في مقال له بمجلة “ديسكفر” عدد نوفمبر 2003م قال “ستيفن أوستاد” عالِم بيولوجيا الشيخوخة “… تتراوحُ الآراء بين القول بأنه ليس هناك شيء يموتُ بسببِ كِبر السن، إلى القول بأن كل شيءٍ يموت بسببِ كِبر السن، إننا حقا ليست لدينا معرفةٌ واضحة السبب في كون أنَّ الناس يشيخون ليموتوا”، رغم أن العلم حقيقة استطاع أن يصل بحياة بعض الناس لأعمارٍ تُناهز 150 سنة فأكثر.
للعلماءِ تفسيراتٌ عديدة عن أسباب شيخوخة الخلايا وتدهوُرِ فاعليَّتِها، ومن ثمة موتِها في نهاية المطاف. وقبل استعراض بعض تلك التفسيرات والاستنتاجات، نُشيرُ إلى بحثٍ أجراه باحثون من معهد إيكول بوليتكنيك فيدرال دي لوزان، ونشرته مجلة “نيتشر الطبية” عدد يوليو 2016، حيث اكتشفوا مادة في فاكهة الرمان هي “إيلاجانس C. elegans ” تقوم البكتريا الموجودة في القناة الهضمية (موجودة بشكل طبيعيّ وليست ضارة بل مفيدة للإنسان) بِتحليلها لتعطيَ مادة أخرى حمضية “يورو لايثين إيه” تقاوم الشيخوخة، وقد تم تجريبها على الفئران البالغة، حيث أثبتتْ التجربة فعالية تلك المادة في زيادة قدرة تلك الفئران على الجري بنسبة 42%، لذا يأمل العلماء في عزل تلك المادة “يورولايثين إيه” في صورة مكملات غذائية، تساعد في تحسين قوة عضلات الجسم، وبالتالي القدرة على التحمل عند المسنين، وهناك ميزة أخرى هامة، وهي أن تلك المادة طبيعية تماماً وتأثيرُها كبير جدا. تتباين قدرة البكتريا الموجودة في القناة الهضمية في إفرازها للمادة المقاومة للشيخوخة بين الناس جميعاً، لذلك فإن أكل الرمان قد تختلف فائدته في مقاومة الشيخوخة من شخص لآخر. يُذكر أن للرمان فوائد معروفة منها احتواءه عن فيتامين “سي” المقوي للجهاز المناعي وفوائد أخرى عديدة.
إلى وقت ليس بالبعيد، كان يُعتقد أنه لا يمكن تأخير الشيخوخة سوى بالتغذية السليمة، بالإضافة إلى ممارسة الرياضة، إلا أن “كينيون Cynthia Kenyon” قد أجرتْ تجارب على الديدان المستديرة “سي أيليجانز C.elegans” (حجمها مثل حبة الأرز) حيث استطاعت تأخير شيخوخة تلك الديدان بمعدل يصل إلى ستة أضعاف متوسط عمرها الطبيعي (أُسبوعين تقريباً) إلى حوالي 12 أسبوعاً. وقد توصل فريق عمل (كينيون) لتفسير هذا الإنجاز، وأرجعوه إلى ثلاثة جينات تُسمى “داف1 daf1، وداف 2، وداف3” هي التي تنظم الشيخوخة عند الديدان. فبمجرد إيقاف عمل جين “داف2” يزيد عمر الدودة ضعفين، واستنتجتْ (كينيون) أن الجينات الثلاثة تشفر لإحدى المستقبلات لهرمون يقوم بتنظيم الأنسولين.تعمل شركة “ألكسير الدوائية” علي تعديل مسار جين في الإنسان “آي جي إف1” والذي يرادف مسار جين “داف” في الديدان طويلة العمر وذلك لتأخير شيخوخة الإنسان.
أرجع بعض العلماء سبب شيخوخة الخلايا مع التقدم في العمر، إلى مجموعة مِن الأسباب، نُجمِلُها في الآتي:
تقلص عدد مرات انقسام الخلية، نظراً لتراكم بقايا من مكونات “دي إن إيه” بشكل عشوائي، والتي تتكون عند انقسام الخلايا نتيجة لتأثير بعض العوامل البيئية، مثل التدخين والإشعاع وبعض المواد الكيميائية، بالإضافة إلى تراكم ما يسمي بالشوارد الحرة، والتي تتكون بشكل طبيعي في الخلايا كنتيجة لعمليات الأيض في الخلايا، حيث تكون تلك الشوارد الحرة ضارة جداً بالخلايا، لأنها تعيق عمليات النسخ الطبيعي ل “دي إن إيه” المادة الوراثية في الخلايا. مما يُسبب طفرات للمادة الوراثية، والتي تعود بالسلب على صحة الخلايا الطبيعية. من نعم الله على الأحياء، أن خلاياها تحتوي على أنزيمات تقوم بشكل تلقائي ومستمر بتصحيح الأخطاء الناتجة من عمليات النسخ، منها ما يقوم بإصلاح الخطأ الذي يحدث عند ترجمة الشفرات الوراثية أو الخطأ الذي يحدث في الإرتباط غير الصحيح بين القواعد النيتروجينة غير المتوافقة مع بعضها، أو حتى أخطاء ما بعد عملية التضاعف. لكن في بعض الأحيان، تفشل تلك الأنزيمات في عملية الإصلاح، لذلك ومع إستمرار الإنقسام الخلوي، تتزايد الأخطاء وتتراكم بقايا “حطام-دي إن إيه” بداخلها، مما قد يؤدي عند ترجمتِها، إلى تكوين بروتينات ضارة على الخلايا، تؤدي إلى شيخوختِها ومن ثم موتِها بسبب حدوث أمراض مثل السرطان، تصلب الشرايين، أمراض القلب … يمكن التغلب على أضرار الشوارد الحرة في الخلايا، عن طريق ما يسمى بمضادات الأكسدة، وهي كثيرة وموجودة بكثرة في الفواكه والخضروات الملونة.
