أولاً:المقاومة الطبيعية للفيروسات: ترتبط المقاومة الطبيعية للأمراض الفيروسية بعوامل عديدة مثل: النوع، والسن، والجنس، والحالة الغذائية، والتركيب الوراثي، والجو، والعوامل البيئية، ووجود إصابات بأمراض أخرى.
- السن: حيث إن بعض الإصابات الفيروسية تكون بصورة أكثر في السن الصغير منه في السن المتقدم، وعند هذا الأخير يكون جهاز إنتاج الأجسام المضادة أكثر استجابة في اتجاه المقاومة، بالإضافة إلى أنه مع تقدم السن تزداد طرق المقاومة ضد الإصابات الفيروسية؛ تتمثل مقاومة الجسم في مرور الفيروس من مكان الدخول إلى الأنسجة الأخرى القابلة للإصابة، عن طريق وجود بروتينات تسد الطريق وتمنع مرور الفيروسات.
- التغذية: يرتبط تضاعف الفيروس بالحالة الغذائية لخلايا العائلة، حيث يزداد تركيز الفيروس مع زيادة العناصر الغذائية، فقد وجد مثلا أن الأفراد ناقصي التغذية أو الذين يعانون من سوء التغذية أقل قابلية للإصابة ببعض الفيروسات من الأفراد طبيعيّي التغذية-الشباع- مثل الإصابة بفيروس التهاب المخ، في المقابل فإن الحالة الغذائية قد لا تؤثر على الإصابة ببعض الفيروسات مثل الإصابة بفيروس الأنفلونزا، والحصبة، والجدري. وعموماً، فإن الفيروسات تتضاعف أكثر في حالة الخلايا السليمة منه في الخلايا التي تأثرت نتيجة نقص التغذية أو بعوامل أخرى.
- تأثير عوامل أخرى :قد تمنع الإصابة ببعض الفيروسات الإصابة ببعض الفيروسات الأخرى، فقد وُجِد هذا في الفيروسات التي تصيب النبات والحيوان والبكتريا؛ فمثلاً في إحدى سلالات فيروس الحمى الصفراء التي تصيب الخلايا العصبية (نيروتروبيك)، إذا أصابت الجسم فإنها تمنع تضاعف أي تحول دون الإصابة بسلالة أخرى تصيب الخلايا الأحشائية (فيسروتروبيك). وهي إصابة قاتلة وتسمى هذه الظاهرة بالتداخل (أي التداخل بين سلالات من الفيروس نفسه وكذلك الفيروسات المختلفة. وبالمثل فإن فيروس حمى الوادي المتصدع إذا أصاب القرود فإنه يحميها من الإصابة بفيروس الحمى الصفراء. وهذه الفيروسات ليست ذات قرابة سيرولوجية، وعليه فإن الأجسام المضادة المتخصصة ليس لها دخل في هذه العملية. ولتفسير هذه الظاهرة يعتقد أن عملية التداخل هذه ترجع إلى تنافس الفيروسين على المحتويات الخلوية أو الأماكن القابلة للإصابة في الخلية.
ثانياً: المناعة المكتسبة النشطة ضد الفيروس:
وقد تؤدي المناعة الناتجة عن التعرض للمرض الفيروسي إلى مقاومة مستمرة نسبياً، كما في حالات الحمى الصفراء والجدري. ولكن بعض الأمراض الفيروسية الأخرى مثل الأنفلونزا قد تؤدي إلى مناعة مؤقتة. لذلك اقترح العالم برننت: أنه لكي تطول مدة المناعة وتكون أكثر فاعلية يجب أن يتحقق شرطان هما:
- يجب أن ينتشر الفيروس عن طريق مجرى الدم، وبذلك يعطي فرصاً أكثر لكل الأعضاء الأخرى في الجسم المسؤولة عن إنتاج الأجسام المضادة أن تتعرض له.
- عند حدوث الإصابة الثانية Secondary infection يجب اعتراض الفيروس من قِبَل الأجسام المضادة قبل أن يصل إلى الخلايا القابلة للإصابة، أي ضرورة بقاء بعض من جزيئات الفيروس من الإصابة الأولى كي تستحث باستمرار الخلايا المناعية.
