من المتوقع أن يواجه إجمالي إنتاج الزيتون العالمي أكبر انخفاض له منذ 15 عاماً، ودعت صحيفة «الجارديان» البريطانية، المستهلكين في العالم إلى تخزين زيت الزيتون، ووصفت عام 2014 بكونه سنة «سوداء» على إنتاج زيت الزيتون، قائلة بأن الـ 12 شهراً الماضية كانت مروعة لصناعة زيت الزيتون، كما تضاعفت كلفة إنتاج زيت الزيتون في بعض المناطق من العالم.
وطبقاً للمجلس الدولي للزيتون، تشير أحدث الأرقام إلى أن أسعار المنتجين ارتفعت بنسبة 121% في ديسمبر الماضي (2014)، مقارنة بالفترة ذاتها في عام 2013، مع تراجع المعروض بنحو الثلث. ويقول الخبراء بأن هذه الزيادة من المرجح أن تنتقل للتجار، ومن ثم للمستهلكين، ليصبح تناول زيت الزيتون في الأطعمة شكلاً من أشكال الترف.
وتوقع محللون سنة سيئة لزيت الزيتون منذ فصل الصيف الماضي، بعد أن اتضح أن الطقس الساخن أواخر فصل الربيع الماضي في إسبانيا، وهي أكبر منتج للزيتون في العالم، كان على وشك أن يكون له تأثير رئيس على محاصيل الخريف، كما أدى انتشار الحشرات وتسببها في أخطر الأمراض التي تصيب أشجار الزيتون في تدمير محاصيل الزيتون في عدة بلدان.
وعملت اسراب كبيرة من الحشرات على تدمير محصول الزيتون في أجزاء من جنوب إيطاليا، ما أدى إلى دعوات لإعدامها، ومما حذا برئيس اتحاد مزارعي الزيتون الإيطاليين، لوصف عام 2014 بأنه أسوأ عام في تاريخ إنتاج الزيتون، حيث أن المزارعين الإيطاليين عانوا بشدة من الآفات والأحوال الجوية السيئة.
ويأتي تأثير هذا المرض على رأس سنة سيئة بشكل خاص لمزارعي الزيتون الإسبانيين والإيطاليين في عام 2014 بسبب الآفات والطقس، والذي أدى لانخفاض الحصاد بنسبة 40-50٪ في إيطاليا فقط. وجدير بالذكر أن إنتاج اسبانيا وايطاليا من الزيتون يصل إلى 70٪ من الإنتاج الأوروبي، مما يؤدى إلى تحذيرات بزيادة أسعار زيت الزيتون في المستقبل القريب.
وفي اليونان، كان منتوج الزيتون أكثر استقراراً، وعانت الدول المنتجة الأخرى الأصغر للزيتون، فقد عانى المغرب وتونس أيضاً سوء الأحوال الجوية، في حين أن سوريا التي تمتلك 74 مليون شجرة زيتون، قد تأثرت بالحرب الأهلية.
وبدأت ترتسم ملامح أزمة زيت الزيتون في العالم، حيث حذرت شركة زيت الزيتون الإيطالي في هيفر، في مقاطعة كينت البريطانية، عملاءها من أن إمداداتها ستكون محدودة. وتمثل إسبانيا وإيطاليا 70 % من إجمالي إنتاج زيت الزيتون في العالم، وطبقاً للمجلس الدولي للزيتون، سينخفض إنتاج إسبانيا من زيت الزيتون في العام الحالي 2015 بأكثر من النصف إلى 825.700 طن، كما يتوقع أن يتراجع إنتاج إيطاليا كذلك من زيت الزيتون بنحو الثلث إلى 302.500 طن، وهو أكبر تراجع منذ عام 1991. وسيكون الأكثر تضرراً بالدرجة الأولى المزارعون واقتصادات الدول المنتجة لزيت الزيتون، حيث تقدر صناعة زيت الزيتون بالنسبة للمنتجين الأوروبيين الجنوبيين بنحو ملياري جنيه إسترليني.
