وطئة: منذ إقرار جائزة نوبل إلى اليوم، انتشرت عبر العالم مؤسساتٌ عدة ومعاهد ومراكز إحصائية كثيرة، يُعنى بعضها بتقييم أداء التعليم الأساسي في العالم وجودته، وبعضها متخصص في تقييم مستوى الجامعات وقيمة أبحاثها العلمية والأكاديمية المنجزة عبر العالم، وتُصدِر بشأن ذلك قائمة تصنيفٍ للجامعات الأفضل في العالم، وتبني هذه المؤسسات والمعاهد إحصائياتها ونتائجَها النهائيةَ عن طريق شبكة من المكاتب والمختبرات التي تعمل على تجميع البيانات وتصنيفها وفق معاييرَ دقيقةٍ وموضوعية، لتُحدد بناءً على ذلك رُتبَ الجامعات ومراكزها المستحقة، وذلك من خلال مجموع النقط المحصل عليها وفق الاستبيانات التي تضطلع بها الجهات المختصة.
سنعرّج سريعاً على بعض هذه المعاهد والمؤسسات قبل أن نفصِّل القول في أزمة التعليم الجامعي في الوطن العربي من خلال استقراء بعض الاحصائيات والنسب، التي صدرت عن بعض هذه المعاهد والمراكز. من بين هذه المراكز نجد:
معهد ويبومترركس للتقييم العالمي للجامعات
Webometrics Ranking of World Universities ، ومقره في اسبانيا، وهو تابع للمركز الوطني للبحوث بمدريد، يُغطي حوالي 20 ألف جامعة عبر العالم، ويعتمد تقييماً نصف سنويٍّ، يعتمد على قياس أداء الجامعات من خلال موقعها الإلكتروني من حيث الحجم وعدد الأبحاث المُؤشّرة والأثر العام للموقع، ويُصدر لائحة بأسماء الـ 500 جامعة الأفضل في العالم.
مركز كواكواريلي سيموند Quacquarelli Symonds
ويعرف اختصارا بـ QS وهو تصنيف متخصص في التعليم، تُصدره المؤسسة البريطانية Times Higher Education – Quacquarelli Symonds، مقرها في لندن، تأسست سنة 1990، ولها فروع عديدة عبر العالم، ويهدف تصنيف التايمز كيو إس إلى تصنيف الجامعات ذات المستوى العالي، سنوياً لأفضل 800 جامعة في العالم، وفق معايير محددة منها، السمعة الأكاديمية للجامعة، نسبة الأبحاث المنشورة لأعضاء هيئة التدريس، نسبة الطلاب والأساتذة الأجانب في الجامعة..،
صحيفة ساندي تايمز الايرلندية:
تُعنى هذه الصحيفة أيضاً بتقييم أداء الجامعات عبر العالم، وتصدر تصنيفاً دورياً بخصوص ذلك.
وكالة ضمان الجودة في التعليم العالي:
(Quality Assurance Agency for Higher Education)، مقرها في بريطانيا، تعمل على تقييم جودة التعليم الجامعي في بريطانيا.
مركز جياو تونغ للتصنيف الأكاديمي لجامعات العالم:
والذي يعرف اختصاراً بــ ARWU وهو مركز تابع للمعهد العالي للتعليم بجامعة شانغهاي في الصين الشعبية، ويضم كبرى مؤسسات التعليم العالي، يعتمد معايير موضوعية في تصنيف أفضل الجامعات وأكثرها إشعاعاً في العالم، يُصْدر هذا المعهد تصنيفاً سنوياً لجامعات العالم وفق معاييرَ انتقاءٍ صارمةٍ، تتمثل في جودة الخريجين وجودة الأساتذة، وعدد الأبحاث العلمية الجادة، وعدد براءات الاختراع، بالإضافة إلى جودة مرافق الجامعة، ومدى توَفّرها على التجهيزات الأساسية في المختبرات، ومدى توفر وسائل وآليات التدريس الحديثة، ومدى ملاءمة المكتبات للمعايير الأكاديمية المعمول بها عالمياً، بالإضافة إلى جودة السكن الطلابي، ومستوى الملاعب والمرافق الرياضية، وحجم الميزانية المخصصة لتمويل المشاريع والأبحاث الجامعية، كما يتم اعتماد عدد المترشحين لجائزة نوبل وغيرها من الجوائز الوازنة عالمياً، ويقوم هذا التصنيف على ثلاث مراحل من الجرد:
المرحلة الأولى، يتم فيها جرد 2000 جامعة من أصل 10 آلاف جامعة مسجلة في اليونسكو، مِن التي تتوفر فيها المؤهلات الأولية للمنافسة، وتتم في المرحلة الثانية إقصاء 1000 جامعة، ثم تتنافس ألف جامعة الباقية على المراتب الـ 500 الأولى لأفضل جامعات العالم.
