين" ذاكرة عاملة جماعية تتطور فيها الأفكار بسرعة خارقة. و تقيم أدوات الإنترنت الذهنية سجالات مبدعة، تستحث بها الأدمغة بعضها بعضاً، و تنشئ ترابطات تحتاج في العادة إلى جهد استكشافي كبير، بينما هي هنا تحصيل حاصل يوسّع نطاق المسائل التي يمكن للدماغ البشري حلها، و ينتج دماغاً جماعياً يعمل بطريقة مختلفة عن العقل الموجود في رأس كل واحد منا.
وكما في العمل الفدائي، تدير كرة النانو مجموعات اقتحامية، و تنشط في علوم الرياضيات بشكل خاص. "إذا اقتَحَمتَ معضلة رياضيات مباشرة فغالباً ما تصل طريقاً مسدوداً، ولا شيء كما يبدو يعمل، و تشعر لو أمكنك فحسب أن تلتف حول الزاوية فستعثر على حل سهل. و لا شيء يماثل وجود شخص آخر إلى جانبك، لأنه يستطيع عادة الالتفاف حول الزاوية". قال ذلك العالم اللبناني مايكل عطية الذي نال أهم الجوائز العالمية في علوم الرياضيات، بينها "فيلدز" و"فيصل العالمية" المعادلتان لـ"نوبل".
وعندما أوصى عطيه عام 1988 العلماء العرب باستخدام "الإنترنت"، لم تكن الشبكة العالمية كما نعرفها الآن قد وجدت بعد، و كانت في متناول أجهزة "السوبر كومبيوتر" في جامعات ومراكز البحث العلمي الكبرى فقط، إلا أن الشبكة العالمية WWW التي يستخدمها "الإنترنت" كوسيلة مفتوحة للاتصالات والبريد الإلكتروني لم يكونا موجودين. و لا أعتقد أن ثورة الإنترنت التي تواصل تغيير كل شيء في العالم، خطرت ببال من قرأ توصية عطية، بمن فيهم أنا الذي نقلتها عنه في حديث منشور في صحيفة عربية تصدر بلندن. والعمل الفدائي في العلوم والتكنولوجيا جريء ومغامر ومبدع في إنشاء ما يسميها العالم الفلسطيني رياض سوافطة "كتلة حرجة من باحثين فلسطينيين شباب يجدر تجميعها عن طريق إقامة الجسور على المستويات الوطنية و الإقليمية والعالمية". و يذكر سوافطة الذي يرأس شركة "كوارك تيك" QuarkTek في الولايات المتحدة: "ليس علينا في الوقت الراهن أن نعيد اختراع العجلة، إنما نستطيع بالأحرى التعلم من تجارب الآخرين.
فالبلدان المتقدمة أنفقت مئات مليارات الدولارات لتطوير الطب و الهندسة و علوم المواد و النانوتكنولوجيا و البايوتكنولوجيا و الاتصالات و الإلكترونيات المتقدمة. ويجدر بنا استخدام هذه الثروات من المعرفة المتراكمة كنقاط انطلاق للإبداعات، ولتجهيز شعبنا بمياه الشرب العذبة و الأمينة، و تطوير موارد للطاقة المتجددة، و كذلك لمنع الأمراض السارية التي تصيب المنطقة".
و"الربيع العربي" الذي تفوح به نابلس كان حاضراً في "جامعة النجاح" حيث تحدث سوافطة عن "استخدام شبكات التواصل الاجتماعي في جهودنا المستقبلية لتوثيق وتجميع مصادر مختلفة وإقامة التعاون على جميع المستويات وبناء الارتباطات بين المحسنين والباحثين و صانعي القرارات و الصناعيين و المستهلكين. لقد ظهرت فاعلية شبكات التواصل الاجتماعي في إشاعة الديمقراطية و كسر عامل الخوف بين الأجيال الفتية في العالم العربي. الأدوات نفسها يمكن استخدامها لكسر مخاوف الباحثين و تعزيز ثقتهم و تجهيزهم بالأدوات الضرورية لبلوغ أهداف بحثهم العلمي. كما يمكن استخدام شبكات التواصل الاجتماعي لرفع وعي الناس و مساعدتهم في أن يصبحوا شركاء مؤثرين في بناء الأجيال المقبلة".
