بمناسبة السنة الدولية للضوء 2015 والاحتفال العالمي بمرور ألف سنة على تأسيس علم الضوء على يد الحسن ابن الهيثم وعدد من العلماء العرب و المسلمين في عصره، فإن “منظمة المجتمع العلمي العربي” تتشرف بنشر الكتاب القيّم للبرفسور رشدي راشد.
“يبحث هذا الكتاب في تاريخ الهندسة وعلم المناظر في حقبة تمتد من منتصف القرن العاشر الميلادي (الرابع الهجري) إلى منتصف القرن الذي يليه. وهذه الحقبة، كما هو معروف، من أزهر العصور للحضارة الإسلامية بلا مراء. ويتضمن العديد من رسائل العلماء والرياضيين من أمثال القوهي وابن سهل والسجزي وأبي الجود بن الليث، وابن عراق وابن الهيثم والبيروني وغيرهم. كل هذه الرسائل يجدها القارئ هنا محققة لأول مرة مع التحليل الرياضي والتأريخ لها وبيان ما أتت به من جديد ومكانها في تاريخ الرياضيات والعلوم. وهي تكشف لنا عن أبعاد للبحث الهندسي المتقدم وعلاقته الحميمية بتطبيق الرياضيات سواء في علم المناظر أو في علم الهيئة وكذلك في علم الميكانيكا.
فسيرى القارئ كيف كان البحث في العدسات باعثاً على مواصلة البحث وتجديده في هندسة المخروطات، كما كان البحث في الأصطرلاب باعثاً على اكتشاف وجهة النظر الإسقاطية في الهندسة. سيرى أيضاً النهج الجديد الذي أتى به الحسن بن الهيثم في علم الطبيعة جملة وفي علم المناظر خاصة، وسيرى كذلك كيف وصل البحث الرياضي إلى نتائج كان يظن حتى عهد قريب أنها من اكتشافات القرن السابع عشر في أوروبا.
كل هذا يبين-كما يمكن أن يتحقق منه عند قراءة هذا الكتاب-أن التأريخ للعلم الذي كتب بالعربية في الحضارة الإسلامية، ليس فقط ضرورياً في ذاته ولذاته ولكنه أيضاً لازم لكتابة تاريخ العلم الإنساني وتجديد كتابة تاريخ الرياضيات والعلوم. فجلّ النتائج التي يتضمنها هذا الكتاب لم تكن معروفة من قبل. وهذه النتائج هي بعض من الكثير الذي لم يكتشف بعد، فلم يزل البحث في تاريخ العلم العربي في بدايته، ولم يبدأ حقاً إلا منذ عقود قليلة، ولم يدرس من المخطوطات العلمية بما تستحقه من عناية واهتمام إلا قليل. ستؤدي إذن المعرفة بتاريخ العلم العربي إلى التخلص من كثير من الأوهام التي وقع فيها جلّ المؤرخين عند كتاباتهم عن العصر الوسيط وبداية العلم الحديث، وباختصار إلى تجديد تاريخ العلم الإنساني.”
ومن مميزات هذا الكتاب احتواءه على ثلاثة اكتشافات هامة لرشدي راشد
-
اكتشاف رشدي راشد لأعمال كاتب كبير، مهندس من الطراز الأول هو (ابن سهل)، الذي سبق ابن الهيثم بجيل واحد، وهو الحلقة المفقودة بين ابن الهيثم وسابقيه في المدرسة الانعكاسية اليونانية والعربية.
-
بحث الكتاب في موضوع ادخال مفهوم الحركة في الهندسة بغية الرسم المتصل للقطوع وبناء النظرية الرياضية ذات الصلة، وتصنيف المنحنيات بدليل أنواع وعدد الحركات المستخدمة لرسمها. لقد بين رشدي راشد بشكل قاطع وبالعودة إلى النصوص اليونانية، لغة ومضموناً، عدم وجود أي علاقة بين البركار التام الذي ابتكره القوهي لإنشاء الخطوط القياسية ووضع نظريته، وبين ما تصوره أو وصفه سابقوه. وهذا اكتشاف آخر.
-
لقد ربط ابتكار القوهي البركار التام لإنشاء الخطوط القياسية بين التقنية والنظرية ربطاً وثيقاً اتضح فيه مفهوم العلم النافع الذي أخذ به العلماء المسلمون، وهو مفهوم أساسي في الثقافة الإسلامية.
