مجلة أجسر – مجلة عربية محكمة في مجال العلوم – زورو موقعنا

الذاكرة العصبية والمناعية

الكاتب

الكاتب : أ. د. محمد لبيب سالم

أستاذ المناعة كلية العلوم - جامعة طنطا

الوقت

03:49 مساءً

تاريخ النشر

04, مارس 2015

ومع أن الجنين خُلِق مناصفة من جينات الأب والأم ، إلا أنه يولد بجينات "فابريكا" لا تحمل أي ذكريات حتي يصنع ماضيه بنفسه ، فالماضي لا يورث فما هو إلا بصمة أعمالنا في الحياة أعشق الجهاز المناعي وأهيم حبا في الخلابا المناعية لأني أري في هذه الخلايا صفات فوقية تميزها عن باقي الخلايا بالجسد. فيكفي أن الخلايا المناعية دوارة متحركة تطوف الجسد بطوله وعرضه من الرأس حتي إخمص القدم باحثة عن كل مايقلق سلامة الجسد ويهدده من أعداء فتقضي عليه بمهارة ومهنية عالية دون أن تصيب الجسد بأي أضرار أثناء هذه المعارك. ليس هذا فحسب ولكن لهذه الخلايا قدرة علي تذكر أي جسم غريب تعرفت عليه من شهور أو سنين.

ومن شدة هذا العشق والهيام أطلقت علي الجهاز المناعي "الجهاز السوبر" مقارنة بالأجهزة الأخري بالجسم بما فيها الجهاز العصبي وذلك لقدرة الخلايا المناعية علي الإنتقال والعراك والتذكر. وحتي أكون محايدا وعادلا ،  الجهاز العصبي أيضا يستحق أن نطلق عليه جهاز سوبر خاصة أن الخلايا العصبية لها قدرة كبيرة ليس فقط علي نقل الإشارات العصبية وترجمتها إلي ضحكات وآلام وصور وكلمات ولكن لأن أيضا البعض منها له القدرة علي تذكر الآلاف من الذكريات السعيدة منها والحزبنة وبطريقة لا سلكية. والقدرة علي إسترجاع الذكريات بصورها وكلماتها ولغتها هي من إبداعات الجهاز العصبي والقدرة علي تذكر الأعداء والتعامل معهم بقوة هي من أهم إبداعات الجهاز المناعي. ولذلك سوف يدور هذا المقال علي هذه الخاصية الإبداعية لكلا الحهازين ولكن بطرقة مقارنه.

الذاكرة هي إحدى قدرات الدماغ التي تُمكِّنه من تخزين المعلومات واسترجاعها. وتدرس الذاكرة في حقول علم النفس الإدراكي وعلم الأعصاب. وهناك عدة تصنيفات للذاكرة بناء على مدتها، طبيعتها واسترجاعها للحالات الشعورية. والذاكرة من الممكن تقسيمها إلي الذاكرة القصيرة جدا ، الذاكرة القصيرة ، الذاكرة الطويلة. وتستطيع الخلايا العصبية بالمخ بتذكر الماضي القريب والبعيد وان كانت لا تستطيع التذكر الأحداث في السن الصغيرة حتي ٢-٣ سنوات. وهذا التذكر خاص يالأحداث جميعا أيا كانت نوعها جسدية أو نفسية ولكن المخ يضع هذه الأحداث (الذكريات) علي هيئة شريط سينيمائي تسجيلي لا يعود بالأحداث ولكن يشعر بها تماما كما في الخيال العلمي. ولكن الشعور بالذكريات وبدون شك له تأثير إيجابي علي الانفعالات الحاضرة لصاحب هذه الذكريات.  ولكن هل حقا الخلايا العصبية هي الوحيدة بالجسد القادرة علي التذكر. قد يظن الكثير منا أنها بالفعل الوحيدة. ولكن بالطبع لا ، فهناك خلايا أخري تستطيع تذكر أحداث الماضي بقدرة هائلة وهي الخلايا المناعية. فقد نسمي التذكر الذي يحدث في الجهاز العصبي التذكر العصبي والآخر الذي يحدث بالجهاز المناعي بالتذكر المناعي. فإذا كان الأمر كذلك فما هي أوجه التشابه والإختلاف بين هذين النوعين من التذكر. وفيما يستخد كل منهما. 

