للبحث الدقيق يمكنك استخدام البحث المتقدم أدناه

يعتمد البحث السريع على الكلمات الموجودة داخل عنوان المادة فقط، أما البحث المتقدم فيكون في كافة الحقول المذكورة أعلاه

دور التقانات الحيوية في مواجهة ندرة المياه

  • الكاتب : د. طارق قابيل

    أستاذ التقنية الحيوية المساعد

  • ما تقييمك؟

    • ( 4 / 5 )

  • الوقت

    12:58 م

  • تاريخ النشر

    18 أبريل 2016

يهدف هذا المقال لمناقشة دور التقانات الحيوية (البيوتكنولوجي) في مواجهة ندرة المياه، وأثرها في تحسين الحياة على كوكب الأرض الذي يعاني من ندرة المياه. كما يهدف المقال لإظهار دور التقنيات الحيوية في الحفاظ على الماء وترشيد استخدامه في الزراعة عن طريق تحسين النباتات لكي يمكن زراعتها في مناطق تعاني نقص المياه كالمناطق الصحراوية، وتعزيز المناعة إزاء تشكيلة واسعة من الإجهادات البيئية مثل تعزيز مقاومة المحاصيل للظروف المناخية القاسية، مثل الصقيع، أو الحرارة الشديدة، أو الملوحة أو الجفاف. كما تقدم التقنيات الحيوية فرصة ذهبية لترشيد استهلاك المياه عن طريق استخدام طرق حيوية فعالة لتحسين كفاءة استخدام المياه في الزراعة عن طريق استخدام الكائنات الدقيقة لمساعدة النبات للتغلب على ندرة المياه، كما تساعد على الاستغلال الأمثل للمياه عن طريق إعادة استخدام المياه وتنقيتها.

تحتفل منظمة الأمم المتحدة في 22 من مارس من كل عام باليوم العالمي للمياه. أقيم هذا اليوم منذ عام 1993 للدعوة إلى تخصيص أنشطة على المستويات العالمية والمحلية من أجل التوعية بأهمية المياه والمحافظة عليها وكذلك من أجل السعي إلى إيجاد مصادر جديدة لمياه الشرب. وبالرغم من أهمية وقدسيه الماء لدى الكثير من الشعوب، إلا أنها مازالت تهدر وتلوث المجاري المائية في القرى والمدن. واليوم يفتقد نحو خمس سكان العالم للمياه النظيفة. وأشار تقرير المياه العالمي الثالث الصادر عن الأمم المتحدة إلى حقائق وأرقام مفزعة: فهناك مليار ونصف شخص ليس لديهم مصدر للمياه النقية، و3 مليار شخص في العالم ليس لديهم أي نظام للصرف الصحي. ويموت كل يوم نحو 35 ألف شخص نتيجة نقص المياه أو بسبب الاعتماد على مياه ملوثة.

ويصل متوسط الاستهلاك الفردي في أمريكا في المتوسط 400 لتر من المياه في اليوم الواحد، وهي كمية قد تكفي الفرد في بعض الدول الأفريقية لمدة شهر. غير أن نقص المياه ليس المشكلة الوحيدة فالمياه الملوثة تتسبب أيضاً في الكثير من الأمراض مثل الكوليرا والتيفود في الدول النامية لأن المياه التي تتوفر في هذه الدول النامية في معظمها ملوثة وتسبب الأمراض. ويموت يومياً نحو 6000 طفل بسبب تلك الأمراض. كل هذه الحقائق تدعو للتحرك السريع كما أكد "فوشون" مدير المجلس العالمي للمياه في افتتاح المنتدى الدولي للمياه الذي عقد في المكسيك والذي قال: "علينا الاعتراف بلا مغالطة بأن حق الحصول على مياه نظيفة هو عامل أساسي لضمان كرامة الإنسان. علينا كتابة هذا الحق في التشريعات الدولية، علينا تعليمه لأطفالنا في المدارس" وأضاف أنه التزام ديمقراطي من جانب الدول الغنية أن تزيد من الأموال المخصصة لمشاريع المياه والتي لا تتعدى 5% من المساعدات الدولية وقال متعجباً: " هذا خطأ اقتصادي كبير. الأسلحة والذخيرة موجودة أكثر مما يجب في كل أنحاء العالم، أما صنابير المياه فلن توجد أبداً بالعدد الكافي. الإدارة الجيدة للمياه تتطلب سلطة وشرعية ونزاهة".

