علاج مريض بالسرطان يشبه إنقاذ غريق يلاطمه الموج من كل جانب. وكما أن الأمل دائماً موجود لإنقاذ الغريق إذا وجد السباح الماهر، فكذلك ممكن علاج مريض السرطان إذا تواجد الباحث الماهر والطبيب الحاذق والمتعاون. ولأن السرطان ليس مرضاً واحداً، بل هو عدة أمراض تجمعت بأعراضها المختلفة وتصب نواتجها السيئة في بوتقة واحدة هي جسم المريض، فالعلاج أيضاً يجب أن يكون متعدد. فمن جنس المرض يأتي العلاج. ولكي يحيا الورم وينتشر، يحتاج إلى العديد من الإجراءات الخبيثة لكي يأقلم نفسه مع الجسد بحيث لا يتعرف عليه كجسم غريب ثم ينقلب عليه ليستفيد منه ويشل حركنه تماماً ليتهيأ له المكان يرتع فيه كما يشاء. ولذلك تقوم الخلايا الورمية بتعاون وتفاهم وتكامل تام ليس فقط في الحفاظ على كينونتها الورمية الخبيثة ولكن أيضاً في تطوير طرق عديدة لمساعدتها في التغلغل داخل الجسم وذلك من خلال إفراز إنزيمات تحلل المسافات البينية للخلايا لتمر منها وإفراز بروتينات محفزة لتكوين أوعية دموية تستطيع أن تنتقل منها إلى تيار الدم إلى أعضاء أخرى. وفي النهاية تفرز الخلايا المناعية بروتينات تزيد من نموها ونشاطها وبروتينات أخرى تشل حركة ونشاط الخلايا المناعية.
وإذا فحصت كتلة الورم تحت الميكروسكوب فسوف تجد بانوراما من مزيج من الخلايا الورمية وبينها خلايا مناعية بأنواعها المتخصص والغير متخصص بالإضافة إلى الخلايا التي تكون الأرضية للورم ومعظمها من خلايا الفايبروبلاست والتي تتشبث بها الخلايا الورمية. وسوف تلاحظ أن هذه الكتلة الورمية تقع قريبة من أحد الأوعية الدموية ليستمد منه الورم الغذاء والماء والأكسجين للنمو والنشاط. وإذا فصلنا الخلايا الورمية عن الخلايا المناعية وحللنا العدد والنشاط والوظيفة، وهذه كلها أمور سهل قياسها في المختبر كل على حدة، فسوف نجد مفاجئات لا تسر لا الطبيب ولا المريض ولا أقربائه ولكن بالطبع تسر الخلايا الورمية.
فعلى مستوى النمو عن طريق التضاعف والانقسام، نجد أن الخلايا الورمية تتكاثر بسرعة فائقة تكاد تصل إلى مئة ضعف في مجرد ثلاثة أيام. ليس هذا فقط بل سوف تفاجئ أنها لا تموت، بالعكس تظل حية ومنتعشة طالما قدمت لها الغذاء بصورة مستمرة. والعكس تماماً سوف نجده إذا حللنا نمو وحيوية الخلايا المناعية المأخوذة من الورم، لا نمو، لا حيوية، بل موت سريع. وبالإضافة إلى ذلك، سوف تجد الخلايا المناعية خاملة وظيفياً فلا هي قادرة على إنتاج البروتينات اللازمة لنموها ولا البروتينات اللازمة لقتل الخلايا الورمية. بل المفاجأة الكبرى، هي إفراز هذه الخلايا المناعية مواد تشل حركتها نفسها من ناحية وتزيد من نمو الخلايا الورمية من ناحية أخرى، أي تنقلب على نفسها تماماً دون أن تدري. وبالطبع إذا قمنا بتحليل خلايا الأرضية وهي الفايبروبلاست فستجد أنها هي الأخرى مزودة على سطحها بكل المستقبلات اللازمة لجذب واستقرار الخلايا الورمية في بيئتها.