في الواقع هناك بعض أوجه التشابه بين التذكر العصبي المنوط به تذكر الأحداث في صورها المرئية والسمعية بوقع نفسي والتذكر المناعي المنوط به تذكر الأجسام الغريبة المؤذية للجسم بوقع مادي. فكما أن هناك نوع محدد من الخلايا العصبية الذي يمتلك خاصية التذكر ، كذلك التذكر في الجهاز المناعي محصور علي نوع محدد من الخلايا المناعية يسمي بالخلايا الليمفاوية بنوعيها التائية والبائية. كذلك فإن التذكر العصبي والمناعي لا يورث فالجنين يتلقي نصف جيناته من الحيوان المنوي من الآب والنصف الآخر من البويضة من الأم وذلك بعد خلطهما سويا بالخلاط الجيني الذي نسميه التبادل الجيني والذي يتم فيه تبادل جينات بين الكروموسومات ليعطي الجنين صفات مختلفة عن الأب والأم. ولأن جينات الجنين تأتي من الحيوان المنوي والبويضة وليس من المخ أو الجهاز المناعي ، تكون خلايا الجنين بلا ماضي مكود في جيناتها بل يبدأ حياته بنسخة جينية جديدة "فابريكا".  

وقبل أن نتعرض للإختلافات بين الذاكرة العصبية والمناعية، دعونا نعرض أولا آلية حدوثهما.

آلية الذاكرة العصبية

اتضح أن المخ يعمل أثناء النوم بنشاط. ففي خلال النهار يقوم المخ بحفظ المعلومات في مخزن مؤقت، ثم يبدأ في تفصيلها وتجهيزها أثناء النوم لإيداعها في الذاكرة الطويلة. وفي الذاكرة الطويلة تنسّق المعلومات وتُربط مع معلومات أخرى سابقة. ويفرغ المخزن المؤقت معلوماته ويستطيع بذلك تخزين معلومات جديدة أثناء الصحيان عبارة عن معلومات وتأثيرات تتوالى عليه بسرعة كبيرة. ثم تأتي عملية تنسيق المعلومات والانطباعات في الذاكرة الطويلة التي يقوم بها المخ أثناء النوم تكون أحسن ما يمكن أثناء النوم العميق.  والمهم في ذلك أن تكون المعلومات فد انتقلت من الذاكرة المؤقتة القصيرة إلى الذاكرة الطويلة، إذ أن كل الانطباعات والمعلومات تخزن أولا في الذاكرة القصيرة المؤقتة حيث ينشط تبادل إشارات كهربية بين نحو 100 مليار من الخلايا العصبية. وينشط كل انطباع مجموعة معينة من النيرونات. إلا أن الذاكرة القصيرة لها سعة محدودة على الاحتفاظ بالمعلومات بحيث تأخذ معلومات جديدة مكان معلومات قبلها مثل السبورة التي تكتب وتمسح ثم تُكتب من جديد. ويصل جزء قليل من تلك المعلومات والانطباعات إلى الذاكرة الطويلة، بينما يضيع الجزء الآخر ويُنسى. ولذلك هناك نوعين من النسيان: نوع تختفي معه المعلومات ونوع لا تكون المعلومات قد اختفت كلية وإنما يصعب التوصل إليها بسبب تراكم معلومات جديدة عليها.

