للبحث الدقيق يمكنك استخدام البحث المتقدم أدناه

يعتمد البحث السريع على الكلمات الموجودة داخل عنوان المادة فقط، أما البحث المتقدم فيكون في كافة الحقول المذكورة أعلاه

تطوّر الذكاء الاصطناعي: هل تفكيرنا النقدي في موقفٍ حرج؟

  • محمد معاذ

    باحث وكاتب تقني في مجال الذكاء الاصطناعي

  • ما تقييمك؟

    • ( 3 / 5 )

  • الوقت

    11:39 ص

  • تاريخ النشر

    13 أغسطس 2023

يومًا بعد يوم، تقوم الحواسيب باتّخاذ العديد من القرارات المرتبطة بحياتنا كبشر. وباتت أنظمة الذكاء الاصطناعي حاضرة في مجالات الأعمال والخدمات، فهي تساعد مثلًا في أتمتة المهام الإدارية، والمعاملات المالية، ويستعين بها قسم الموارد البشرية لتقييم المتقدّمين للوظائف. أمّا على صعيد الحياة الخاصة، فهي تعطي توصيات شخصية عند التسوق عبر الانترنت، وتراقب الصحة الجسدية من خلال الاستعانة بالأجهزة القابلة للارتداء، وما إلى ذلك.

 

تطرح هذه المقالة تأثير أدوات الذكاء الاصطناعي على طريقة التفكير البشري

 

يومًا بعد يوم، تقوم الحواسيب باتّخاذ العديد من القرارات المرتبطة بحياتنا كبشر. وباتت أنظمة الذكاء الاصطناعي حاضرة في مجالات الأعمال والخدمات، فهي تساعد مثلًا في أتمتة المهام الإدارية، والمعاملات المالية، ويستعين بها قسم الموارد البشرية لتقييم المتقدّمين للوظائف. أمّا على صعيد الحياة الخاصة، فهي تعطي توصيات شخصية عند التسوق عبر الانترنت، وتراقب الصحة الجسدية من خلال الاستعانة بالأجهزة القابلة للارتداء، وما إلى ذلك.

للوهلة الأولى، يبدو لنا أنّ هذه الأنظمة تقوم بعملٍ جيد. غير أنّ نظرة فاحصة على كيفية الاستخدام لها اليوم، قد تجعلنا مخطئين في الحكم عليها كما ينبغي. وفي حين أنّ العديد من الانتقادات الحالية لتقنيات الذكاء الاصطناعي قد تكون مندرجة في خانة "الخيال العلمي"، إلا أنّ الطريقة التي يتمّ استخدامها بها، ربما تشكّل خطورة مع مرور الوقت، لأننا بتنا نعتمد على الآلات من أجل اتّخاذ القرارات نيابةً عنا ولو كانت صغيرة. وبالتالي، استبدال عمليات الحكم البشري بمخرجاتٍ مصدرها الآلة.

في تقرير نُشر على موقع مجلة "ساينتفيك أميريكان" فإنّ سائقي سيارات الأجرة في بريطانيا، قد تضخمت أدمغتهم عن المعدّل الطبيعي وذلك بسبب اضطرارهم إلى حفظ 25000 شارع في العاصمة لندن، دون استخدام نظام تحديد المواقع العالمي "جي بي إس". وقد اكتشفت عالمة الأعصاب الايرلندية "إليانور ماغواير" أنّ السائقين لديهم المادة الرمادية في منطقة الحصين أكثر من الأشخاص المتشابهين في العمر والتعليم والذكاء ولكنهم لم يقودوا سيارات الأجرة. بعبارةٍ أخرى، كان لدى سائقي سيارات الأجرة مراكز ذاكرة ممتلئة أكثر من غيرهم.

كما نجد أيضًا، أنّ البحارة القدماء كانوا نماذج في الاعتماد على الذات، حيث كانوا يستعينون بالنجوم والقمر ومراقبة اتجاه الشمس في الملاحة البحرية، ولم يكن لديهم نظام تحديد المواقع.