والنانوتكنولوجيا نفسها وليدة أسلوب العمل الفدائي في اختراق الحدود و الحواجز الفاصلة بين العلوم. رائد النانو منير نايفة، الذي كان في شبابه عضواً بحركة "فتح"، عرض في "جامعة فلسطين التقنية" في طولكرم سلايدات عن عمل مختبره في "جامعة إيلينوي" بالولايات المتحدة. "خذ ما بين 30 و1000 ذرة من المادة و الصقها بعضها بعضاً، و غلّفها بغلاف واقٍ عند الضرورة و استخدمها مثل كتل البناء في إنشاء المادة التي تريدها". نايفة والعالم التونسي منجي باوندي، العربيان الوحيدان المذكوران في كتاب "رواد النانو" The Nanotech Pioneers إلى جانب أساطين علوم الفيزياء؛ نيوتن، و شرودنغر، و نيلز بور.
ويصف الكتاب عملية "الحبس الكوانتومي" التي يتم فيها تغيير مواصفات المادة، بحبس جزيئاتها في حيز صغير، و هي من أعقد العمليات الهندسية الجارية في الطبيعة التي تعجز الهندسة التقليدية عن الإحاطة بها، إنها "هندسة ما وراء الطبيعة" حيث تلتقي علوم و تكنولوجيا المادة الحية و غير الحية، و تتغير مواصفات المادة. و هكذا تحول النانوتكنولوجيا الرمل الداكن إلى أحد أكثر المواد الساطعة في الكون، و حسب نايفة "تخرج النور من الظلمات". و تتطلب النانوتكنولوجيا معرفة مركزة قائمة على الإبداع و التأثيرات المتلازمة لعلوم و تخصصات مختلفة، و يستدعي هذا "جمع و نشر المعلومات عن الاختراقات العلمية و الاختراعات و المبادرات بسرعة الضوء".
والعقل الجماعي الذي يتحرك بسرعة الضوء يؤسس ثورة علمية من نمط جديد. و كما حدث في عصور النهضة العلمية العربية الإسلامية و الغربية اللاحقة ليست الاكتشافات و الاختراعات أهم ما تبدعه الثورة الجديدة، بل عملية الاكتشاف العلمي نفسها، و فهم طريقة عمل الطبيعة، التي توسع مقاربة الدماغ البشري لعوالم جديدة في الطبيعة، و تدشن عصر اختراع الاكتشاف. و يرصد كتاب "اختراع الاكتشاف" Reinventing Discovery استخدام معدات و أدوات الإنتاج الفكري التي تقيم بالمعلومات الفورية فضاءً "أونلاين" مشتركاً، أمكن فيه حل معضلات مستعصية في علوم الرياضيات خلال فترة زمنية قياسية عن طريق المشاركة الجماعية المفتوحة.
وكان من المستحيل أن يضع البحث العلمي التقليدي خريطة "الجينوم البشري" المفتوحة للاستخدام العام، و التي تكشف عن علاقة الأمراض بالتكوين الجيني، أو إقامة "ويكيبيديا" التي دشنت نمطاً فريداً من الموسوعات العلمية الجماهيرية المتابعة للاكتشافات العلمية المتسارعة. و يشرح مؤلف الكتاب مايكل نيلسن كيف تجري عملية التنقيب في منجم المعرفة المتوافرة للجميع، ليس اهتداءً بالكلمات، بل بمعطيات "شبكة الدلالات اللفظية" semantic web التي تجعل أشخاصاً لم يتلقوا مثلاً تعليماً في الطب يكتشفون أسباب أمراض مزمنة، أو يشاركون في ظاهرة لا مثيل لها في تاريخ البحث و الاكتشاف العلميين، حيث يسهم مئات الألوف من الباحثين في رصد وباء الإنفلونزا، أو في الإحصاء الكوني الذي وضع حتى الآن نحو 150 مليون تصنيف للأجرام السماوية. " حالما تختار الأمل يصبح أيّ شيء ممكناً "، يقول مايكل ريفز.
المصدر: جريدة الإتحاد