تخزن المعلومات والانطباعات فعلا في الذاكرة الطويلة وتترك أثرا ماديا في خلايا الدماغ. تنشأ ارتباطات جديدة بين الخلايا العصبية، وتزداد عدد الارتباطات في شبكة النويرونات. ويحتاج الدماغ نحو 48 ساعة لتخزين معلومات في الذاكرة الطويلة، ويتم جزءا كبيرا من ذلك النشاط أثناء النوم. فقد ثبت بالبحث العلمي وجود  مراكز متعددة في الدماغ لتخزين إشارات السمع والبصر والحواس الأخرى مثل حاسة التذوق. ويقوم هرمون معين يسمى "دوبامين" بدور رئيسي في عملية التخزين. وهو مادة ناقلة في الدماغ ويسمى أحيانا "هرمون السعادة" يفرز بغزارة لتشجيعنا على حل المسائل والمداومة على تعلم الجديد. ويعطينا شعورا بالرضاء عند تغلبنا على مسألة عويصة. ويقوم الدوبامين بنقل المعلومات بين الخلايا العصبية ويحفز النشاط العقلي. وتحت تأثير هذا الهرمون تصل المعلومات من الذاكرة القصيرة إلي الذاكرة الطويلة وتخزن فيها بسهولة. 

آلية الذاكرة المناعية

تجوب الخلايا المناعية الدم  و الأنسجة المناعية الأساسية وهي الطحال والعقد الليمفاوية ونخاع العظم وكذلك الأنسجة الغير مناعية ليلا و نهارا بحثا عن أي ميكروب رأته لأول مرة. فإذا تصادف وشعرت بوجود جسم غريب مُقَدَم علي سطح خلية مناعية أخري وظيفتها الأساسية الإمساك بالجسم الغريب والقبض عليه وتقديمه إلي الخلية المناعية القادرة علي التعامل معه بمهنية عالية، تتوقف الخليه المناعية علي الفور وتمد مستقبلاتها (زوائدها) المنتشرة علي سطحها لتلامس الجسم الغريب الموجود علي الخلية الأخري ثم تمد زائدة أخري علي اليمين وأخري علي الشمال لتكون مثلث الرعب الذي يحيط بالجسم الغريب تماما.  

حينئذ تسحب الخلية المناعية نفسها بعد أن حصلت علي المعلومات عن هذا الجسم الغريب ثم تبدأ في البحث عنه علي أي خلية بالجسد قد تكون أصيبت بهذا الجسم الغريب. حينئذ تبدأ الخلية المناعية علي الفور وفي خلال دقائق من إفراز مواد كاوبة تحقنها في الخلية المصابة والحاملة للجسم الغريب بدقة تصويب عالية. وبعد هذه المعركة تموت معظم الخلايا المناعية ويبقي عدد قليل منه قادر علي تذكر هذا الجسم الغريب. وإذا تصادف وأن رأت نفس هذا الجسم الغريب مرة أخري ولو بعد عشرات السنين تتذكره و تبدأ علي الفور في التعامل معه والقضاء عليه.  ولا تستغرق هذه المراحل سوي ساعات إلي 48 ساعة وذلك عكس الفترة الطويلة التي قد تمتد لأسبوعين إذا كانت تري هذا الجسم الغريب أول مرة.

هل هناك فرق بين الذاكرة المناعية والعصبية

هناك العديد من الإختلافات بين خاصية التذكر العصبي والمناعي ممكن تلخيص معظمها في العشر إختلافات الآتية.

  • لإختلاف الأول: ماتتذكره الخلايا المناعية ليس نفسيا بل ماديا حيث أنها تستطيع التعرف علي أي جسم غريب رأته وتعاملت معه من قبل سواء بأسابيع أو شهور أو سنين. فمع أن الخلايا المناعية تستطيع أن تتعامل مع المؤثرات النفسية عن طريق التفاعل مع الهرمونات المتحكمة في هذه المؤثرات وذلك من خلال إمتلاكها لمستقبلات علي سطحها ترتبط بهذه الهرمونات ، إلا أنها لا تتذكر المؤثرات النفسية مرة أخري ببساطة لأن المؤثر ليس بشئ مادي محسوس. وبالطبع العكس تماما مع حالة التذكر التي تتمتع بها الخلايا العصبية حيث تتذكر الأحداث بطريقة معنوبة وليست مادية.
     