تصنيف مجلة أخبار الولايات المتحدة الأمريكية وتقرير العالم:
(U.S. News & World Report College and University rankings) تقوم هذه المجلة بإعداد ترتيب وتصنيف سنوي لأفضل جامعات العالم، عن طريق معطيات واستبيانات يتم جمعها من مختبرات الرصد ومراكز التتبع المُنشأة لهذا الغرض، ويعتبر هذا التصنيف الأكثر صرامة.
استبيانات ونتائج
سنعرّج سريعاً على عينات من التصنيفات من بعض هذه المعاهد والمؤسسات لنؤسس عليها في تقييم مستوى جامعاتنا العربية.
سنعتمد في البداية على التقييم السنوي الذي أصدره معهد (جياوتونغ) 2015، وسنكتفي فقط بـ 100 جامعة الأولى في العالم، حيث هيمنت المؤسسات والجامعات الأمريكية على التصنيف، بمعدل 50 جامعة أمريكية من مجموع 100 جامعة الأولى في العالم، أي بمعدل النصف، في حين حلّت بريطانيا في المركز الثاني بمعدل 9 جامعات معظمها في المراتب الأولى، اليابان 3 جامعات، فرنسا وألمانيا وكندا وسويسرا بـ 4 جامعات ، أستراليا 3 جامعات، بلجيكا جامعتين، إسرائيل والنرويج، السويد، الدانمارك وروسيا بجامعة واحدة (متفاوتة من حيث مراتب التصنيف في المراكز المئة الأولى)، ونلاحظ غياب تام للجامعات الإفريقية بما فيها جامعات دولة جنوب إفريقية، كما نلاحظ غياب جامعات أمريكا الجنوبية، ومنطقة الشرق الأوسط (إيران وتركيا)، والمنطقة العربية باستثناء إسرائيل التي حَلَّتْ جامعتها العِبْرية في الرتبة 70.
أما فيما يخص التصنيف الذي أصدرته المجلة الأمريكية "التايمز"
The Times Higher Education World University Ranking، والذي يعد من أكثر التصنيفات معيارية وصرامة في العالم فنجد:
- في الرتبة الأولى: مؤسسة كاليفورنيا للتكنولوجيا.
- المرتبة الـثانية: جامعة هارفرد الأمريكية.
- المرتبة الثالثة: جامعة أوكسفورد البريطانية.
- المرتبة الـرابعة: جامعة ستانفورد الأمريكية.
- المرتبة الـخامسة: جامعة كامبردج البريطانية.
- من أصل 20 جامعة الأولى في العالم، 15 منها كلها من الولايات المتحدة الأمريكية.
- الـ45 جامعة من الجامعات الأوروبية المصنفة، كلها جامعات بريطانية.
- الـ 60 جامعة من أصل 100 جامعة الأولى في العالم، كلها من الولايات المتحدة الأمريكية.
- من أصل 500 جامعة من مجموع التصنيف 100 جامعة منها كلها من الولايات المتحدة الأمريكية، معظمها يهمن على المراتب المتقدمة.