يوجد تفسير آخر يقول: إن وجود كمية باقية من الفيروس في الجسم نتيجة للإصابة الأولى هو المسؤول عن استمرار تكوين الأجسام المضادة، ومن ثم إطالة فترة المناعة. وهذا ما يعرف بالمناعة الباقية (للفيروسات الكامنة)، وقد لا يكون الفشل في رصد الفيروس داخل الجسم دليلاً على عدم وجوده.
ثالثاً: المناعة الصناعية النشطة:
لاحظ ادواود جينر (1796) أن العاملات اللائي يقُمن بحلب الأبقار المصابة بجدري البقر-فاكسينيا Vaccinia virus- لديهن حصانة أو مناعة للإصابة بجدري الإنسان Pox virus الشديد في إصابته. ولذلك استخدم سلالة خفيفة من فيروس جدري البقر (حيث إن هذا الفيروس خفيف التأثير على الإنسان ولا يسبب أعراضاً ملحوظة) لصنع لقاح لبعض الناس ضد فيروس جدري الإنسان – سلالة شديدة وتسبب مشاكل صحية كبيرة وأعراضاً خطيرة- وكانت هذه أول فكرة لإنتاج لقاح يستخدم لتحصين الناس ضد الأمراض الفيروسية.
يمكن تحقيق هذا النوع من المناعة بثلاث طرق مختلفة:
أولاً: حقن الفيروس الطبيعي الشديد (المُمرض) بشكل مخالف للإصابة الطبيعية به:
وهي من أقدم الطرق حيث كان يستخدمها الصينيون القدماء للوقاية من الجدري، بحقن الجلد بمادة البثرات المستخلصة من مريض بحالة معتدلة. ولكن هذه الطريقة خطيرة لأنها ربما تؤدي إلى ظهور حالات مميتة.
ثانياً: الحقن بفيروس حي معدل (تم إضعافه):
وتستعمل هذه الطريقة لبناء المناعة ضد فيروس مرض الكلب (السعار)، والحمى الصفراء، وحمى دنجي، وطاعون الماشية، وأمراض أخرى؛ ففي حالة مرض الكلب فإن الفيروس يتكاثر في الجهاز العصبي المركزي وفي الغدد اللعابية للكلب. وقد وجد أن عدة تمريرات للفيروس في النخاع الشوكي للأرنب تساعد على زيادة سرعة تضاعف الفيروس في المخ ولكن تقلل من قدرته على اختراق الخلايا والتضاعف في الغدد اللعابية. وبعد عدة تمريرات أخرى، وجد أن فترة الحضانة للفيروس تصبح قصيرة وثابتة، ويفقد الفيروس بعد ذلك قدرته على التضاعف في أية أنسجة أخرى غير العصبية، ويعرف هذا الفيروس المعدل بالفيروس المثبت. هذا وقد ثبت أن حقن الإنسان بالفيروس المعدل (فاقد القدرة على إحداث العدوى) تحت الجلد عدة مرات (21 مرة) يعطيه درجة عالية من المناعة ضد فيروس مرض الكلب.
وفي حالة فيروس الحمى الصفراء فإن التمرير المتتابع للفيروس في مزارع الأنسجة يقلل بدرجة ملحوظة من قدرة الفيروس على إحداث المرض، وبهذا يمكن استخدام هذا الفيروس المعدل في بناء مناعة طويلة المفعول عند الإنسان. خلال سبتمبر 2014 تم انتاج لقاح للوقاية من الإصابة بفيروس إيبولا (الذي أحدث وباء في غرب إفريقيا) ويتكون هذا اللقاح من جزء من الجين الخاص بالبروتين السطحي للفيروس، يتم ادخاله في فيروس من سلالة ضعيفة لفيروس ادينو الذي يصيب الشمبانزي (عند إصابته للانسان لايؤثر عليه) والذي يعد ناقلاً له، بحيث إذا حقن به الإنسان يحفز الخلايا المناعية على تكوين أجسام مضادة خاصة بفيروس إيبولا تقي الجسم من الإصابة به. وفي التوقيت نفسه تم إنتاج نوع آخر من اللقاح بالكيفية نفسها، ولكن يستخدم فيروساً آخر يصيب حيوانات المزارع وهو "فيسيكيولار ستوماتيتيس Vesicular Stomatitis". من عيوب هذه الطريقة (استخدام فيروس معدل حي) أن الفيروس المعدل قد ينقلب عند ظروف خاصة إلى فيروس قادر على إحداث الإصابة.