  • الإختلاف الثاني: ذاكرة الخلايا المناعية موقوته بمعني أنها لا تتذكر إلا إذا رأت الجسم الغريب نفسه رؤي العين ولذلك أطلقنا عليه تذكر مادي وليس معنوي. أما تذكر الخلايا العصبية فهو غير موقوت فقد يحدث في أي وقت يطلبه الشخص فتستجيب الخلايا العصبية فورا وتعرض شريط الأحداث بدقة بقدر المستطاع إلا في حالة الإصابة ببعض الأمراض مثل ألزهايمر.
     
  • الإختلاف الثالث: تذكر الخلايا العصبية يزداد بعد سن الطفولة وذلك لأن الخلايا العصبية الجديدة التي تنموا في مرحلة الطفولة لا تحتفظ بالأحداث لفترة طويلة علاوة علي أنها عند تكونها لا تحتوي إلا علي الأحدلث التي تعرضت لها. ومع توقف نمو الخلايا العصبية الجديدة بعد الولادة بسنة أو سنتين تستقر الذاكرة للإنسان وتزداد وتكون تحت الطلب أينما سألت. وقد يفسر ذلك حالة النسيان التي تنتاب المرضي الذين يتعاطون أدوية مضادة للإكتئاب مثل بروزيك والذي يعمل علي نمو خلايا عصبية جدييدة عند الكبار.
     
  • الإختلاف الرابع: التذكر عند الخلايا العصبية أوتوماتيكي ولا يحتاج إلي تفاعل هذه الخلابا مع أي عوامل خارجية بل هي مبرمجة علي التذكر أينما طلب كخاصية ذاتية كامنة فيها وإن كانت كيفية قيام الخلايا العصبية بالإحتفاظ بشريط الذكريات هذا غير واضح. ولكن هذا لا ينفي بالطبع مايتبع من تغيرات جسدية نتيجة حالة التذكر من حيث نوع الحدث سعيدا أم حزينا وطول الحدث وترابطه وإرتباطه بأحداث أخر سواء متزمامنا في الفترة الزمنية نفسها أو في فترة سابقة أو لاحقة لهذا الحدث. ومع أن تذكر الخلايا المناعية أتوماتيكي إلا أن شرط حدوثه يتطلب تفاعل الخلايا المناعية مع جسم غريب محمولا بخلايا مناعية أخري. كما أن قدرة  الخلايا المناعية علي التذكر متخصصة جدا بمعني أن كل خلية مناعية متخصصة في التعامل مع نوع واحد من الأجسام الغريبة وبالتالي لا تتذكر إلا نفس الجسم عند رؤيته مرة أخري ولا تتعامل ولا تتذكر أجي جسم غريب آخر قد يتزامن وجوده.
     
  • الإختلاف الخامس: التذكر لدي الخلايا العصبية لا سلكي فهو يحدث إستجابة لمؤثرات نفسية قد تأتي عن عمد أو غير عمد بحيث نستطيع أن نقسم التذكر العصبي مجازا إلي تذكر إيجابي وأخر سلبي. والإيجابي يحدث عندا يحتاج أي منا تحت ظرف ما الرجوع إلي الماضي وعادة ما يحدث ذلك عند الحاجة إلي معلومات معينة نريد إستخدامها الآن سواء لنا أو لغيرنا. كما أنه قد يحدث عند التعرض لموقف نفسي معين في الحاضر فيحتاج الإنسان إلي ربط ما يحدث بأحداث الماضي كنوع من الفكر الإستقرائي أو قد يكون لمجرد الإرتياح النفسي. أما التذكر السلبي فقد يأتي دون الحاجة إليه بمعني أن يحدث عرضيا وليس عمدا كما في الإيجابي. وعادة ما يحدث التذكر السلبي أثناء التحدث مع الآخر وتحوله إلي أحداث بالماضي فيستجيب المستمع تلقائيا إلي الحال القائم ويتفاعل بالمثل خاصة إذا كانت هناك أحداث مشتركة بين المستمع والآخر. أما التذكر لدي الخلايا المناعية فهو إيجابي دائما حيث أنه لا يحدث علي الإطلاق إلا إذا وجد السبب ، فهي علاقة سببية علي طول الخط. 
     