إذا كان هذا هو الحال داخل الكتلة الورمية، فيا ترى ما هو الحال في العقد الليمفاوية القريبة من الورم والتي تهاجر إليها بعض خلاياه لعدة أسباب. أولها تخفيف العبء على الورم نتيجة لازدحامه بخلاياه وتقلص المساحة المتاحة بسبب الزيادة الجنونية لأعداد الخلايا الورمية. السبب الثاني هو شل حركة الخلايا المناعية في العقد الليمفاوية بعد أن تكون قد شلت نشاط ووظيفة الخلايا المناعية في الورم نفسه، وبذلك تكون قد شلت حركة الخلايا المناعية تماماً من خلال إفراز البروتينات المثبطة للخلايا المناعية. السبب الثالث هو سهولة الوصول إلى العقد الليمفاوية حيث أنها قريبة ومنتشرة في كل مكان في الجسد ولأن الهجرة والوصول إليها لا يحتاج أي بناء أوعية دموية بل فقط بالزحف لمسافات قصيرة وتتسلل من بين الخلايا المجاورة حتى تصل إلى الأوعية الليمفاوية والتي تصب في العقد الليمفاوية فقط.
السبب الرابع هو تمكن الخلايا الورمية التي تمكنت من الوصول إلى العقد الليمفاوية من الهجرة إلى أعضاء وأنسجة أخرى عن طريق الأوعية الليمفاوية الصادرة من العقد إلى تيار الدم ومنه إلى كل مكان في الجسد. وطبعاً هذا الطريق لهجرة الخلايا الورمية لا يمنعها من الهجرة من خلال الأوعية الدموية للوصول مباشرة من خلال تيار الدم إلى الأعضاء المزودة بكثافة بالأوعية والجيوب الدموية مثل الطحال والكبد والرئتين ونخاع العظم. إذا العقد الليمفاوية هي المكان الأولي المفضل لهجرة الخلايا الورمية لتعشش فيها ومنها إلى الأعضاء الأخرى. فإذا أزلنا إحدى العقد القريبة من الورم وفحصناها تحت الميكروسكوب سنجدها تشبه السجاد الفارسي المزرقش بالدوائر بأحجامها المختلفة. فعلى عكس ما رأيناه في الورم حيث الكثرة العددية للخلايا الورمية والقلة للخلايا المناعية، فسنجد العكس تماماً هنا. معظم الخلايا بهذه السجادة الخلوية مكونة من الخلايا المناعية بأنواعها التائية والبائية والبلعمية والقاتلة الطبيعية وغيرها وحولها الخلايا الورمية على هيئة دوائر متناثرة في كل مكان.
ومع أن الغلبة في العدد هنا للخلايا المناعية إلا أن تحليل حيويتها ونشاطتها ووظائفها سوف يؤكد على وهنها الشديد ووضعها المناعي المزري، فلا هي قادرة على التكاثر ولا النشاط ولا الحركة ولا إفراز المواد القاتلة للخلايا الورمية. بل سوف نجد كما رأينا في النسيج الورمي نفسه أن الخلايا المناعية قد استسلمت للخلايا الورمية التي حولتها إلى سلاح لها وليس عليها. فسوف نجد أن كل الأسلحة التي يجب أن ترفعها الخلايا المناعية ضد الورم، منكسة ورفعت بدلاً منها مستقبلات تساعد الخلايا المناعية في الاستقرار والنمو والإزدهار وكأنها في بيتها وليس في ثكنة من ثكنات الجهاز المناعي والتي من المفترض أنها المعسكر الذي تحدث فيه المعارك ضد أي جسم غريب.
فإذا كان الوضع هكذا سواء في النسيج الورمي نفسه أو في العقد الليمفاوية، فما هو مفترض عمله من إجراءات لقلب هذه الوضع رأساً على عقب بحيث يؤدي في النهاية إلى بعث الخلايا المناعية من مرقدها وتسليحها بكل الأسلحة التي نكستها وجعلها قادرة على التعرف على الورم كجسم غير مرغوب فيه وجار سوء بدلاً من الخنوع والاستسلام له. بالتأكيد إحياء الخلايا المناعية من وضعها المزري هذا يشبة إنقاذ الغريق من اليم والأمواج المتلاطمة التي تقذفه يميناً وشمالاً، فهو يحتاج ليس فقط لطبيب أورام بل مهندس مناعي ومهندس إنشاءات ومهندس طرق وجسور. فهل يكفي العلاج بالجراحة وحده، بالطبع لا. وهل يكفي العلاج الكيميائي أو الإشعاعي وحده، بالطبع لا. فمع أن إزالة الورم بالجراحة مهم جداً وبدونه سوف ينتشر الورم ويستمر في إفراز مواده سيئة السمعة، إلا إنه لا يوقف ارتداد الورم مرة أخرى ولو بعد فترة نتيجة لنمو البؤر الورمية الصغيرة التي لا تستطيع الجراحة التخلص منها. كما أن الجراحة لا تستطيع عمل أي شيئ للخلايا المناعية التي انتشرت للأعضاء الأخرى على هيئة بقع أو حبيبات متناثرة.
