موجات الجاذبية هي اضطرابات في نسيج الزمكان. فأنت إذا قمت بسحب يدك من خلال تجمع من الماء الساكن، ستلاحظ أن موجات تتبع في طريقها، وتنتشر إلى الخارج من خلال التجمع. ووفقا للنسبية العامة، الشيء نفسه يحدث عندما تتحرك الاجسام الثقيلة خلال الزمكان.
ولكن كيف يمكن تموج الفضاء؟
وفقاً للنسبية العامة الزمكان ليس فراغا، وإنما هي "نسيج" رباعي الأبعاد التي يمكن دفعها أو سحبها كأجسام تتحرك من خلال ذلك. هذه التشوهات هي السبب الحقيقي لقوة الجاذبية. طريقة واحدة شهيرة لتصور ذلك هي أن تأخذ ورقة المطاط مشدود ووضع جسم ثقيل عليه. وهذا الجسم تتسبب في جعل الورقة تنحني حوله. إذا قمت بوضع جسم أصغر بالقرب من الجسم الأول، فانه سيسقط نحو الجسم الأكبر. تمارس النجوم الجذب للكواكب والأجرام السماوية الأخرى بنفس الطريقة. في حين أن ورقة المطاط هو ليس تمثيل دقيق للكيفية عمل الزمكان، فإنه يدل على أن ما نفكر فيه شيئا فراغا يمكن تصور باعتباره مادة حيوية. أي تسريع لكتلة تصنع تموجات في هذه المادة. لكنها تموجات صغيرة سوف تتلاشى بسرعة نسبياً. فقط الاجسام الهائلة بشكل كبير من النجوم النيوترونية أو السوداء الثقوب سوف تصنع موجات الجاذبية التي لا تزال منتشرة على طول المسافة إلى الأرض. قبل نحو 100 سنة آينشتاين نشر النظرية العامة في النسبية، التي قدمت مجموعة من التنبؤات التي هزت أسس فهمنا للكون ومكاننا فيه. وتشمل هذه التنبؤات انحناء الضوء ووجود الثقوب السوداء التي لا يمكن للضوء أن يهرب منها وكذلك الإطار بأكمله لفهمنا الحديث في علم الكونيات. تنبؤات آينشتاين اثبتت أنها كلها صحيحة، واليوم التنبؤ النهائي تم الكشف عنه مباشرة، إن موجات الجاذبية، أصغر تموجات عبر الفضاء تشع الطاقة من قبل اثنين من الأجرام السماوية واسعة النطاق التي تدوران حول بعضها البعض.
التطور الزمني لأمواج الجاذبية من اينشتاين حتى ليجو
منذ 100 عام تقريباً، في فبراير 1916م، و ذكر آينشتاين لأول مرة موجات الجاذبية بشكل مكتوب. ومن المفارقات أنه كان يقول أنه يعتقد أنها غير موجودة ! في غضون بضعة أشهر غير رأيه وبحلول عام 1918 كان قد نشر أساس نظريتنا الحديثة للموجات الجاذبية the basis of our modern theory of gravitational waves، وكانت كافية لوصف موجات الجاذبية، عندما تمر بالأرض. لكن حساباته لا تنطبق على أنظمة جذبية قوية مثل ثقب أسود ثنائي. لكن في عام 1936 آينشتاين عاد للمشكلة، في نهاية المطاف نشر واحد من أقرب الحلول الدقيقة التي تصف موجات الجاذبية. و في الخمسينيات، أعرب عن شكوك حول ما إذا موجات الجاذبية يمكن أن تحمل الطاقة وعما إذا كانت نظام النجوم الثنائية يمكن أن تولدها. وفي عام 1974م, الفلكيان راسيل هالس وجوزف تايلور اكتشاف البولسار الثنائي binary pulsar, وهو زوج من نجمين ميتين يبعثان نبضات من الموجات الراديوية. هالس وجوزف تايلور أدركا أن زوجي البولسار يفقدان الطاقة ويدوران بشكل لولبي شيئا فشيئا باتجاه كل منهما الاخر بطريقة متسقة مع معادلات آينشتاين بالضبط في نظرية النسبية العامة: الطاقة المفقودة يعتقد انها قد بُعثت كموجات جاذبية. هذا الاكتشاف أكسب العالمين جائزة نوبل للفيزياء عام 1993م. واستمر البحث عن هذه الموجات وفي عام 2014م أعلن الباحثون في تلسكوب BICEP2 أنهم رصدوا إشارات موجات جاذبية بدائية، التموجات لم تُخلق من الاصطدامات المعاصرة لثقب أسود ولكن من الانفجار العظيم نفسه، لكن الفريق بعد ذلك تراجع عن هذه الادعاءات, بعدما تبين ان تلك الاشارات كانت آثار الغبار المجري.