  • الإختلاف السادس: التذكر عند الخلايا المناعية ممكن حثة وإستحداثه أو بمعني آخر دفع الخلايا المناعية للتعرف علي أجسام غريبة محددة لتذكرها فيما بعد. وقد أشبه هذا التذكر بالآمر بمعني إعطاء أوامر للخلايا أن تتذكر جسم ما وذلك بدفعها للتعرض إليه مسبقا. وهذا ما يحدث تماما أثناء التطعيم  المناعي للأطفال ضد البكتيريا والفيروسات حيث يتم حقنهم بالأجسام الميتة أو المستضعفة لهذه الميكروبات عنوة لتتفاعل معها وذلك بغرض تذكرها فيما بعد إذا حدثت عدوي ميكروبية من نفس النوع. أما التذكر لدي الخلايا العصبية فيحدث طبيعيا ولا يحث. وان كان هناك بعض النظريات التي تتبني فكرة وضع الشخص في ظروف معينة لا يتوقعها وأحيانا لا يرغب فيها فقط لجعله قادرا علي التعامل مستقبلا مع نفس الحالة وتذكر أحداثها ، النظرية التي تشبه التطعيم المناعي ضد الميكروبات لدي الأطفال.
     
  • الإختلاف السابع: التذكر المناعي يحدث بعد الإنتقاء الطبيعي وذلك حيث أن حوالي ٩٥٪ من الخلايا المناعية تموت بعد تعرفها علي الجسم الغريب والتعامل معه والتخلص منه والباقي يعيش طوال العمر ويبقي دوارا في الجسد حتي إذا تصادف ووجد نفس الجسم الغريب هنا أو هناك تذكره علي الفور وتعامل معه. أما التذكر العصبي فلا تنطبق عليه نظرية الإنتقاء الطبيعي هذه لأن الخلايا العصبية بالمخ القادرة علي التذكر تبقي جميعا طوال العمر بلا تغيير (إلا إذا حدث خلل مرضي). ولذلك فتذكرها للأحداث تراكمي حيث أنها تخزن الأحداث مرة بعد الأخري بداخلها عكس التذكر الفردي في الخلايا المناعية حيث تتذكر كل خليه نوعا واحدا فقط من الأحداث.   
     
  • الإختلاف الثامن: التذكر العصبي لا يصاحبه تأقيرات مادية مباشرة كما في التذكر المناعي والذي يصاحبه عراك وقتال وموت الخلايا المصابة بعد حالة من الهياج المناعي الذي قد يصاحب بإرتفاع في درجة حرارة الجسم وحدوث تقرحات. وبالطبع هذا لا ؤمنع أن التذكر العصبي يؤثر بطريقة غير مباشرة علي وظائف الخلايا بالجسم.
     