والدور المركزي الذي تلعبه المياه لهذا الكوكب وسكانه في كثير من الأحيان هو تلخيص لعبارة 'المياه هي الحياة'. فالماء الذي يسقط من السماء يمثل بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، الأساس للحياة على الأرض. إننا نعيش في زمن من التغييرات العظيمة والأنشطة البشرية التي وضعت ضغوطا متزايدة على الدوام على كل موارد العالم بما فيها أثمن شيء وهو الماء. وتؤدي عوامل مثل سوء إدارة المياه وقلة الموارد والتضخم السكاني -خاصة في الدول النامية- إلى جعل نقص المياه خطراً محدقاً، حيث يتوقع الكثير من المراقبين أن تكون المياه سبباً رئيسياً للنزاعات الدولية في الفترة المقبلة. وبصفة خاصة في منطقتنا العربية، ويزداد الوضع توتراً بسبب الصراع على المياه، خاصة في فلسطين، حيث تتفاقم الأزمة المائية التي يعاني منها سكان المناطق الفلسطينية بسبب السيطرة الإسرائيلية على الموارد المائية للضفة الغربية وقطاع غزة بالإضافة إلى ارتفاع الكثافة السكانية والعمرانية. والفرد الفلسطيني يستهلك ما يقل عن 40 بالمئة من الحد الأدنى لحاجة الفرد في اليوم حسب معايير منظمة الصحة العالمية، ومن المتوقع أن يستمر هذا المعدل بالانخفاض لأن الحكومة الإسرائيلية لم تزد من كمية المياه المخصصة للفلسطينيين منذ 20 عام.

ولأن محطات تحلية مياه البحر باهظة الثمن، يسعى العديد من العلماء لإيجاد أساليب أخرى أقل تكلفة، من بينها تقنية لإعادة استخدام المياه المستخدمة في الاستحمام. حيث يقول البروفسور "فاجنر" من معهد أبحاث المياه بجامعة دارمشتات عن هذه الفكرة قائلا: "يمكن استخدام تلك المياه في ري الأراضي بدلاً من إهدارها أو صبها في البحر ثم اللجوء لتحلية مياه البحر".

التقانات الحيوية (البيوتكنولوجى)

يعتبر علم التقانة الحيوية أو التكنولوجيا الحيوية Biotechnology (البيوتكنولوجيا) من أكثر العلوم التقنية نمواً وتطوراً في العصر الحالي، وهو تطور سريع للهندسة الوراثية Genetic Engineering، فهو علم تطبيقي يهدف إلى إيجاد وتطوير واستعمال تقنيات بيولوجية وجزيئية متعددة لإحداث تغييرات وراثية مرغوبة في الكائنات الحية معتمداً على المنهج العلمي لاختبار فرضية نظرية بطرق البيولوجيا الجزيئية Molecular Biology. وبالتالي يمكننا تعريف التقانة الحيوية على أنها: العلم الذي يتناول طرق استعمال النظم الحيوية (كائناً حياً أو أجزاء منه) لإنتاج منتج مفيد أو خدمة مفيدة. وكلمة Biotechnology مكونة من مقطعين.. الأول Bio- مشتق من الكلمة اللاتينية " Bios" بمعنى الحياة أما الثاني Technology فيعني الطريقة المنظمة لعمل الأشياء.  وأصبحت التقانة الحيوية ذات تأثير كبير على جميع مناحي الحياة، وأحدثت الكثير من الثورات التقنية في عالم الزراعة والصناعة والطب والدواء والغذاء والبيئة، وغيرها من جميع مجالات الأنشطة البشرية.