على مستوى أمريكا الشمالية، نجد:
ثماني جامعات كندية، أربعة منها في المراكز المئة الإولى، في حين هيمنت الجامعات الأمريكية على التصنيف بقوة وفي المراكز الأولى.
أما على مستوى القارات فنجد:
في القارة الآسيوية، حصلت كل من الجامعات اليابانية والصينية على المركز الأول مناصفة بـما مجموعه 11 جامعة لكل دولة، و9 جامعات لكوريا الجنوبية، و6 جامعات لكل من هونكونغ وتايوان، و4 جامعات للهند، وجامعتان لسنغافورة، أما تركيا فقد حضرتْ 6 من جامعاتها في التصنيف مقابل جامعة واحدة فقط لإيران، في حين غابت الجامعات العربية في منطقة الخليج والشام عن التصنيـــف.
في أمريكا الجنوبية:
لم تتجاوز عدد الجامعات المستوفية لشروط الانتقاء أربع جامعات، منها جامعتان للبرازيل، وجامعة واحدة للشيلي، وجامعة واحدة لكولومبيا.
في القارة الإفريقية:
تم تصنيف 4 جامعات فقط، ثلاثة منها من جنوب إفريقيا، وجامعة واحدة فقط من المغرب هي جامعة القاضي عياض التي حلّتْ في المركز 301 عالمياً، في حين غابت أعرق الجامعات العربية كجامعة القرويين في المغرب، والزيتونة في تونس، والجامعات المصرية. أما الحضور العربي الجد محتشم فقد كان في تصنيف مؤسسة "ويبومتركس" يناير 2015 مثلته جامعة واحدة هي جامعة القاهرة وجاءت في المركز 299.
وحسب نفس المؤشر فإن أفضل 25 جامعة في العالم نجد:
- المراكز الـ 14 الأولى كلها من نصيب الجامعات الأمريكية، في حين حلتْ في المركز الـ 15 والـ 16 كل من جامعة كامبردج وأوكسفورد البريطانيتين، وحلتْ جامعة تورونتو الكندية في المركز 17.
- من مجموع الـ25 جامعة الأولى في العالم، 20 جامعة منها كلها أمريكية.
- عن أفضل 25 جامعة أوروبية، فقد غابت جامعة السوربون الفرنسية، وغابت معها كل الجامعات الفرنسية بدون أي تمثيل.
- عن أفضل 25 جامعة إفريقية، فقد كانت الهيمنة لجامعات دولة جنوب إفريقيا في حين غابت جامعات المغرب وتونس، ومُثِّلَتْ الجزائر بجامعة واحدة حلَّتْ في الرتبة 20، ومصر بخمس جامعات، في حين صُنِّفتْ جامعات كل مِن كينيا في المركز الـ7 وأوغندا في المركز الـ 13، ونيجيريا وغانا. وغاب المغرب عن التصنيف (أفضل الـ 25 جامعة إفريقية).
أما تصنيف QS لسنة 2014/2015 فقد تضمن ثماني جامعات عربية من ضمن أفضل 500 جامعة في العالم، منها 3 من السعودية والجامعة الأمريكية في بيروت، والجامعة الأمريكية في القاهرة، و3 من الإمارات، وكلها فوق حاجز الـ 220 جامعة فما فوق في سلم التصنيف.
استقراء النتائج
نعلم بداية أن الجامعة هي (الأساتذة + الطلاب + الموارد المادية)، هذه الركائز الثلاث، هي من يتحكم في مخرجات التعليم الجامعي (نوعية الأساتذة + نوعية الطالب + نوعية البحوث المنجزة والمنشورة) سَلباً وإيجاباً حسب جودة هذه الركائز، وهذه الركائز والمخرجات تتحكم فيها (الحكومات + الجهات المانحة + إدارة الجامعة). لا يُنكر أحد أن كثيراً من الأستاذة والدكاترة العرب الباحثين، من ذوي الكفاءات والمواهب العالية الذين يُدرِّسون ويحاضرون في كُبرى المعاهد والجامعات على مستوى العالم، هم وبالقطع مِن خريجي الجامعات العربية، ومِن هذه المُسَلَّمَة يُمكن أن نصوغ سؤالاً محورياً، الإجابة عليه ستختصر لنا كثيراً من المسافة، وتوفر علينا كثيراً من الجهد والبحث.