لكن ماذا عن الوقت الراهن؟

هناك صعوبة في العثور على سائق سيارة أجرة ينقل الراكب لوجهته لمسافةٍ لا تتعدّى بضعة كيلومترات دون الاستعانة بالهاتف الذكي أولًا. وهذا الأمر نفسه ينطبق في العلوم كعلم الرياضيات. فقبل بضع سنوات، كان بإمكان الطلاب القيام بالعمليات الحسابية كالقسمة والضرب. أمّا اليوم، معظمنا يعتمد على الآلات الحاسبة حتى في أبسط المعادلات الرياضية!

ومع ظهور برمجيات مثل "تشات جي بي تي"، بتنا الآن نستعين بمصادر خارجية أكثر بكثير من الآلات نفسها. ويبدو أنه كلّما اعتمدنا على التقنية لحل المشكلات، زاد تدهور تفكيرنا النقدي كبشر، ومهاراتنا في حل المشكلات. وهنا، يطرح السؤال: مع زيادة قدرات الذكاء الاصطناعي، هل يؤثر ذلك على القدرات الذهنية لدينا؟

لا يمكن إنكار قدرة الذكاء الاصطناعي في التأثير الايجابي على حياتنا كبشر، حيث تساهم أدوات هذه التقنية في تسريع العمليات وزيادة كفاءة العمل، وتزويدنا ببيانات ورؤى قيّمة، وغيرها. لكن مخاوف تأثير الذكاء الاصطناعي على التفكير النقدي والمهارات الذهنية لدينا كبشر تطرح نفسها بقوة.

إن أحد أبرز الإشكاليات في الذكاء الاصطناعي في الوقت الراهن تدور رحاها حول تأثيره على السلوك البشري. خصوصًا مع أدوات مثل تشات جي بي تي. فعند التفاعل مع هذه الأدوات، تكون الاستجابة التي نحصل عليها (المخرجات) موضع ثقة، وغالبًا لا يتساءل عنها الناس ولا تكون موضع تشكيكٍ بالدرجة الأولى. فأسلوب الكتابة، والبنية اللغوية التي تشبه طريقة ردود البشر، وغيرها من العوامل، تساهم في الشعور بوجود "إنسانٍ آخر" وليس مجرد نظام ذكاء اصطناعي. وبالتالي، فإنّ الكثيرين لن يتحققوا من المحتوى الذي يتلقونه. الأكاديميون هم المهتمون بتأثير هذه الأدوات علينا كبشر.

ولو عدنا إلى الوراء قبل بضعة عقود، عندما ظهر محرك البحث "جوجل"، نجد أنه أحدث ثورة في الطرق التي نصل بها إلى المعلومات، لكن في الوقت نفسه، كان له تأثير كبير على قدراتنا العقلية والمعرفية، وقد أدّى إلى تأثيرات سلبية على كيفية إدراكنا للأشياء. وهذا ما وجدته دراسة نشرت في مجلة "Computers in Human Behavior" العلمية، حول أنّ الاستخدام المتكرر لمحركات البحث كان مرتبطًا بانخفاض مهارات التفكير النقدي، وكذلك القدرة على الاحتفاظ بالمعلومات.

ومن هنا، يمكن لنا وضع تصوّرات حول تأثير الأدوات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي مثل تشات جي بي تي على مهاراتنا في حلّ المشكلات والإبداع والطريقة التي نتّخذ بها القرارات.

إنّ فوائد أدوات الذكاء الاصطناعي تساهم بالفعل في تحسين حياة البشر، لكن لا ينبغي التغاضي عن المخاطر الكامنة في تطويرها على مستوى قدراتنا الفكرية. فقد بتنا نعتمد بشكلٍ كبيرٍ على الخوارزميات، ولعلّنا ندخل "المجتمع الخوارزمي" تدريجيًا، حيث تتأثر آراءنا ومواقفنا بشكلٍ كبيرٍ بالبيانات التي تنتجها البرمجيات. لذلك، وبالنظر إلى التقدّم السريع للذكاء الاصطناعي، لا يوجد الكثير من الوقت، وينبغي وضع خارطة طريق لكيفية التعامل معه، وتقنين الأتمتة، للمحافظة على ما تبقّى من مهارات التفكير العميقة، وحتى يبقى إطار صنع القرار لدينا، نحن البشر.

 

تواصل مع الكاتب: m.maaz@arsco.org​

 


يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

      

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

0 التعليقات

أضف تعليقك

/* Whatsapp Share - 26-6-2023 */