وعلى سبيل المثال، فإن تطوير سلالات من الشعير باستخدام التقانات الحيوية المعروفة إعلامياً بالهندسة الوراثية قادرة على تحمل الضغوط البيئية القاسية يمكن أن يؤدي إلى مضاعفة انتاجية الفدان، وهو ما يمثل إضافة دخل قدره 250 مليون دولار إلى المزارعين وبالتالي إلى الدخل القومي، الأمر الذي يؤدي إلى تشجيع المزارعين والقطاع الخاص على استصلاح المزيد من الأراضي الصحراوية أو تلك التي تتميز بالملوحة العالية، مما يؤدي إلى تقليل هدر المياه في الزراعة. ونجحت التقانات الحيوية بالفعل في تعزيز المناعة إزاء تشكيلة واسعة من الإجهادات البيئية مثل تعزيز مقاومة المحاصيل للظروف المناخية القاسية، مثل الصقيع، أو الحرارة الشديدة، أو الملوحة أو الجفاف، ولكن مازالت هناك العديد من التحديات للاستغلال الأمثل لهذه التقنيات لأن ذلك يتطلب التحكم بمجموعات معقدة من المورِّثات واستخدام أساليب مناسبة لانتخاب نباتات تتحمل الجفاف. كما تقدم التقنيات الحيوية فرصة ذهبية لترشيد استهلاك المياه عن طريق استخدام طرق حيوية فعّالة لتحسين كفاءة استخدام المياه في الزراعة عن طريق استخدام الكائنات الدقيقة لمساعدة النبات للتغلب على ندرة المياه، كما تساعد على الاستغلال الأمثل للمياه عن طريق إعادة استخدام المياه وتنقيتها.

دور التقانات الحيوية في تعزيز الأمن المائي

فماذا عن دور التقانات الحيوية في تعزيز الأمن المائي في العالم؟ لقد اهتم الكثير من العلماء بهذه القضية اهتماماً كبيراً، وفي مطلع عام 2009م صدرت مطبوعة عن منظمة الأغذية والزراعة حول ندرة المياه والتقانات الحيوية. وصدرت هذه المطبوعة كجزء من سلسلة ورقات المناقشة حول الأراضي والمياه التي تصدرها منظمة الأغذية والزراعة، وتجمع هذه المطبوعة بين ورقة المعلومات الأساسية والتقرير الموجز عن المؤتمر الإلكتروني الذي تمت إدارته بتنظيم من قبل منظمة الأغذية والزراعة باعتباره واحدة من المبادرات التي اتخذت لإحياء اليوم العالمي للمياه، والذي عقد تحت عنوان "مواجهة ندرة المياه". وتم التركيز خلال المؤتمر بشكل رئيسي على استخدام التقانات الحيوية لزيادة الكفاءة في استخدام المياه في الزراعة، في حين كان هناك تركيز ثانوي على عمليتين تطبيقيتين محددتين متعلقتين بالمياه وتستخدمان الكائنات الدقيقة في مجال معالجة مياه الصرف الصحي وتطعيم المحاصيل والأشجار الحرجية بالفطريات الميكوريزية.

ويؤكد تقرير المنظمة على أن توافر المياه يمثل تحدياً لجميع البلدان، وبصفة خاصة تلك التي تفتقر للموارد المائية ويعتمد شعبها على الزراعة. كما يؤكد على أن مصطلح التكنولوجيا الحيوية الذي يشمل مجموعة واسعة من الأدوات التي تتميز بدرجات متفاوتة من التطور التقني، وتتطلب مستويات مختلفة من مدخلات رأس المال يمكن استخدامها للتخفيف من ندرة المياه في الزراعة، بما في ذلك استخدام مجموعة متنوعة من التكنولوجيات الحيوية النباتية، وعلى سبيل المثال، استخدام التقنيات الوراثية في برامج التربية الجزيئية للنباتات، والتكنولوجيات الحيوية الميكروبية، مثل استخدام الفطريات الميكوريزا بوصفها مخصب عضوي. وكان هناك توافق عام في الآراء أن التكنولوجيا الحيوية قد تؤدي دوراً قيماً في التصدي للتحدي المتمثل في ندرة المياه البلدان النامية. ودعى العلماء إلى زيادة التعاون بين الباحثين في مختلف التخصصات وجميع أصحاب المصلحة المعنيين في المشاركة في وضع حلول لمشاكل ندرة المياه في الزراعة. وناقش المشاركون أيضاً القدرة على التصميم القائم على التكنولوجيا الحيوية ونظم معالجة مياه الصرف الصحي بطريقة تجعلها تحقق المشاركة في المنتجات مثل الغاز الحيوي والذي يمكن أن يستخدم لتوليد الدخل المحلي. ويعتقد العلماء أن أخطر تهديد لإنتاج الغذاء في المستقبل سيأتي من الجفاف الذي سيحل بالعديد من دول العالم، ويرى الخبراء أن هناك عدد من التكنولوجيات الحيوية المختلفة يمكن أن تستخدم لإنتاج محاصيل أكثر قدرة على مواجهة ندرة المياه في الزراعة مثل تقنيات التعديل الوراثي، وإنتاج الطفرات النباتية المقاومة للإجهاد البيئي، وطرائق الهندسة الوراثية الحديثة وتقنيات المعلمات الجزيئية، وهي أهم الأسلحة التي تساعد على إنتاج نبات جديدة تتلاءم مع الظروف المناخية الجديدة.