والسؤال هو: لماذا لا تستطيع جامعاتنا العربية المنافَسَةَ على المراتب المئة الأولى عالمياً، رغم كونها تُخَرِّج أساتذةً متفوقين يُحاضرون في كُبرى الجامعات العالمية ؟؟
معلوم أن أيَّ أمة على ظهر هذه البسيطة، لا يمكن أن تقوم لها قائمة أو يكون لها شأن، إلا إذا حازت من العلم نصيباً موفوراً، والعلم لا يكون إلا بالتعلم، وبالتالي فالتعليم ركن أساسي وعِمادُ محوري في تقدمِ الأممِ وتطورِها ورُقيِّها وازدهارِها. وهذا التعليم يحتاج إلى مؤسسات متفاوتة المهام والمستوى وموحدة الأهداف والمساعي. ونجد في أعلى هرم هذه المؤسسات نجد الجامعات. هذه المؤسسات التي تسمى جامعات لا يمكنها أن تقدمَ أي شيء أو تُحقق أيًّا من الأهداف التي بُنيتْ لأجلها إذا لم تتوفر فيها الأسباب الموضوعية والعوامل الضرورية والحيوية التي لا تقوم الجامعة إلا بها وعليها.
الإنفـــــاق
تنفق إسرائيل ما يقارب الـ 6% من إنتاجها القومي على البحث العلمي، وهذه النسبة مِن بين أعلى نِسب الإنفاق في العالم، وبعملية بسيطة سنجد أن هذا الرقم (6%) أعلى بحوالي 6 مرات مما تُنفقه الدول العربية على البحث العلمي مجتمعة (أقل من 1%) من مجموع الناتج القومي العربي. البحث العلمي، مجموعة من النشاطات والتقنيات والوسائل والأدوات التي تبحث في ظواهر معينة بهدف زيادة المعرفة وتوظيفها في تنمية مختلف جوانب الحياة. ولا يُسمى البحث علمياً إلا إذا بُني على فرضية، وأوصل إلى نتائج، هذه النتائج تكون قابلة للقياس والتَّحَقُّقِ مِن دقتها عن طريق التجربة أو الملاحظة، ثم تصنيفها وإدراجها تحت نظرية معينة. ولإنجاز بحث وفق هذه المعايير الأكاديمية، لابد أن تتوفر الجامعة على مختبرات عصرية مجهزة تجهيزاً يستجيب لطموحات البحث العلمي الجاد. يمكن لأي طالب يدرسُ أو أستاذ يُدرِّسُ في جامعاتنا العربية أن يلاحظ حجم الفقر والهشاشة التي تنخر جسد الجامعة بدأ بضعف البنى التحتية مِن أقسامٍ ومدرجاتٍ ومختبراتٍ ومراحيض و…، والتي تنعكس آلياً على البُنى البَحثية وبالتالي تُدَنِّي الكفاءةَ الانتاجية الفكرية والمعرفية والابداعية.
وتشير بعض الاحصاءات إلى أن نِتاجَ عشرةِ باحثين عَرَب، يُعادل نِتاجَ باحثٍ واحد في متوسط المعدل الدولي. عِلماً أن متوسط عدد الباحثين في الدول العربية بالمقارنة مع عدد السكان وِفْقَ التصنيف الدولي لا يتجاوزُ الـ 500 باحث لكل مليون شخص (يدخل في هذه الـ 500 حاملي شهادة الدكتوراه والأساتذة الجامعيين باعتبارهم باحثين). في حين يتعدى متوسط عدد الباحثين في كل مليون نسمة في الدول المتقدمة (أمريكا / اليابان/ ألمانيا / كندا / بريطانيا / …) حاجر الـ 4,000 باحث. فيما يُقدَّر عدد الباحثين إجمالاً في العالم بحوال 10 ملاييــن باحث.