ومع أن العلاج الكيماوي يقضي وبسرعة على معظم الخلايا الورمية، إلا أن هذا القليل المتبقي والمسمى بالخلايا الجذعية الورمية – نظراً لأنها تشبه الخلايا الجذعية العادية في القدرة الفائقة في النمو والتكاثر والحيوية إلى ما لا نهاية – يستطيع أن يكون كتلة ورمية مرة أخرى ولو بعد حين. وحتى لو أعيدت المحاولة مرة أخرى بالعلاج الكيميائي فلن تستجيب هذه الخلايا للعلاج بسبب تطويرها لوسائل تستطيع بها تشغيل بعض الجينات القادرة على تكوين بروتينات تحمي الخلية الورمية من العلاج الكيماوي. هذا بالطبع بالإضافة إلى التدمير الشديد للخلايا السليمة عموماً والخلايا المناعية خاصة، و الذي يصاحب العلاج الكيماوي بجرعاته العالية والمتكررة نظراً لأنه لا يفرق بين الخلايا السليمة و المريضة بدون تفرقة شريطة أن تتميز بالقدرة على التكاثر. ولأن الخلايا المناعية وخاصة الموجودة بنخاع العظم وكذلك خلايا الجلد وخلايا الكبد والخلايا المبطنة للأمعاء لها قدرة عالية على التضاعف لتجديد نفسها، فإن الأنسجة الموجودة بها هذه الخلايا تتأثر بشدة بالعلاج الكيماوي مما يؤدي إلى أعراض جانبية جسدية ونفسية مؤذية للمريض. إذاً، ما هو الحل الأمثل لإنتشال المريض من الغرق في لجة السرطان ومنتجاته سيئة السمعة التي تقضي على الأخضر واليابس في الجسد؟ الحل قد يكمن في العلاج المناعي والذي يتمثل ببساطة في بعث الخلابا المناعية من مرقدها وحثها على التعامل مع الورم وقتله وعدم عودته وظهوره مرة أخرى وذلك دون إحداث أعراض جانبية.
ما هي قصة العلاج المناعي، ولماذا لم ينجح طيلة الفترات الماضية؟
بدأ طريق الألف ميل لقصة العلاج المناعي منذ أكثر من 150 عاماً عندما قام عالم يدعى كولي بتطعيم بعض مرضى السرطان ببكتيريا ميتة على غرار التطعيم المضاد للبكتيريا لإدوارد جينير والذي كان قد نجح نجاحاً كبيراً في القضاء على الجدري قبلها بسنوات. وقد لوحظ شفاء عدد كبير من المرضى الذين تم حقنهم بالمستخلص البكتيري لكولي. ولكن وللأسف الشديد، لم يصدق معظم الباحثين حينئذ العالم كولي مما أدي إلى تجميد فكرته ونسيانها تماماً حتى تم إحياءها مرة أخرى منذ عشرين عاماً عندما اكتشف مجموعة من العلماء في مراكز بحثية مختلفة امكانية علاج الورم بمستخلصات ميكروبية، والذي بني عليها العلاج الموضعي لمرضى سرطان المثانة بعقار "البي سي جي" وما هو إلا مستخلص من جدار البكتيريا التي تصيب الرئة والمسببة لمرض الدرن. ومع أن سرطان المثانة ليس له علاقة وطيدة بالعدوى بهذه البكتيريا، إلا إنه علاج فعال جداً، وذلك لقدرته العالية على تنشيط الخلايا المناعية داخل الورم نفسه. وبالطبع ما زال هذا العقار يمثل العلاج الأساسي لمرضى سرطان المثانة.
والرائع والملفت للنظر إكتشاف وجود مكونات محددة من كل ميكروب و هي التي لها القدرة على الإرتباط بمستقبلات محددة على الخلايا المناعية فيتم تنشيطها و على الخلايا الورمية فيتم حثها على الموت المبرمج. وقد تم تسمية هذه المكونات بإشارات الخطر نظراً لأنها تحدث نشاط غير عادي في الجهاز المناعي بالجسد كإنذار أو علامة على وجود ميكروب. ووجد أن كل مكون يرتبط بمستقبل خاص به فقط دون المكونات الأخرى. وسميت هذه المستقبلات ببروتينات TLR والتي وصل عددها حتى الآن إلى أكثر من 13 نوعاً، كل منها يتعرف على مكون ميكروبي محدد. وعادة ما يوجد أكثر من نوع من هذه المستقبلات على الخلية الواحدة سواء كانت خلية مناعية أو سرطانية.