وأشار الباحثون إلى أن هذه التقنيات قد استخدمت بنجاح في مجال الزراعة لسنوات عديدة، والميزة الرئيسية لها هي قصر الوقت الذي تستغرقه هذه البحوث لإنتاج نباتات تتميز بالسمات المطلوبة، ويعتقد العلماء أن هذه التقنيات من الممكن أن تؤدي إلى زيادة الإنتاجية من المحاصيل في البيئات الهشة التي أصابها الجفاف الذي يعد أكثر أنواع الإجهاد شيوعاً ويصيب أغلب المحاصيل. وبالرغم من أن العديد من التكنولوجيا الحيوية العالية متاحة على نطاق واسع في بعض دول العالم إلا أن استخدام هذه التقنيات مازال مكلفاً في الدول والبلدان النامية، ولكن من الممكن أن يبحث العلماء في هذه الدول عن الأنماط الجينية للنباتات المقاومة للجفاف والملوحة والتي تتحمل الحرارة العالية في الأصول الوراثية التي تتميز بكثرة التنوع الجيني عن طريق فحص عدد كبير من هذه النباتات في إطار البيئة المحددة التي يمكن استزراع مثل هذه النباتات بها.

ويرى العديد من العلماء أن تقنيات البيولوجيا الجزيئية بالفعل مكلفة وينبغي أن تستخدم فقط عندما لا يكون هناك أي بديل آخر. وأشارت بعض البحوث الحديثة في مجال التقنيات الحيوية إلى أن تربية النبات لمقاومة الجفاف يمكن أيضاً أن تنفذ بنجاح دون الحاجة لتقنيات عالية الكلفة مثل انتخاب السلالات في المختبر عن طريق تقنية الزراعة النسيجية التي نجحت معظم دول العالم النامي في استغلالها في تحسين المحاصيل المزرعة بها. وتم بالفعل انتخاب سلالات من النباتات التي تتحمل الإجهادات البيئية وبصفة خاصة القدرة على تحمل الجفاف، وتم إنتاج أصناف من القمح والأرز تتحمل الجفاف عن طريق استخدام هذه التقنية بالإضافة للاستخدام السلمي للطاقة النووية في إحداث طفرات لنباتات تتحمل الجفاف.

وتوفر التكنولوجيا الحيوية النباتية العديد من الفوائد للمزارعين في البلدان النامية بالرغم من أن معظم المحاصيل الحالية المعدلة وراثياً تم إنتاجها من قبل القطاع الخاص في البلدان الصناعية الكبرى إلا أن العديد من المزارعين يزرعون هذه المحاصيل في البلدان النامية. وأكدت البحوث أن هناك بالفعل جدوى اقتصادية عالية لاستخدام التعديل الوراثي لإنتاج المحاصيل المتحملة للجفاف. وأن التكيف مع ندرة المياه قد حقق بعض النجاحات الملحوظة بعد الاستعانة بتقنيات التربية التقليدية وتقنيات الوراثة الجزيئية في مجال تحمل الإجهاد الملحي (الملوحة) وهي صفة وثيقة الصلة بقدرة النبات على تحمل الجفاف نظراً لتعقد السمات الوراثية المرتبطة بمثل هذه الصفات. ولكن ليس من المرجح استخدام المحاصيل المعدلة وراثياً المقاومة للجفاف والضغوط البيئية الأخرى في المستقبل القريب نظراً لحساسية وضع هذه النباتات والتخوف من تأثيرها على العديد من النظم البيولوجية والجينية والمخاوف بشأن سلامة المحاصيل المعدلة وراثياً والتخوف من أنها قد تسبب المزيد من المشاكل في المجتمع الزراعي.