المردودية العلمية للجامعات العربية
تنشر المطابع ومؤسسات النشر في العالم العربي ما يُقارب 15,000 كتابٍ وبحثٍ سنوياً، ولكن الأبحاثَ العلمية المنشورة في المجلاتِ المُحَكَّمَة قليلةٌ جداً، ومحدودةُ الجِدَّة والتأثير في المباحث العلمية المختلفة. ولا يزال عالمنا العربي (في الألفية الجديدة) مُجردَ مستهلكٍ (فوضويٍّ) للعلوم لا أكثر، وأكثرُ مختبراته نشاطاً هي مختبرات التعريب والترجمة، في حين نرصد فراغاً مهولاً على مستوى الإبداعِ والتطويرِ والخلْقِ وإثراء المعرفة الإنسانيـة. وكنتيجة منطقية وطبيعية لهذه الحالة المتردية لجامعاتنا العربية والباحث العربي (على حد سواء)، فقد انعكس هذا الفقر إلى فقرٍ في براءات الاختراع. وسنورد بعض الأرقام، ونُجري بعض المقارنات لتوضيح حجم الفقر المعرفي والعِلمي العربي، مقارنةً مع دولٍ كانت إلى الأمس القريب أسوءَ حالاً من العرب وأشدَّ بؤسا. سجلتْ إسرائيل ما يُقارب 20 ألف براءةِ اختراع، بينما سجَّل العربُ مجتمعين حوالي 900 اختراع فقط عبر تاريخهم إلى يوم الناس هذا، أي حوالي 5% فقط من مجموع براءات الاختراع في اسرائيل (علماً أن تاريخ ما يسمى بدولة إسرائيل لا يتعدى عقوداً قليلة وحسْب).
قد يقول البعض أن هذه المقارنة مجحفة نظراً لعدم مراعاتها لعدة اعتبارات واكراهات، جعلتْ الجامعة العربية في أسفلِ سافلين، (بعد أن كانت حاضرة المعرفة وإشعاع الحضارة الانسانية قبل قرون خلتْ)، وجعلتْ الباحث العربي (الأكاديمي) باحثاً مغموراً يُقلد أكثرَ مما يبدعُ وينتج ويطور (بعد أن كان حَبْرًا وعلامةً ومشكاةً للعلم). بعودتنا للإحصاءات ذاتها التي مَهَّدنا بها لدراستنا هذه، نجد أنَّ حتى الدول التي يُفترض أننا نتساوى معها، على اعتبار أوجه التشابه العامة (اقتصاديا، ثقافيا وتنمويا)، قد صارت جامعاتها حاضرة في التصنيف العالمي، وبَعضها يُنافس وبقوةٍ لتحسين موقعها ضمن المئة جامعة الأولى في العالم، ونقصد هنا كلا من (ماليزيا (ممثلة بجامعة واحدة) / إيران (ممثلة بجامعتين) / تركيا (ممثلة بـ 6 جامعات)). إن التشابه الذي نتحدث عنه، ليس إلاّ تشابهاً عَرَضياً لحظِيَّاً، تَم تداركه وتجاوزه من طرف تلك الدول، التي صححتْ مسارها وانطلقتْ نحو تنمية حقيقية وشاملة، في حين أن الوَهنَ العربيَّ وَهَنٌ مُزْمِنٌ وقارٌّ يتطور نحو الأسوأ. يَحدثُ كل هذا في الوقت الذي تعتزم فيه دولة (نيجيريا) الانضمام إلى قائمة الاقتصاديات العشرين الأقوى في العالم بحلول عام 2020، وذلك بزيادة نسبة الإنفاق على البحث العلمي والتطوير ليصل إلى النِّسبِ المسجلة في اقتصاديات الدول العشرين المتقدمة في العالم.