الزيتون
ومن المعروف أن شجرة الزيتون شجرة معمرة مستديمة الخضرة، تتبع الفصيلة الزيتية وهي من النباتات دائمة الخضرة وتعتبر ثروة لما لها من فوائد اقتصادية وبيئية. ويحتل الزيتون موقعاً مهماً بين الأشجار المثمرة الأخرى نظرا لاستخدامه في تغذية الإنسان، وتحضير بعض المواد الطبية، وثمرته ذات فوائد كثيرة فهي غذاء كامل ويستخرج منها زيت الزيتون ذو فوائد صحية وغذائية، فهو لا يحتوي على الكولسترول المضر للقلب وتستعمل مخلفاته في علائف الحيوانات، كما يعد خشبه من بين أجود أنواع الأخشاب المستخدمة كوقود.
ويُعتَقَد، بأن أصل الزيتون يعود إلى منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط وخاصة المنطقة الواقعة بين أضنة في تركيا وشمال غرب سوريا التي تعد الموطن الأول لشجرة الزيتون وسلسلة الجبال الساحلية السورية وصولاً إلى منطقة جبال نابلس في فلسطين جنوبًا. وتعدّ سورية الموطن الأصلي لشجرة الزيتون ومهد انتشارها. وتعد زراعة الزيتون إحدى أهم الزراعات في المناطق المطرية الجافة ونصف الجافة، وترتبط زراعته بحياة وعادات مجتمعها ثقافياً وتراثياً واقتصادياً. وينتشر الزيتون اليوم في بلاد الشام وتونس والجزائر واليونان وإسبانيا وإيطاليا وليبيا.
مرض اللفحة البكتيرية على الزيتون
تدل دراسة المستحاثات النباتية على تعرض النباتات لإصابات مرضية منذ نحو 250 مليون عام. وقد أوردت الأسفار القديمة ذكراً لأمراض الأصداء، والبياضات، واللفحات التي سببت تغيرات جذرية في اقتصاديات الشعوب في تلك العهود. وفي المنطقة العربية أمثلة واضحة عن الآثار الكبيرة التي تسببها أمراض النباتات للاقتصاد القومي، فذبول القطن والزيتون في سورية وتعفن البصل وتفحم الذرة الصفراء الشامية في مصر، وتقرح الحمضيات في السعودية واليمن. وتجعد أوراق البندورة الفيروسي واصفرارها في معظم الدول العربية، هي شواهد قليلة على الآثار المدمرة لأمراض النباتات.
ويبلغ عدد الأمراض النباتية المسجلة في العالم نحو ثمانين ألف مرض، تحدث خسائر سنوية كبيرة قد تصل في كثير من الدول النامية التي لا تتوافر فيها إجراءات المكافحة إلى نحو 30-50% من الإنتاج الزراعي.
أما أخطر ما يهدد زراعة الزيتون في أوربا والعالم فهو مرض اللفحة البكتيرية الذي ظهر سنة 2013 في جنوب إيطاليا، مما يشكل خطرا كبيرا على أشجار الزيتون الأوروبية، وفقا لتقييم من قبل الهيئة الأوروبية لسلامة الأغذية (EFSA). وينتشر المرض حاليا فقط في جنوب إيطاليا، حيث أصاب حوالي 8000 هكتار من أشجار الزيتون.
اجتاحت بكتريا Xylella fastidiosa المعروفة أيضا باسم مرض اللفحة البكتيرية منطقة أبوليا في الطرف الجنوبي من إيطاليا، حيث تتأثر عدة آلاف من الهكتارات من مزارع الزيتون الآن. وبحسب التقارير فإن تفشي المرض في أبوليا شديد للغاية، وإن البكتيريا تقتل العديد من النباتات في إقليم ليتشي الإيطالي.
وتعتبر اللفحة البكتيرية على الزيتون من أخطر الآفات التي تصيب أشجار الزيتون. وتعتبر هذه البكتيريا والتي تنقسم إلى عدة أنواع، من أهم عشرة مسببات بكتيرية لآفات النبات، وتظهر أولى الأعراض على قمم الأشجار حيث تذبل الأوراق، ثم تصاب الأغصان وتبدأ الأشجار تضعف إلى أن تموت تماما في الحالات الحادة. وتقتل البكتيريا النباتات المصابة عن طريق منع حركة المياه في الأشجار، مما يتسبب في تحول لون الأوراق الى اللون الأصفر والبني قبل سقوطه، ثم تسقط فروعها بعد ذلك مباشرة.