وسمي كل مكون ميكروبي بإسم كل مستقبل خاص به. والعجيب أن من خلال المزيد من الأبحاث، تم اكتشاف أن هناك مستقبلات محددة توجد داخل السيتوبلازم مثل TLR3, TLR7، TLR9والتي تتعرف وتترتبط بـأحماض نووية DNA – RNA للميكروبيات حيث أن هذه الأحماض النووية توجد في سيتوبلازم الخلية. وعلى العكس تماماً، توجد مستقبلات باقي المكونات الميكروبية على سطح الخلايا. والأعجب أن الباحثين عندما عادوا ليفتشوا عن ما إذا كان عقار "البي سي جي" يحتوي على هذه المكونات الميكروبية أم لا، فوجئوا بوجود على الأقل ثلاثة أنواع تستطيع الارتباط بمستقبلات محددة على الخلايا الورمية والمناعية.
ماذا يحدث عند ارتباط المكون الميكروبي مع المستقبل الخاص به وما علاقة ذلك بتنشيط الخلايا المناعية وبعثها من مرقدها؟
بمجرد الارتباط بين المستقبل ومحفزه تحدث على الفور مجموعة من الأحداث السريعة والمتعاقبة تؤدي إلى تنشيط سلسلة من الإنزيمات واحداً وراء الآخر بدءاً من تلك الموجودة تحت سطح الخلية مباشرة حتى غشاء النواة وكأنها قطع الدومينو المتراصة إذا مالت واحدة وقعت باقي القطع قطعة تتلو قطعة. وهذا ما يحدث بالضبط، فحين تقع (تنشط) آخر قطعة ملاصقة للنواة يتم تحفيز جينات مشفرة لبروتينات معينة للمواد المعروفة بقدرتها على تنشيط ليس الخلية التي تفرزها فقط ولكن أيضاً الخلايا المجاورة لها، فتحدث حالة من الاستنفار الخلوي. ولأن الخلية المناعية يوجد عليها أكثر من نوع من المستقبلات، تكون النتيجة النهائية نشاط متعدد للخلية المناعية الواحدة والخلايا المجاورة. ولأن هذا النشاط يحدث لمعظم الخلايا المناعية في نفس الوقت تقريبا، فيؤدي ذلك إلى حالة استنفار مناعي عام في المكان الذي حدث فيه التنشيط والذي يمتد بدوره إلى الأماكن البعيدة الأخرى عندما تهاجر الخلايا المناعية من داخل الورم إلى خارجه أو العكس من خارج الورم إلى داخله.
وعندما تنشط الخلايا المناعية وتصحوا من مرقدها تبدأ في إفراز العديد من المواد ذات القدرة على تفتيت الخلايا الورمية والقضاء عليها. وقد أدت هذه النتائج البحثية إلى ثورة مناعية جعلت من بعض العلماء الكبار مثل ماتسينجر يتبنى نظرية جديدة مفادها أن المشكلة في فشل الخلايا المناعية للتعرف على الورم والقضاء عليه ليس لأن الخلايا الورمية هي في الأساس جزء من الجسم وبالتالي لا تتعرف عليها الخلايا المناعية كأجسام غريبة كالميكروبات، ولكن لأن الورم لا يحتوي على أي مكونات ميكروبية تستطيع تنشيط الخلايا المناعية.
وما عضد هذه النظرية الجديدة هو قدرة الخلايا المناعية في مريض السرطان المصاب بميكروب معين على النشاط والتكاثر عند تنشيطها في المزارع الخلوية بأحد مكونات هذا الميكروب وعدم إستجابتها على الإطلاق عند تنشيطها بأحد منتجات الورم. بالإضافة إلى ذلك وجد أن تأثير العلاج المناعي يكون فعالاً جداً في حالة التطعيم بالمنتجات الميكروبية لسرطان كان سبب إحداثه هذا الميكروب. ومثال واضح على ذلك بتطعيم الإناث في عمر 12-14 بمستخلص الفيروس المسبب لسرطان العنق والرحم عند السيدات والذي تم تعميمه في الولايات المتحدة الأمريكية منذ أربعة أعوام وجاء بنتائج نجاح تصل إلى 100%.