تجربة ليجو ونتائجها
الذي قام بالتجربة هو مرصد موجات الجاذبية بمقياس التداخل الليزريGravitational-Wave laser Interferometer الذي يختصر بـ LIGO ليجو. وهناك اثنان من الكواشف ليجو بينهما 3000 كم ؛ واحد في ليفنستون Livingston بلويزيانا و الآخر في هانفورد واشنطن. استخدم الليزر للالتقاط التغيرات الصغيرة في الزمكان الذى قد يكون ناجما عن موجة جاذبية عابرة فيه الجاذبية، هذه الموجات كانت من الضآلة بمكان، لكن ذراع كاشف ليجو الذي على شكل حرف L كان قادر على التقاط هذه التغيرات في نسيج الزمكان التي تسببه الموجات حتى 2 من البليون من المليار من المتر، أي نحو 400 مرة أصغر من نصف قطر البروتون. ولالتقاط مثل هذا التغيير صغيرة، يجب على LIGO أن يقوم تصفية جميع المصادر الأخرى للضوضاء، بما في ذلك الزلازل وحركة المرور في مكان قريب. وكانت الاشارات التي التقطت أعلن عنها يوم 11 فبراير الماضي هي الاشارة التاريخية من زوج من الثقوب السوداء على بعد حوالى 1.3 مليار سنة ضوئية واحدة بحجم 29 مرة كالشمس والثاني بحجم 36 مرة, يدوران كل منهما الأخر كل الاشياء تشع موجات الجاذبية عندما تدور حول بعضهم البعض، بما في ذلك الأرض تدور حول الشمس. ولكن هذين الثقبين الأسودين الذين دار حو بعضهما البعض, الطاقة التي فقداها كموجات الجاذبية يكفى لجعلها أقرب معاً مما أدى إلى تشويه – الزمكان أكثر ويبعثان موجات الجاذبية بشكل أكبر. و عندما يقتربان من بعضهما البعض تصبح سرعة دورانهما كبيرة، وعند النهاية اندمجا في ثقب أسود واحد بكتلة 62 مرة كالشمس – أي ثلاث كتل شمسية اخف من كتلة الثقبين الاصلية مجتمعة. تلك الكتلة المفقودة ذهبت لخلق موجات الجاذبية التي ترعش الزمكان مثل الصفحة.
إن إجمالي انتاج الطاقة موجات الجاذبية خلال الاصطدام 50 أضعاف كل الطاقة التي في كل نجوم الكون إذا وضعتها معا، إنه أمر لا يصدق. بترجمة تواتر موجات الجاذبية الى موجات صوتية، يمكنك الاستماع بالفعل الاشارة. لنتذكر أن أعمال آينشتاين الأولى في سنة 1917م ساعدت بشكل غير مباشر في صنع الليزر بعد ذلك (تم تصنيعه سنة1960م- أي بعد وفاة آينشتاين بخمس سنوات).
