للبحث الدقيق يمكنك استخدام البحث المتقدم أدناه

يعتمد البحث السريع على الكلمات الموجودة داخل عنوان المادة فقط، أما البحث المتقدم فيكون في كافة الحقول المذكورة أعلاه

رحلة داخل عقول جميلة

  • الكاتب : أ. د. زكي بن شاكر صديقي

    وكيل كلية العلوم التطبيقية للبحث العلمي والدراسات العليا - جامعة أم القرى

  • ما تقييمك؟

    • ( 2.5 / 5 )

  • الوقت

    12:11 م

  • تاريخ النشر

    21 فبراير 2012

الرحلات أنواع، فقد يرتحل الانسان عبر مراحل التاريخ و قد تكون الرحلة أطيافاً من الآمال يطلقها الخيال في جنبات المستقبل، و منها الرحلات المعهودة وهي التطواف في أرض الله الواسعة، و لكن قد تتفق معي أخي القاريء بأن أمتع الرحلات هي التي يستشرف إليها العقل و الوجدان حين تلوح الفرصة كي ترخي لنفسك العنان و تنساب بأحاسيسك و تخيلاتك لتتنزه داخل العقول الجميلة، فهي ولا شك فرصة رائعة لتتعرف على طريقة تفكير تلك العقول، ومصدر طاقتها المتجددة و حينها ستعرف كيف يبدأ الابداع و أي الدروب يسلك، و قطعاً ستفيد كثيراً اذا ما ساعدت الآخرين ليوجهوا ملكاتهم و اهتماماتهم ليسلكوا هذا الطريق، و ليكونوا مبدعين.  و العقول المبدعة في مجال العلوم الأساسية تصنع جمالاً غير تقليدي، انه جمال ناتج من سبر آفاق القوانين الربانية التي خلقها البارئ تعالى، و التي على أساسها تنتظم أمور الكون و ظواهره المختلفة. و لأنني كُلِّفت برئاسة اللجنة الاعلامية بهذا المؤتمر الهام على أرض مكة الجميلة، و لكون المؤتمر قد عمل خطوة غير مسبوقة على المستوى المحلي باستضافته 26 عالماً كبيراً، فقلت لنفسي لما لا اهتبل هذه الفرصة و أقوم برحلة داخل عقول كوكبة مميزة من العلماء، و من ثمَّ اشارك الأخوة القراء بنتائج هذه الرحلة.  وفعلاً لقد اغتنمت هذه الفرصة و قمت بهذه الرحلة الفريدة فماذا وجدت؟

وجدت أن هؤلاء العلماء المتميزين و على الرغم من تنوع خلفياتهم العرقية والعلمية يفتخرون جداً بكونهم علماء في العلوم الاساسية، إنهم يستمتعون بما يفعلونه، وهم فخورون بما يقومون به. انهم يحبون المجال العلمي كثيراً و يحبون من يعمل بهذا المجال و هم بهذا يعتبرون العلم رحماً و لابد لهذه الرحم من الوصل.  و هنا سر من أسرار الإبداع والإنتاج، ان تحب مهنتك و تحب العمل الذي تعمله. و بمقدار اعتزازهم بعملهم في هذه المجالات إلا انهم يميلون الى البعد عن الأضواء، و ما ذلك إلا لحبهم للتواضع،  و قد يكون هذا احد الأسباب المؤدية  لعدم معرفة المجتمع بفضل هؤلاء العلماء الذين يبحثون في العلوم الأساسية و التي بدورها تؤدي الى المخترعات و التقنيات المعاصرة و التي يستفيد منها الجميع و تلامس حياة الناس اليومية كالكهرباء و الاجهزة الكهربائية و وسائل التشخيص الطبي المتقدمة و الادوية و البلاستيك و الحواسيب الآلية...الخ. طبعاً هناك استثناءات لهذا التعميم مثل انبهار الناس بالعالم المرموق إلبرت اينشتين لعلاقة ابحاثه بجوانب علمية أثارت  فضول كثير من الناس ألا و هي الطاقة النووية !