ما هي الطريقة المثلى للعلاج المناعي؟ وهل تستخدم بمفردها أم مع العلاجات التقليدية مثل الجراحة والعلاج الكيماوي والإشعاعي؟
والإجابة على هذا السؤال قد تكون متوفرة الآن وإن كانت غير مكتملة الأركان، إلا أن هناك العديد من الشواهد التي تؤكد على نجاح العلاج المناعي. وكما يقال، أن طريق الألف ميل يبدأ بخطوة، فكذلك طريق نجاح العلاج المناعي بدأ بخطوة تلتها خطوات حتى وصلنا للمرحلة الناضجة التي نعيشها حالياً من نجاح العديد من العلاجات المناعية، وكان آخرها وصول العلاج الجديد في الأشهر الماضية إلى المرضى بعد سنوات من إجراء البحوث التجريبية على حيوانات التجارب والمحاولات السريرية على المرضى. وهذا العقار عبارة عن أجسام مضادة لمستقبِل موجود على سطح الخلايا الورمية PD-1 الذي يجعلها تهرب من الخلايا المناعية، كما أن هذا المستقبِل موجود أيضا على أسطح الخلايا المناعية المثبطة والذي يشل حركتها تماماً كما تفعل كوابح اليد مع السيارة. ونجاح هذا العلاج المناعي أكد وبشكل قاطع على إمكانية العلاج المناعي وقدرته على القضاء على الورم.
طرق العلاج المناعي للأورام
تعتمد جميع العلاجات المناعية للأورام على فلسفة واحدة وهي تحفيز الخلايا المناعية المقاتلة بأنواعها المختلفة وبعثها من مرقدها وخروجها من الحالة المتردية إلى حالة استنفار قصوى، لكي تكون قادرة على الوصول إلى الخلايا المناعية بأعداد كبيرة قادرة على القضاء على الورم تماماً. وقد يتم ذلك بإحدى الطرق التالية منفردة أو مجتمعة:
- العلاج بالسيتكوينات: السيتوكينات هي عائلة كبيرة من البروتينات التي تفرزها الخلايا المناعية لتنشيط نفسها ولتنشيط الخلايا المجاورة سواء كانت مناعية أو غير مناعية بغرض خلق حالة عامة من الإستنفار المناعي، وفي نفس الوقت لتحفيز الخلايا المناعية على قتل الخلايا الورمية. وهناك بعض السيتوكينات التي لها القدرة على تحليل الخلايا الورمية بطريقة مباشرة. ويوجد العديد من السيتوكينات التي تستخدم في علاج الأورام مثل أورام الكلية والجلد والدم.
- العلاج بالأجسام المضادة: الأجسام المضادة هي عائلة كبيرة من البروتينات التي يفرزها نوع محدد من الخلايا المناعية الليمفاوية والتي تقوم بتصنيعها ضد بروتين معين، والذي عادة ما يكون موجوداً على سطح الخلية المستهدفة. وعند إلتصاق الأجسام المضادة بهذا البروتين تحدث عمليات سريعة داخل الخلية تؤدي إلى شل حركة الخلية وموتها. وفي حالة الأورام تستخدم الأجسام المضادة كآلة لإستهداف الخلايا الورمية وقتلها وذلك عن طريق تصنيع جسم مضاد لبروتين موجود على سطح الخلية الورمية المراد قتلها فيذهب إليها ويلتصق بها بدرجة شديدة الدقة وفي نفس الوقت لا يمس الخلايا السليمة بالجسم. وعادة ما يتم دمج علاج كيمائي أو مواد سامة مع الجسم المضاد لضمان قدرته على قتل الخلايا الورمية بعد الإلتصاق بالبروتين الموجود عليها. ولحسن الحظ، تم إكتشاف الكثير من البروتينات التي توجد على سطح الخلية الورمية وليست موجودة على سطح الخلية السليمة مما يسهل من عملية الإستهداف والتصويب. وهناك العديد من الأجسام المضادة التي يتم استخدامها حالياً لعلاج مرضى السرطان والقائمة في تزايد مستمر.