ويدافع علماء الدول المتقدمة بشدة عن استخدام طرق التكنولوجيا الحيوية الحديثة واستغلال معلومات الجينوم وغيرها من الأدوات التي تقدم ثروة هائلة من المعلومات وفهم أفضل للتغيرات في التمثيل الغذائي الخلوي التي يسببها الجفاف وعلى الجمع بين أدوات التكنولوجيا الحديثة مثل المعلوماتية الحيوية، والتعدين البيولوجي، والبروتيوميات وغيرها لتحسين صفات تحمل الجفاف في العديد من المحاصيل الهامة عالية الإنتاجية. ومن ناحية أخرى يدعو بعض العلماء للاستفادة من التكنولوجيات الحيوية التقليدية بدلاً من استغلال النصيب الأكبر من الاستراتيجيات الحديثة في والتكنولوجيا الحيوية، والإسراف في التفاؤل بأنها قادرة على تحقيق المعجزات. ومن الملاحظ أن التكنولوجيا الحيوية النباتية هي وسيلة من الوسائل العلمية المتاحة لمعالجة مشكلة ندرة المياه، وتوفر طرق زراعة الأنسجة، على سبيل المثال طريقة مثالية لانتخاب سلالات من النبات تتحمل الجفاف وخلق جيل جديد من الأنواع الهجينة للمحاصيل التي تتحمل الجفاف وارتفاع العائد منها.

كما تقدم تقنيات التهجين النباتي وتقنية انقاذ الأجنة وتقنيات زراعة المتك (الأعضاء الذكرية للنبات) وتقنيات استحداث الطفرات طرق مثالية لإنتاج أنواع جديدة من الأرز والقمح الهجين المقاومة للجفاف. ولقد نجحت العديد من الدول في التوصل إلى عدة طرق حديثة لتوليد خطوط المقاومة للجفاف من نباتات الأرز، والفول السوداني والجوز باستخدام طرق التربية التقليدية مع الطرق البيوتكنولوجية الحديثة المتمثلة في طرق زراعة الأنسجة. وللاستفادة القصوى من التقنيات السابق ذكرها، يشدد الباحثون على أن أحد التوجهات الرئيسية ينبغي أن يكون تطوير أصناف جديدة من المحاصيل الزراعية التي تتميز بارتفاع كفاءة استخدام المياه، سواء عن طريق التربية التقليدية أو بالاستعانة بالتقنيات الجزيئية. وينصح الخبراء بأن يتخذ هذا النهج فريق متعدد التخصصات يتكون من جميع الجهات المعنية وينبغي أن يساعد في المشاركة في وضع الحلول علماء البيولوجيا الجزيئية وعلماء الأحياء النباتية والوراثية ومربي النباتات والمهندسين الزراعيين بالإضافة لأصحاب المصلحة مثل المزارعين والمستهلكين والساسة المحليين، وقادة المجتمع المحلي، والسلطات المحلية والمنظمات غير الحكومية. ويحذر الخبراء من أن عدم التعاون بين مربي النباتات والتكنولوجيا الإحيائية من شأنه أن يؤدي إلى إهدار فرصاً هائلة لتطوير أنواع جديدة من النباتات في جميع أنحاء العالم. وفي سياق مماثل فمن الممكن أن تؤدي هذه الشراكة دوراً مهماً في نقل التكنولوجيا وإقامة شراكات بين القطاعين العام والقطاع الخاص لوضع الحلول التي من شأنها أن تكون فعالة ومجدية اقتصادياً واجتماعياً للمساهمة في سد الفجوة بين العلم والبحث والتطوير. ومن الممكن أن تلعب مراكز البحوث الدولية دوراً هاماً في مجال تقديم مساعدة البلدان النامية على تعزيز قدراتها في زراعة المحاصيل المقاومة للجفاف، وتقييم أدائها.