- التفسير الثاني للشيخوخة، يتعلق بجزء ٍهام يسمى بـ “قلنسوة” وهو موجود على طرف كل كروموزوم “ستة وأربعون” في الخلية، ويتكون من “دي إن إيه” غير مُشفر يُسمى “تيلومير”، وظيفة التيلومير هذا، هو ضمان نسخ “دي إن إيه” الكروموسوم. يتناسب طول التيلومير طرديًّا عدد مرات الانقسام ومع عُمر الخلية، بمعنى أنه مع تقدم الخلايا في العمر والانقسام، يتقلص طوله تدريجياً حتى يصل إلى أدنى طولٍ له، وهذا يعني توقف الانقسام والنمو، وبالتالي موت الخلايا.
هل يعني هذا أنه كلما كانت التيليوميرات أكثر طولاً، فسيرافقه حياة أطول؟ العلماء والباحثون في جامعة “آيوا” في الولايات المتحدة الأمريكية، نشروا بحثاً سنة 2003م يدعم هذا المفهوم، فقد وجدوا أن طائراً بحرياً وحشيا يُسمي “طائر النوء” يصل مدى حياتِه إلى 35 سنة، وله “تيليوميرات” أطول من الطيور الأخرى الأقصر منه عمراً. أكد العلماء علي أنه يوجد علي الكروموسوم 14 في الإنسان جين “تيب1 TEP1” يشفر لبروتين ضمن مكونات إنزيم “تيلوميراز” وهذا الأخير عند إمداد الخلايا بما يكفيها منه تظل-حسب ما أكده العلماء-حية علي الدوام أي لا تموت. لكن للأسف فإن الخلايا السرطانية-دائمة الإنقسام-تحتاج للتيلوميراز أيضاً كي تظل تنقسم محدثة المرض الخبيث. بالتأكيد، فإن لدى المُسنِّين جيناتٍ تساعدهم في مقاومة الظروف الصعبة والأمراض التي تسبب الشيخوخة، ثم الموت في نهاية المطاف. ولكن ماهي تلك الجينات؟
يقول بيرلز و زملاؤه أن تلك الجينات عبارة عن شبكة واسعة لم يتحدد موضعها بعد، إلا أن أبحاثه قد حددت بَعضَها، خصوصا ما له علاقة بالعمر، ويقع عند المنتصف بالضبط مِن “الكرموسوم 4″. ويسمى ب”الجين الميكروسومي” مهمته نقل البروتين، ويظهر أنه هو من يتحكم في كمية الكوليسترول التي تسد الأوعية الدموية. وإذا وجد هذا الجين في الإنسان، فهذا يعني أنه سيعيش عمرا أطول. يوجد جين “الجين الميكروسومي” في الإنسان يقع عند منتصف الكروموسوم 4 يشفر لبروتين، هذا البروتين يساعد الشرايين بلا إنسداد، فإذا تم تحوير هذا الجين بحيث لا يقل أو يتوقف نشاطه مع زيادة عمر الإنسان، فإن الشكل المتحور من هذا الجين سوف يساعد الإنسان كي يعيش طويلاً.
قد يتدخل الإنسان لمحاولة تأخير الشيخوخة، عن طريق استحداث بعض العقاقير التي قد تعالج بعض الأمراض وبعض أعراض الشيخوخة، أو عن طريق “التكنولوجيا الحيوية” ومنها الهندسة الوراثية والتكنولوجيا الطبية، والتي قد تنجح في إطالة عمر البعض (بإذن الله تعالى) لكنه قد يصاحب ذلك نقص في قدراتِ الإنسان الذهنية، كما أن استخدام الإنسان للعقاقير المخلقة صناعياً بشكل مبالغ فيه، قد يؤدي إلى تعطيل إفرازات الجسم الهرمونية بشكل طبيعي.
وأخيراً، نختم بآية قرآنية حيث يقول الله جل و علا “والله خلقكُمْ ثُمَّ يتوفَّاكُم ومنكم مَن يُرَدُّ إلى أرْذَلِ العُمُرِ لكيْ لا يَعلمَ بَعدَ عِلمٍ شيئا إنَّ اللهَ عليم قدير”.
سورة النحل، الآية 70.
بريد الكاتب الإلكتروني: redataha962@gmail.com