ثالثاً: الحقن بالفيروس المقتول (أو بعض مكوناته):
تتم معاملة بعض الفيروسات بالفورمالين أو الفينول أو الأشعة فوق البنفسجية أو معاملات أخرى تؤدي إلى قتل الفيروس. وبالرغم من ذلك فإن بروتينات هذه الفيروسات المقتولة -تظل محتفظة بكيانها-قادرة على إكساب الحيوانات المحقونة بها درجة عالية من المقاومة؛ حيث تحفز تكوين الأجسام المضادة بتركيز كبير. وقد استخدمت هذه الطريقة في التطعيم ضد فيروس شلل الأطفال (تطعيم سولك وهو عالم أمريكي) في عام 1957م، ثم طوّره سابين إلى جرعات تؤخذ عن طريق الفم بدلاً من الحقن. من مميزات هذه الطريقة أن الفيروس المقتول يكون غير قادر على إحداث الإصابة. ولكن من عيوبها أنها تحتاج إلى جرعات إضافية باستمرار لعدم قدرة الفيروس على التضاعف والاستمرار داخل الجسم مما يجعل التحصينات بهذا النوع من الفيروسات قصيرة المدى. ويقل تركيز الأجسام المضادة إلى المستوى غير الواقي في غضون شهور قليلة. ويحدث لبعض الفيروسات مثل الإنفلونزا (النوع "أ") تحور باستمرار (تغيير في الطبيعة الأنتيجينية) لذلك يتم إعطاء اللقاح الخاص بفيروس الإتفلونزا كل عام.
رابعاً: المناعة السالبة ضد الفيروسات:
تعتمد كفاءة المناعة السالبة للفيروسات على إعطاء الجرعات الكافية من المصل (الأجسام المضادة الجاهزة المتكونة عن طريق الإنسان بعد إصابته سابقاً، أو باستخدام بعض الحيوانات، أو عن طريق الهندسة الوراثية) قبل التعرض للإصابة بالفيروس، أو بعد فترة وجيزة من الإصابة به أو الحقن الصناعي. وقد تبين أن إعطاء المصل (السيرم) المضاد بعد الإصابة عديم الجدوى، وعليه فإن الدور الذي يلعبه الجسم المضاد في هذه الحالة هو تحديد أماكن الإصابة مما قد يساعد على عدم انتشارها. استخدمت مثل هذه الطريقة في علاج تفشي وباء فيروس إيبولا غرب إفريقيا، حيث صعوبة إنتاج لقاح ضد هذا الفيروس، فقد تم إنتاج خليط من ثلاثة أنواع من الأجسام المضادة وحيدة النسيلة (مونوكلونال) ينتج جزء منها في الفئران والجزء الآخر في أحد أصناف نباتات الدخان (تستغرق هذه العملية حوالي أشهر قليلة في عملية الإنتاج)، وتقوم هذه الأجسام المضادة المنتجة بالطريقة السابقة بالارتباط وغلق أماكن الارتباط الموجودة على سطح غلاف الفيروس داخل جسم المريض، وبذلك تمنعه من الالتصاق بالخلايا التي يصيبها، حيث يتناول المصاب عدداً من الجرعات تكفي للتخلص من الفيروس.
آلية عمل الأجسام المضادة:
تعمل الأجسام المضادة للفيروسات عن طريق عدة آليات منها ما يلي:
- حماية الخلية ضد دخول الفيروس، إما بتثبيطه، أو بقتله، أو ربما بتعجيل عملية الالتهام.
- العمل على عدم انتقال الفيروس من خلية إلى أخرى، أي الحد من انتشار الفيروس.
- قد تمنع وصول الفيروس إلى الأماكن القابلة للإصابة.
المراجع:
التدقيق اللغوي:
بريد الكاتب الالكتروني: redataha962@gmail.com