الطرق الحيوية لتحسين كفاءة استخدام المياه في الزراعة

إن إحدى أهم طرق التكنولوجيا الحيوية الفعالة التي يمكن تطبيقها لتحسين كفاءة استخدام المياه في الزراعة هي استخدام الكائنات المعروفة بالميكوريزا Mycorrhiza لمساعدة النبات للتغلب على ندرة المياه. ويمكن استخدام هذه الميكروبات كسماد حيوي (Biofertilizer) بهدف زيادة النمو وتحسين قدرة النبات على امتصاص الماء. وربما يكون استخدام الجراثيم لتحسين استهلاك النبات للماء من أكثر المواضيع إثارة، وهو يظهر الإمكانيات التي توفرها علوم التكنولوجيا الحيوية وعلوم الميكروبيولوجي للحد من آثار الجفاف على النبات، ولكن هناك العديد من التحديات التقنية التي تعيق استخدام هذه الميكروبات كمسمدات طبيعية في بعض البلدان النامية.

وأظهرت نتائج التجارب التي أجريت على مدى عدة سنوات في الهند أن استخدام الأسمدة الميكروبية يؤدي إلى انخفاض استهلاك السماد العضوي وخفض كمية المياه اللازمة للري وتقليل الإصابة بالأمراض والآفات وتحسين إنتاجية وجودة المحاصيل، وتحسين قدرة التربة على الاحتفاظ بالماء. كما أثبتت البحوث أن نقطة كفاءة امتصاص المياه في النباتات يمكن أن تتعزز في ظل وجود غيرها من الكائنات الحية الدقيقة، فعلى سبيل المثال، فأن تطبيق استخدام الميكوريزا يمكن أن يساعد في زيادة كفاءة استخدام المياه خصوصاً عند تطبيقه مع استخدام غيرها من الكائنات المفيدة مثل البكتيرية العقدية  Rhizobium عندما تقترن بتعزيز النمو عن طريق استخدام مصادر رخيصة الثمن من مصادر مثل الفوسفور والفوسفات الصخري. ويجب على العلماء اتباع نهج بسيط منخفض التكلفة يسهل اعتماد المزارعين في البلدان النامية على استخدام الميكروبات كسماد عضوي عن طريق تلقيح المحاصيل بسلالات ميكروبية من الفطريات والبكتريا التي يتم إنتاجها تجارياً باعتبارها من عوامل المكافحة البيولوجية، والتي يمكنها أن توفر زيادة كبيرة في قدرة جذور العديد من النباتات وزيادة كفاءتها في امتصاص الماء والعناصر الغذائية الأخرى.

دور التكنولوجيا الحيوية في معالجة مياه الصرف الصحي

تقدم التكنولوجيا الحيوية وسيلة هامة للمزارعين في البلدان النامية لمواجهة ندرة المياه، عن طريق إعادة تدوير المياه المستعملة ومعالجتها قبل استخدامها ثانية في المجال الزراعي، على الرغم من وجود العديد من التحديات الكبيرة من أجل صحة الإنسان وسلامة البيئية. وصار هناك العديد من تطبيقات التكنولوجيا الحيوية التي يمكنها أن أن تؤدي دوراً مفيداً في معالجة مياه الصرف الصحي، بما في ذلك استخدام النباتات والميكروبات. ومن الممكن أن تساهم التكنولوجيا الحيوية في تحسين معالجة المياه وإنتاج العوامل البيولوجية للكشف عن المعادن الثقيلة، ومبيدات الأعشاب وغيرها من الملوثات المتواجدة في المياه المستعملة. كما يمكنها تطوير مرشحات بيولوجية (Biofilters) لإزالة الملوثات، مثل المعادن الثقيلة من الماء.  وعلى سبيل المثال، فقد تم إنتاج مرشحات بيولوجية عن طريق تطوير استخدام مواد جافة من السراخس المائية العائمة المعروفة بقدرتها على امتصاص المعادن الثقيلة مثل نبات الأزولا Azolla، ومازالت البحوث جارية في مجال استخدام البكتيريا الزرقاء المعروفة أيضاً بقدرتها على امتصاص المعادن الثقيلة كمرشحات حيوية.