الاقتباسات و الاستشهادات
هناك عدة معاهد ومؤسسات علمية عالمية، تقوم برصد وإحصاء عدد الاقتباسات والاستشهادات بالبحوث والأطروحات والمقالات العلمية المحكّمة، المستشْهَد بها عبر العالم، وتُعبر وكالة (تومسون رويترز) أشهر الوكالات في هذا المجال (الإحصاء)، بالإضافة كذلك إلى شركة (غوغل)، وهي أكبر محرك للبحث الالكتروني في العالم، والتي تُعتبر مِن المؤسسات العالمية الرائدة في رصد وإحصاء عدد الاقتباسات والاستشهادات للبحوث العلمية والمقالات المحكَّمَة والأطروحات، وذلك عن طريق نظام بحث جديد هو (جوجل سكولار)، وقد قامت مؤخراً برصد وتجميع قائمة خاصة بأكثر مئة بحث مستشهد به، وذلك لصالح مجلة (Nature) الدولية للعلوم، وللأسف ضمن كل مئة بحث مستشهد به يوجد بحث عربي واحدٌ فقط. في حين تهيمن البحوث الاسرائيلية والإيرانية والتركية في الشرق الأوسط، بالمقابل يُهيمن الأكاديميون الصِّينيون والفيليبينيون والماليزيون والسنغافوريون على المقالات العلمية المحكمة جنوب شرق آسيا.
الجامعات العربية والإنفاق على البحث العلمي
كشفتْ تقاريرُ اليونسكو (2010) أن الدول العربية تقبع في مؤخرة الدول المُنْفِقة على البحوث العلمية والتطوير والابتكار والمعرفة، رغم غناها بالثروات الطبيعية، التي تجني منها عائداتٍ ماليةٍ ضخمة (دول الخليج النفطية + ليبيا، الجزائر والسودان)، وأشارتْ ذاتُ التقارير إلى أن مستوى الإنفاق على البحث العلمي في الدول العربية مُتدنٍّ بشكل كبير جداً، ولا يزال دون المعدل المتوسط. (الدول النفطية أقلُّ الدولِ العربية إنفاقاً على البحث العلمي / الخليج العربي باستثناء دولة قطر، وتونس والمغرب ومصر الأعلى إنفاقاً بين الدول العربية).
ويكفي أن نشير إلى أن الباحثين اللامعين والمتميزين الذين يتخرجون من الجامعات العربية وأغلبهم يصل بمجهوداته الذاتية (الموهبة + الطموح)، يجدون أنفسهم بين خيارات ثلاثةٍ أحلاهَا عَلقَم، فإما الهجرة أو التأقلم أو البطالة، وأغلبهم يختارون الهجرةَ إلى الغربِ بسبب انسداد الأفق البحثي والعلمي والوظيفي في الجامعات العربية، حيث يتحول الأستاذ الجامعي في الجامعات العربية مِن باحث إلى معلِّم، (غياب معاهد ومختبرات ومراكز ذات مواصفات عالمية للبحوث والتطوير والابتكار، لدراسة التحديات المستقبلية التي ستواجه المنطقة العربية، كأزمة الماء والأمن الغذائي ومصادر الطاقة ومشكل التصحر،…) ومِن مُحاضرٍ إلى مُلقّن، ومن أكاديميّ متخصص إلى موسوعيّ مبعثرِ الزاد العلمي، وبالتالي تزيدُ هذه الهجرة (هجرة الأدمغة) مِن تفاقم واقع البحث العلمي الهش أصلاً والمتداعي في العالم العربي. وهذه العينة ليست سوى الشجرة التي تخفي غابة من الطاقة الشبابية الباحثة (طلبة الماجستير والدكتوراه) التي تعيش البطالة، في ظل غياب أيةِ مشاريعَ إدماجية، ووظائف تراعي تخصصاتِهم وتكوينَهم العلمي، مما يضطر معظمَهم إلى تغيير بوصلته مئة وثمانونَ درجة فَيُمْسِي الطالبُ باحثاً ويُصبِحُ عاملاً أو أجِيراً أو حِرَفِيَّا أو بِطاليًّا متسولاً.
بريد الكاتب الالكتروني: bachoud.houssaine@gmail.com