-
أما الخاصية الثالثة للكتاب فهي الدراسة الهندسية للإسقاطات. إنها دراسة التحولات الهندسية أولاً ودراسة الإسقاطات على وجه الخصوص ثانياً. أو إنها، إذا شئنا استعمال اللغة الحديثة، دراسة الزمر بصورة عامة ودراسة المقادير المنحفظة فيها أولاً، ثم دراسة زمرة الإسقاطات والقسمة التوافقية المنحفظة فيها ثانياً. يتعلق الأمر هنا بنشوء فرع جديد آخر في الهندسة، لا ينتمي إلى الهيلينية، ندين به إلى القوهي وابن سهل وغيرهما.
يقول رشدي راشد:” إنها المرة الأولى التي يظهر فيها مفهوم تعبير الإسقاطات المخروطية من رأس واقع على المحور أو غير واقع عليه”. كما إنها المرة الأولى التي تنشأ فيها نظرية في الهندسة الإسقاطية الموضعية للكرة على سطح دوراني أو غير دوراني يمكن فيها تحويل كل ما في الكرة إلى السطح. لقد أوضحت دراسة رشدي راشد للإسقاطات، كما أوضحت أبحاثه الأخرى التي بين فيها كيف انضم الجبريون إلى المهندسين في مسائل الإنشاء الهندسي وترجمتها إلى معادلات تكعيبية تجد حلولها بتقاطع المخروطات وكيف نشأت الهندسة الجبرية على يد عمر الخيام وتطورت على يد شرف الدين الطوسي، لقد أوضح هذا كله بطلان النظرية الشمولية للهندسة والشائعة مع الأسف، التي ترى في أعمال المهندسين امتداداً للهندسة الإغريقية.
إن ما يسمح لرشدي راشد إطلاق أحكامه، التي تكاد لا تجد من يعترض عليها، هو أولاً وقبل كل شيء، هذه المعرفة العميقة والواسعة بتاريخ العلم وبفلسفته، معرفة الكتابات الإغريقية والإسهام في كشفها وتحقيقها وشرحها، كما فعل في كتابه عن الانعكاسيين الإغريق والمرايا المحرقة أو في كتابه عن ديوفانتوس (الاسكندراني)، أو ترجمتها والتعليق عليها كما هو الحال في كتاب المخروطات لأبلونيوس الذي نشره في خمسة أجزاء بين عامي 2007 و 2010 . وفي كتاب أبولونيوس ( قطع الخطوط على النسب) في العام 2009. ثم في كناب ( دراسات في تاريخ التحليل الديوفنتي الكلاسيكي من أبي كامل إلى فيرما، و كذلك مجموعة مقالات ديوفنتس العددية: قراءة تاريخية و رياضية، و ذلك بالتعاون مع كريستيان هوزيل عام 2013 .
هذا، ثم معرفته بأعلام مؤرخي العلوم في الغرب والمفهرسين العرب، وأخيراً جريه الذي لا يكل وراء المخطوطات العربية متجشماً عناء السفر عبر القارات لكشفها وتحقيقها وترجمتها ونشرها (للمرة الأولى في الكتاب الذي بين أيدينا أو في كتبه الأخرى) ووضعها في مكانها الملائم كإحدى لبنات صرح الكشف العلمي. إن معرفته بالرياضيات الحديثة، كما تدرس في مختلف المراحل الجامعية، وباتجاهات البحث فيها هي التي تتيح له اختيار المكان الملائم للبنة، النظر إلى “الرياضيات الأولية (القديمة) من وجهة نظر عليا” حسب تعبير فيلكس كلاين.
فهو لا يكتفي انطلاقاً من هذه المعرفة بإظهار دوافع عمل الرياضي ومقاصده -بدراسة الوسط العلمي الذي عاش فيه أو باللجوء إلى نموذج تقدمه رياضيات أخرى ، والكشف عما أتى به من جديد في أبحاثه، وإنما يخضع هذا العمل إلى نظرياتنا ومفاهيمنا الحالية ليستشف منه ما استشعره المؤلف دون أن يستطيع برهانه، وما غاب عن أنظاره رغم تمكنه من الوسائل التي كانت ستتيح له اكتشافه لو استعملت، وليحدد ما سيأخذه الخلف عنه. إن المعرفة الديناميكية للرياضيات هي التي تتيح للمؤرخ تقييم عمل الرياضي بالقوة وليس بالفعل كما يقول الفلاسفة. كل هذا دون أن يحمّل النص أكثر مما يحتمل كما يفعل البعض عندما يبلغ بهم الإعجاب المدى.
الكتاب يوجد في موقعنا على هذا الرابط: https://arsco.org/e-books/ebook-detail-1166/
البريد الإلكتروني للكاتب: mmr@arsco.org
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة