مجلة أجسر – مجلة عربية محكمة في مجال العلوم – زورو موقعنا

البتاني

سلسلة "علماء عرب و مسلمون"
الكاتب

الكاتب : الصغير الغربي

صحفي علمي تونس

الوقت

04:25 صباحًا

تاريخ النشر

12, يوليو 2016

هو أبو عبدالله محمد بن جابر بن سنان البتاني الحراني، المعروف بالبتاني. ويعرف عند الغربيين في العصور الوسطى باسم Albategnius أو Albategni ولقبه العرب"بطليموس العرب". وقال عنه المستشرق جورج سارتون إنه "أعظم علماء عصره وأنبغ علماء العرب في الفلك والرياضيات". ولد البتاني في "بتان" من نواحي حران قرب مدينة اورفة التركية. وتاريخ ولادته غير معروف بدقة، إلا أن المرجح أنه ولد حوالي عام 235ه (858م). عرفت عائلة البتاني بأنها من الصابئة مع أنه كان مسلما. قضى معظم حياته في الرقة على الضفة اليسرى لنهر الفرات. وقد عاش حياته العلمية متنقلاً بين "الرقة" و"إنطاكية"، وبها أنشأ مرصداً يحمل اسمه (مرصد البتاني). وأجمع المؤرخون على أن تاريخ وفاته كان عام 317ه (929م) عند رجوعة من بغداد قرب مدينة سامراء.

ويعدّ البتاني من أكبر علماء الفلك عند العرب، فقد أوقف حياته على الرصد لما يزيد عن نصف قرن حتى وفاته. درس في البداية على يد والده جابر البتاني الذي كان بدوره عالماً مشهوراً، ثم انتقل إلى "الرقة" حيث انكب على دراسة مؤلفات من سبقوه، وخاصة مؤلفات "بطليموس"، ثم انتقل إلى ميدان البحث في الفلك، والمثلثات، والجبر، والهندسة، والجغرافيا.  وقد أجمع علماء الغرب ومؤرخيهم على أن البتاني كان في علمه أسمى مكانة من الفلكي الإغريقي بطليموس. وقال الفلكي الفرنسي جوزيف لالاند Lalande "إن البتاني من الفلكيين العشرين الكبار الذين ظهروا في العالم كله". كما عدّه "أدموند هاليه" من أقدر علماء الرصد، ووصفه مؤرخ العلوم جورج سارتون بأنه من أعظم علماء الإسلام.

من أهم إسهامات البتاني في علم الفلك اكتشافه السمت azimuth (هو زاوية بين مستوي مرجعي ونقطة ما) والنظير nadir (عكس سمت الرأس وهي النقطة الممتدة عموديا من تحت قدمي الراصد مرورا بمركز الكرة الأرضية باتجاه الفضاء الخارجي)، وتحديد نقطتيهما في السماء. كما أنه حدد بدقة ميل الدائرة الكسوفية، وطول السنة المدارية، والفصول، والمدار الحقيقي والمتوسط للشمس. وخالف بطليموس في ثبات الأوج الشمسي، وبرهن على تبعيته لحركة المبادرة الاعتدالية التي جعلها درجة واحدة لكل 66 سنة أي 54 ثانية ونصف الثانية سنويا. ويتمتع البتاني بمكانة عالية بين جميع الفلكيين العرب، فقد قام بأرصاد عديدة على جانب كبير من الدقة لدرجة أنه استطاع إثبات حدوث الكسوف الحلقي للشمس. وبعد ذلك بعدة قرون(سنة 1749) تمكن دنثورنDonthorne   بالاعتماد على أرصاد البتاني من تحديد تسارع القمر في حركته حول الأرض. وقام البتاني بحساب طول السنة الشمسية فوجدها 365 يوما و 5 ساعات و 46 دقيقة و 24 ثانية وهي تنقص عنها في حساب اليوم دقيقتين وثلاثا وعشرين ثانية.

كما أنه أصلح قيم الاعتدالين الصيفي والشتوي، وعين قيمة ميل فلك البروج على فلك معدل النهار (أي ميل محور دوران الأرض حول نفسها على مستوى سبحها من حول الشمس). ووجد أنه يساوي (23 درجة و35 دقيقة)، والقيمة السليمة المعروفة اليوم هي 23 درجة، وكان للبتاني منهجه في الرصد فقد أكد أن أعم مقومات عمله هو جمع الأرصاد الوفيرة المتقنة والمطالعة المتقنة في كتب الأقدمين ونقدها وتصحيح اللازم بعد انعام الفكر والتأمل وذلك لأن "الحركات السماوية لا تحاط بها معرفة مستقصاة حقيقية إلا بتمادي العصور وتدقيق الرصد".

في مجال الرياضيات، يُعَدّ البتاني من مؤسسي علم المثلثات، وهو أول من أدخل مصطلح الجيب (Sinus)، وهو ابتكار ساهم كثيراً في فهم علم المثلثات، وهو أول من استخدم الجيوب والأوتار في قياس الزوايا.  وتقول العالمة الألمانية زيغريد هونكه في كتابها "شمس العرب تسطع على الغرب": إنَّ مصطلح الجيب قد دخل إلى رياضيات كل شعوب العالم بعد ترجمة كتاب البتاني كما أنه استعمل الظل Tangente وظل التمام في المثلث الكروي، وبحث بعض المسائل التي عالجها اليونان بالطرق الهندسية وحاول حلها بالجبر.

يعتبر كتاب ''زيج الصابي" أهم مؤلفات البتاني في مجال علم الفلك، وهو يحتوي على نتائج أرصاده للكواكب الثابتة وجداول تتعلق بحركات الأجرام التي هي من اكتشافاته الخاصة، وما قام به من الأعمال الفلكية المختلفة التي امتدت طوال اثنتين وأربعين سنة. فقد كان أول زيج (الزيج هو لفظ يطلق على الجداول الفلكية القديمة، وأصل اللفظ فارسي) يحتوي على معلومات صحيحة دقيقة. وكان للكتاب أثر بالغ في تقدم علم الفلك والرياضيات سواء خلال النهضة العربية الإسلامية أو عند بداية النهضة الأوربية. وقد تُرجم إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر الميلادي باسم "Sciencia de Sttellarum" أو علم النجوم. وطبع في نورمبرغ عام 1537م. وقد نشر المستشرق الايطالي المختص في تاريخ علم الفلك عند العرب كارلو نللينو بروما في بداية القرن العشرين طبعة للأصل العربي منقولاً عن النسخة الموجودة بمكتبة الأسكوريال في ثلاثة مجلدات مصحوبة بترجمة لاتينية وتعليق على بعض الموضوعات. ويقول نللينو أن هذا الزيج يحتوي على أرصاد البتاني التي كان لها أثر كبير في علم الفلك وفي علم المثلثات الكروي، وبقي هذا الكتاب مرجعا للفلكيين في أوروبا خلال القرون الوسطى وأوائل عصر النهضة.

وقد ساهم البتاني في كتابه هذا، الى جانب علماء فلك عرب آخرين، في ترسيخ استعمال الغرب أسماء النجوم كما سماها العرب وكذلك وجود أكثر من 160 مصطلحا فلكيا باللغة العربية يستعملها الغربيون في أسماء النجوم منها الثور (Altaur)، الجدي (Algedi)، الذنب (Denab) وغيرها إضافة إلى مصطلحات فلكية كالسمت Azimut  والنظير Nadir. يحظى البتاني بمكانة عالية في تاريخ علم الفلك والرياضيات، وتقديراً له، سميت أحد المناطق على سطح القمر باسمه Albategnius.

المصادر:

  • موسوعة عباقرة الإسلام، الجزء الخامس، محمد أمين فرشوخ.
  • تاريخ العلوم عند العرب، عمر فروخ.
  • www.researchgate.net

 

بريد الكاتب الالكتروني: gharbis@gmail.com

الزوار الكرام: يسعدنا مشاركتكم وتواصلكم حول هذا المقال

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

license
0 التعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
guest

شبكاتنا الاجتماعية

  • facebok
  • twitter
  • Instagram
  • Telegram
  • Youtube
  • Sound Cloud

يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

icons
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x