ولقد نجح العلماء الهنود في تطوير سلالات من الطحالب تعمل على إزالة المعادن الثقيلة والنتروجين والفوسفور من مياه الصرف العادمة لجعلها آمنة لإعادة الاستخدام في الزراعة. كما نجح الباحثون في جنوب شرق نيجيريا في تطوير طريقة بسيطة للمعالجة الحيوية لمياه الصرف الصحي، بحيث توفر وسيلة مناسبة لشرب المواشي. وطور الباحثون في ولاية اندرا براديش في الهند طريقة لتنقية مياه الأمطار لأغراض الاستخدام المنزلي عن طريق سحق البذور من أشجار "المورينجا" Moringa وبذور أشجار Strychnos potatorum وتوصلوا لنتائج إيجابية في هذا المجال. ويؤدي تلوث المياه الجوفية المستخدمة في الري إلى العديد من المشكلات البيئية والصحية، إلا أنه توافرت بعض الأعشاب من النباتات الزهرية وغير الزهرية، وبعض الأنواع من المحاصيل التي تمتص مستويات عالية من الزرنيخ في ولاية البنغال الغربية في الهند، وتم استخدامها في المعالجة البيولوجية لتلوث التربة كمرشحات لمنع جزيئات الزرنيخ السامّة من العودة إلى النظام البيئي.  وتشكل طرق التعديل الوراثي ملاذاً جديداً لتطوير الكائنات التي تستطيع عزل وتجميع المعادن الثقيلة من المياه العادمة والملوثة، ولكن في الوقت الحاضر ينبغي التركيز على النباتات والكائنات غير المعدلة وراثياً.

وتقدم طرق معالجة مياه الصرف الصحي القائمة على التكنولوجيا الحيوية فرصة عظيمة للتخلص من المعادن الثقيلة من المياه، وتوفر العديد من الكائنات وسيلة ذهبية لتحليل المواد السامة مع القدرة على إنتاج الزيوت والأسمدة والغاز الحيوي في نفس الوقت، مما يؤدي إلى تطوير العديد من الأعمال والفرص. ومن الممكن أن تساعد العديد من الطحالب وغيرها من الأنواع النباتية الدقيقة على استخلاص المواد الغذائية من المياه الملوثة، بالإضافة للتخلص من السميات العالقة بها. وهى بذلك توفر عدة مصادر للوقود والعلف أو الأسمدة نتيجة لذلك. ومن الممكن أن توفر التكنولوجيا الحيوية حلولاً رخيصة الكلفة لإنتاج كميات كبيرة من الطاقة، وتوليد الغاز الحيوي (التي يمكن استخدامها على سبيل المثال لأغراض التدفئة أو الطبخ). ويمكن أن تنتج الحمأة التي تستخدم لإعادة التطعيم أو الأسمدة والمياه المعالجة التي يمكن استخدامها في ري المحاصيل الزراعية. وقد تحققت العديد من النجاحات في هولندا وألمانيا وروسيا بعد اتخاذ النظم الحيوية كوسيلة لمعالجة المياه مما أدى إلى خفض استخدام المياه بنسبة 50 %، وقد وصل خفض استخدام المياه في بعض الحالات كما في ألمانيا إلى نسبة 92 %، وجاء الوقت لاستفادة العديد من البلدان النامية من هذه التكنولوجيات الحيوية لمجابهة تحدي ندرة المياه.

وبالطبع يحذر الخبراء من أنه إذا لم يتم علاج مياه الصرف الصحي على النحو الصحيح، يمكن أن يكون مهدداً لصحة الإنسان وسلامة بيئته، حيث مازالت تشكل سلامة المياه عن طريق المعالجة الميكروبية مصدر قلق كبير. ويدعوا الخبراء لإجراء المزيد من البحوث على بيولوجيا المياه العادمة واختيار تقنيات المعالجة المناسبة التي يمكن أن تقدمها أدوات التكنولوجيا الحيوية للقضاء على العناصر الضارة وعلى مسببات الأمراض التي قد تحتويها. ولكن من المؤكد أن التكنولوجيا الحيوية سوف تلعب دوراً هاماً وفعالاً للغاية في إدارة الموارد المائية حول العالم بشكل عام، وفي معالجة مياه الصرف الصحي على وجه الخصوص وتحمل التكنولوجيا الحيوية مستقبلاً واعداً للغاية بالنسبة لإدارة موارد المياه الزراعية وتحسين كفاءة استخدامها، مما سيكون له عظيم الأثر في الاستفادة القصوى من الموارد المتاحة لهذا السائل الساحر الذي يهب الحياة لجميع المخلوقات على وجه البسيطة.

 

بريد الكاتب الالكتروني: tkapiel@sci.cu.edu.eg

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

مواضيع ذات علاقة

0 التعليقات

أضف تعليقك

/* Whatsapp Share - 26-6-2023 */