وعندما سُئل هؤلاء العلماء الكبار عن مسببات انبهار الناس بالأطباء و المهندسين و عدم معرفتهم و تقديرهم بشكل كاف لدور علماء العلوم الأساسيية، ذُكرت عدة اسباب منها: طبيعة العالم الذي يعمل في مختبره بتركيز شديد و لا يحب الأضواء الإعلامية كثيراً، و ما ذاك إلا لأن العلوم الأساسية هي بداية الأفكار الطبية و التقنية، و لذا فإن الناس لا ترى البدايات و انما ترى النهايات في شكل علاج او مُنتَج.  أيضاً هناك سبب آخر، ألا و هو المردود المادي العالي للعاملين في مجالات الطب و الهندسة بسبب طبيعة اقتصاد السوق.

لاحظت ايضاً أن جميعهم متفائلون بدور العلوم الأساسية في حل الكثير من المشاكل التي يواجهها العالم مثل: تراجع الاقتصادات و الحروب و المجاعات و إساءة استعمال الموارد الطبيعية و البيئة الملوثة.  و إن كانوا يرون ان باحثي العلوم الأساسية في العالم الثالث ينبغي ان يربطوا ابحاثهم الأساسية بمجالات هامة كالمياه و البيئة و الزراعة و الغذاء و التآكل و الطاقة.

هل هناك صفات معينة تميّز هذه العقول الجميلة عن غيرها؟ أجاب هؤلاء العلماء بآراء متعددة إلا ان أكثر ما يستدعي الانتباه أن الإجابة المشتركة لهؤلاء العلماء ليست مرتبطة بقدرات خارقة لدى هؤلاء العلماء، وانما هو: العمل الدؤوب و الصبر المتواصل. إذن فالابداع العلمي يرتبط بشكل أساسي بالعمل الجاد المستمر في بيئة بحثية سليمة.

تحفظ العلماء على مقولةٍ شائعة مفادها "إنه بعد الجيل العلمي الفريد لاينشتاين و شرودنغر و بلانك و بوهر و غيرهم، لم تظهر حقائق علمية ذات صدى و لم تظهر فتوحات علمية جوهرية".  ذكر العلماء اسباباً عديدة لعدم ظهور جيل فريد آخر، و من ذلك: ان البحث العلمي المعاصر تبنى العمل بروح الفريق، و لذا قل وجود العالم الموسوعي المستقل بالشكل الذي كان عليه اينيشتين و علماء جيله، بينما ذكر البعض الآخر ان الاحتمال وارد في أي لحظة لاكتشافات خارقة في العلوم الأساسية. كما ذكر البعض الآخر ان هذا التفسير قد – و قد لا تعني اليقين - ينطبق على حقل الفيزياء و لكنه لا يصلح ان يعمم على الحقول العلمية الأخرى، فمثلاً علوم الاحياء تشهد ثورة علمية حقيقية في مجال الجينات و الخلايا الجذعية.  و في رأيي المتواضع هناك سبب آخر لعدم ظهور جيل فريد آخر، ألا و هو ان اولئك العلماء الذين ظهروا في بداية القرن العشرين كان لهم اهتمامات أخرى غير البحث العلمي فحسب ألا و هو الاهتمام بالفكر الانساني العميق، فقد كانت لهم تأملات عميقة في معنى الحياة، و كان لهم مواقف واضحة ضد الحروب و الصراعات و سوء استخدام نتائج ابحاثهم في تدمير المجتمع و البيئة. كما كانوا يعشقون المعرفة و لم تطغى عليهم رياح الاستهلاك و تعقيد الحياة الذي أثر على علماء اليوم، فقد كان هناك اهتمام بالكيف و ليس بالكم كما يحصل الآن.  فهل يعمل علماؤنا المعاصرين بمعزل عن الفكر الانساني و التأمل فيما وراء الطبيعة؟ ان التأمل في اجابات العلماء ليدل على ان هناك عودة و لو متواضعة لهؤلاء العلماء لتلك الأمور العامة و التي أُهمِلت في جيل علماء ما بعد الحرب العالمية الثانية.

وفي نهاية هذا المقال، فإنني ادعو زملائي العلماء - سواء شاركوا بمؤتمرنا أم لا - أن يستمروا في التأمل في هذه العقول الجميلة من خلال قراءة المقابلات* التي قمت باجرائها مع هذه الكوكبة الرائعة من العلماء.

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

مواضيع ذات علاقة

0 التعليقات

أضف تعليقك

/* Whatsapp Share - 26-6-2023 */