ما هي الفائدة من العثور على موجات الجاذبية؟
فضلاً عن وضع نظرية أينشتاين للاختبار، فالملاحظة الاولية المؤكدة لموجات الجاذبية تؤشر لبداية نوع جديد من علم الفلك. كما نستخدم عدة أطوال موجية كهرومغناطيسية مثل الضوء المرئي والاشعة تحت الحمراء لدراسة الكون، فإن موجات الجاذبية ستعمل عن عين جديد الكون يمكن أن تعطينا رؤية أوضح لأشياء مثل الثقوب السوداء والنجوم النيوترونية. وبذلك تساعد موجات الجاذبية علماء الفيزياء على فهم القوانين الأساسية للكون التي هي في الواقع، جزء هام من نظرية النسبية العامة لآينشتاين، مما قد يؤدي إلى أكثر دقة، نموذج أكثر شمولا للجميع، وربما تشير إلى الطريق نحو نظرية كل شيء. وقد يتم الكشف عن موجات جاذبية قادمة من الأوتار الكونية، التي تمثل عيوب افتراضية في انحناء الزمكان. كما سيتم استخدامها لدراسة ما يجعل بعض النجوم الضخمة تنفجر كالنجوم المستعرة supernovae، ومدى سرعة الكون الآخذ في التوسع.
التجربة تمكن الباحثين كذلك من مراجعة تنبؤ رئيسي في النسبية العامة وهو أن موجات الجاذبية تسافر بسرعة الضوء وأن حاملات قوتها غير معروف حاليا والتي يطلق عليها اسم الجرافيتونات Gravitions تكون بدون كتلة massless. فإذا كانت لا تمتلك كتلة فهذا قد يفسر تسارع توسع الكون دون اللجوء الى مفهوم "الطاقة المظلمةDark Energy ". بيد أن بياناتLIGO لم تقدم دليل على أن موجات الجاذبية تبعثرت بشكل شاذ، هذا كان سيحدث لو أن الجاذبية لها بعض الكتل الصغيرة؛ فقد أظهرت بيانات تجربة ليجو أن موجات الجاذبية تسافر بسرعة الضوء والجاذبية لا يوجد لديه كتلة، كما تنبأت به النسبية العامة.
فوائد أخرى
يمكن استخدام موجات الجاذبية لتوفير التحقيق المباشر من الكون في وقت مبكر جدا. وعلى مسافة أبعد نظرنا، وأبعد من ذلك في الوقت يمكننا أن نرى. ولكن هناك حدود لمدى ما يعود يمكننا أن نرى، عندما كان الكون في البداية البلازما مبهمة، وظل كذلك حتى وقت متأخر من 300000 سنة بعد الانفجار الكبير. ولكن هذه البلازما ليست عائقا أمام موجات الجاذبية، والتي تمتصها أي مادة فاصلة، ولكن يأتي إلينا مباشرة. وموجات الجاذبية المتوقعة يمكن أن تنتج بواسطة عدد من الآليات المختلفة في بدايات الكون. على سبيل المثال، فإن نظرية التضخم الكوني cosmic inflation، التي تقترح فترة لحظات التوسع المتسارع بعد الانفجار الكبير، يستمر بالتنبؤ ليس فقط خلق كل التركيب الذي نراه في الكون، ولكن أيضا تشكيلة واسعة من موجات الجاذبية البدائية primordial. ومن هذه الموجات الجاذبية البدائية التي يعتقد أن تجربة BICEP2 رصدتها مارس 2014م. قاست BICEP2 نمط الاستقطاب للخلفية الكونية من الموجات الميكروية، وابلغت عن اكتشاف قوي لأثر موجات الجاذبية البدائية. لكن هذه النتائج تبيّن في الواقع أن يكون تلوث بالغبار المجري galactic dust، وليست موجات الجاذبية البدائية.
ولكن هناك كل ما يدعو للاعتقاد بأن تجارب في المستقبل قد تكون قادرة على كشف موجات الجاذبية البدائية هذه، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وبذلك تزودنا بوسيلة جديدة ومتكاملة لفهم فيزياء الانفجار الكبير.
- هل انتهت كل ألغاز آينشتاين ؟
– المستقبل سيخبرنا
المصادر
بريد الكاتب الإلكتروني: abdualamri.75@gmail.com