  • الإختلاف التاسع: آلية إستقبال المؤثرات التي تدعوا للذاكرة تختلف في التذكر المناعي عن العصبي من حيث نوعية المستقبلات والفترة ونوعية النواتج.  ففي حالة التذكر المناعي الأمر يبدأ وينتهي بطريقة آلية حيث تجوب الخلايا المناعية الجسم ليلا و نهارا بحثا عن أي ميكروب. فإذا كانت قد رأته من قبل تبدأ الخلية علي الفور وفي خلال دقائق بالتعرف عليه والإشتراك معه والقضاء عليه. وتستغرق هذه المراحل فترة لاتزيد عن ٤٨ ساعة. ولذلك فالتذكر المناعي للجسم الغريب يتطلب مايشبه تلامس الأكتاف مع الجسم الغريب ويؤدي إلي تنشيط الخلية وسرعة أدائها في قتل العدو. أما في حالة التذكر العصبي فالوضع مختلف لأنه لا يحتاج إلي تلامس أكتاف ولكن تلامس أفكار بطريقة لا سلكية ولا يستغرق إلا ثوان ومنتجاته غير قاتلة فهي مجرد صور وأصوات لا نراها إلا بداخل عقلنا دون أن تشاهدها العين أو تسمعها الأذن ولكن يشعر بها القلب وينفعل بها ولها ويتعايش معها العقل. اذا التذكر العصبي لا يتطلب إلا  سوي مصطلح افتح يا سمسم (تذكر يا سمسم) فهو لاسلكي. والطرق اللاسلكية لاستقبال المؤثرات التي قد تكون كلمات مقروءة او مسموعة أو بالاشارة. 
     
  • الإختلاف العاشر: القدرة علي التذكر المناعي ممكن نقلها من شخص لآخر بشرط نقل الخلايا نفسها أو أحد منتجاتها من الشخص الذي تعرض للجسم الغريب إلي شخص آخر ولو لم يكن قد تعرض لهذا الجسم. أما التذكر العصبي فلا يمكن نقل مكوناته علي الإطلاق ولكن من الممكن أن يؤدي إلي حث الآخر علي تذكر أحداث متشابه قد تزامن حدوثها في حياة شخص أخر.

 

الخلاصة

تكمن روعة الجهاز العصبي في قدرته علي الإحساس والشعور اللحظي التلقائي ليجعلنا ندرك البيئة الداخلية بداخلنا و بـالبيئة الخارجية ليستقبلها وينقلها الي البيئة الداخلية وتخزينها علي هيئة طبقات من الذكريات بأبعادها الثلاث أو الأربع أو الخمس أو ما لا لم ندركه بعد من أبعاد  لتعمل النفس وتتفاعل بإبداع في الحاضر مع قدرة استدعاء الماضي بذكرياته والتخطيط والتنبؤ بالمستقبل القريب والبعيد. وتكمن روعة الجهاز المناعي في قدرتة الهائلة علي التعرف وادراك الأجسام الغريبة ببيئتنا الداخلية والخارجية وتمييزها عن ما يتبعنا والزود عن أجسادنا بإخلاص وإصرار عجيب حتي يقضي علي العدو ويتخلص من رفاته مع قدرة غير عادية علي تذكر هذا الغريب والإنقضاض عليه بسرعة فائقة إذا رآه مرة أخري بذاكرة حديدية.    

خريطة بيولوجيا الإنسان أكثر من رائعة وزعت فيها السهول والهضاب والأنهار  والبحار توزيعا آية في الجمال والإبداع يجعل من النفس البشرية وعاءا مسقرا يفيض بذكريات تلطف وتحمي حرور صحراء الإنسان نفسيا ومعنويا بذاكرة الجهاز العصبي وماديا بذاكرة الجهاز المناعي. الأجهزة في الجسم كأجهزة الدولة في مجتمعاتنا فعلينا بفهم آلية عملها والحفاظ عليها و حمايتها من العطب لتبقي دائما رائعة كما خلقها الله.

 

البريد الإلكتروني للكاتب : cecr@unv.tanta.edu.eg

الكلمات المفتاحية

الزوار الكرام: يسعدنا مشاركتكم وتواصلكم حول هذا المقال

الكلمات المفتاحية

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

license
0 التعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
guest

شبكاتنا الاجتماعية

  • facebok
  • twitter
  • Instagram
  • Telegram
  • Youtube
  • Sound Cloud

يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

icons
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x