وبحسب العلماء فإن الإصابة ببكتريا Xylella fastidiosa المعروفة أيضا باسم لفحة أوراق الزيتون غريبة عن القارة الأوربية، وهى إصابة شائعة في الأمريكيتين والشرق الأوسط، والتي يعتقد أنه قد تم إحضارها إلى أوروبا عن طريق الحشرات المصابة، وأنه قد تم نقلها مع السلع النباتية، أو عن طريق تسلل الحشرات المصابة. ويرى العلماء أن ثمة صلة بين تغير أنماط التجارة العالمية وانتشار هذا المرض.
وهناك نباتات يمكنها أن تحمل البكتيريا دون أن تظهر عليها علامات المرض، وهذا ما يزيد من خطورته. كما تصيب هذه البكتيريا العديد من النباتات مثل كروم العنب، أشجار الخوخ، والحمضيات الدفلة، واللوز، والبرقوق، والمشمش والبن وكذلك البلوط، والدردار. وبمجرد ظهور الإصابة تنتشر البكتيريا عن طريق الحشرات التي تتغذى على السوائل النباتية والسلالات المختلفة منها لديها نطاق واسع من النباتات المضيفة مما يؤثر على أشجار البلوط والجميز والحمضيات والكرز واللوز والجريب فروت، والخوخ، والدفلة وأشجار الغابات.
وينتقل المرض عن طريق نوع معين من الحشرات الماصة هو نطاط الأوراق، والذي يطير لمسافات قصيرة. أما الانتقال لمسافات طويلة فإنه يتم عن طريق نقل النباتات المصابة. كما أن هناك وسائل أخرى محتملـة لنقل المرض وهي الثمار، والخشب، والأزهار والبذور والأوراق لكن هذه الوسائل قليلة الفاعلية. ولا يوجد وسيلة للقضاء على هذا المرض، لذا لا بد من اتخاذ اجراءات وقائية لاحتواء تفشي المرض، والتركيز على النباتات المصابة والحشرات الناقلة.
وللأسف فإن مكافحة انتشار هذا المرض هي عملية صعبة للغاية، بسبب أن المبيدات الحشرية المستخدمة لقتل الحشرات المضيفة للبكتريا لها تأثيراتها البيئية غير المرغوبة. كما أن أشجار الزيتون القديمة في أبوليا التي زرعت هناك واستوطنت المنطقة منذ عدة قرون لها قيمة عالية لدى المزارعين وكثير منهم قد يقاوم برامج القضاء على هذه الأشجار. وتقول تقارير العلماء أنه من المرجح جدا انتشار المرض في الاتحاد الأوروبي، وأن عواقب ذلك ستكون كارثية وخطيرة بسبب خسائر المحصول وغيرها من الأضرار المتوقعة والتي ستكون عالية وتتطلب تدابير رقابية مكلفة. ونظرا لخطورة هذه الآفة وتعدد النباتات التي تصيبها فإن الكثير من الدول الأوروبية قد وضعت مصالح حماية النباتات لديها في حالة التأهب.
ويجب أن تتخذ كل الدول العربية التي تزرع الزيتون كل التدابير اللازمة لحماية ثروتها النباتية من أشجار الزيتون من هذا الخطر الداهم لأن العالم أصبح قرية صغيرة وسبل انتشار المرض متوفرة في كل الدول العربية.
من المرجح أن تنتشر البكتريا القاتلة التي أثرت على عدة آلاف من الهكتارات من مزارع الزيتون في منطقة أبوليا الإيطالية إلى أشجار الزيتون الأوروبية، مثل هذه في كورسيكا.
مصادر
- First report of Xylella fastidiosa in the EPPO region
http://www.eppo.int/QUARANTINE/special_topics/Xylella_fastidiosa/Xylella_fastidiosa.htm
- Europe’s olive trees threatened by spread of deadly bacteria
http://www.theguardian.com/environment/2015/jan/08/europes-olive-trees-threatened-spread-deadly-bacteria