- العلاج بالتطعيم: كما يحدث في تطعيم الأطفال ضد البكتيريا والفيروسات، فمن الممكن أيضاً التطعيم ضد الورم ولكن الفارق الكبير أن التطعيم ضد الورم يتم بعد تشخيصه وليس قبل حدوث الإصابة كما في التطعيم ضد الميكروبات. والتطعيم ضد الورم في أبسط حالاته قد يكون بأخذ عينة من الورم ثم استخلاص كل البروتينات منها ثم حقنها في المريض أكثر من مرة، وعلى فترات، على أن يكون ممزوجاً بمادة محفزة للجهاز المناعي. وقد يكون التطعيم ببروتين واحد أو بجزء من البروتين (بيبتاييد) أو الحامض النووي المستخلص من الخلايا الورمية.
- العلاج بالخلايا الشجيرية: الخلايا الشجيرية من أهم الخلايا المناعية لكونها تلعب دوراً أساسياً في تحفيز الخلايا المناعية المقاتلة والقاتلة للورم عن طريق تعريض أو تقديم الأنتيجين الورمي على سطحها لكي تتعرف عليه الخلايا المناعية القاتلة. ولأن معظم الخلايا الشجيرية في مريض السرطان ضعيفة جداً وتعاني من الهزال بسبب المواد التي تفرزها الخلايا السرطانية، فمن الأضمن تكوين هذه الخلايا الشجيرية من دم المريض في المزارع الخلوية بأعداد كبيرة في خلال خمسة أيام ثم تنشيطها وتحميلها بالأنتيجينات الورمية أيا كانت مجموعة بروتينات أو بروتين واحد أو بيبتيد أو حامض نووي ثم حقنها في المريض لتحفيز الخلايا المناعية للتعرف على الخلايا السرطانية وتدميرها.
- العلاج بالخلايا المناعية: نظراً لأن معظم الخلايا المناعية في جسم المريض في حالة سيئة نتيجة للمواد سيئة السمعة التي يفرزها الورم. فمن الأضمن فصل هذه الخلايا من دم المريض أو من داخل النسيج الورمي نفسه ثم تنشيطها في المزارع الخلوية لفترة من أسبوع إلى ثلاث أسابيع تكون الخلايا قد تكاثر عددها وبصورة كبيرة. ثم تجمع هذه الخلايا وتحقن في نفس المريض على أمل الوصول إلى الورم وتدميره. ويطبق هذا النوع من العلاج بصورة روتينية في الصين وبعض الأماكن في أمريكا وأوروبا.
- العلاج المناعي الكيماوي: نظراً لصعوبة قتل الورم بعلاج واحد فقد وجد أن الجمع بين العلاج الكيماوي ولكن بجرعة صغيرة وواحدة مع العلاج المناعي سواء كان تطعيم أو علاج بالخلايا يؤدي إلى نتائج أفضل من العلاج الكيماوي أو المناعي بمفرده. ونتيجة للنجاحات التي سجلت في شفاء الكثير من مرضى الأورام بالعلاج المناعي، فمن المتوقع أن تحدث طفرة في هذا العلاج خاصة أنه يتميز بأنه لا يضر بالخلايا السليمة ويكون مناعة مستديمة في الجسم تمنع ظهور الورم مرة أخرى.
خلاصة هذه الأبحاث التي وصلت إلى التطبيق في علاج مرضى السرطان، هو بعث الخلايا المناعية من مرقدها بطريقة مبسطة تشبه طُعم "كولي"، وذلك بدفع الخلايا المناعية بأنواعها وخاصة الغير المتخصص الموجودة بالمريض لكي تتعرف على أحد المنتجات الميكروبية فتنشط وتفرز مواد قاتلة للورم فتموت بعض الخلايا الورمية وتتحلل وبالتالي تستطيع الخلايا المتخصصة في التعرف عليها والتخلص منها تماماً. وقد قامت مجموعتي البحثية في الجامعة الطبية بكارولاينا الجنوبية وجامعة ميامي بأمريكا وجامعة طنطا بمصر بإجراء تجارب عديدة عضدت تماماً هذه الخلاصة وتم نشرها في أكثر من 20 دورية عالمية وأكثر من 70 مؤتمر دولي. هذا وأتمنى أن يتم تطبيق العلاجات المناعية الذي ظهرت حديثاً لشفاء مرضى السرطان في الوطن العربي. كما اتمنى أن تنشأ معاهد بحثية في المناعة في الوطن العربي خاصة للبحث في اكتشاف وتطوير علاجات مناعية جديدة ليس فقط للأورام بل للأمراض الأخرى أيضاً.
بريد الكاتب الإلكتروني: mohamed.labib@science.tanta.edu.eg