هو أبو القاسم خلف بن عباس الزهراوي ولد في الزهراء من ضواحي قرطبة بالأندلس بين سنتي  936  و940م وتوفي بها سنة  1013 على الأرجح. وهو عالم وطبيب أندلسي عرف في الغرب باسم   Abulcasis أو Zahravius  ويعتبر أشهر الجراحين المسلمين في العصور الوسطى. وقد ظلت كتبه إلى جانب مؤلفات ابن سينا مرجعاً في أوروبا على مدى خمسة قرون. نشأ الزهراوي في مدينته الزهراء ودرس الطب على علمائها التحق بالعمل في مستشفى قرطبة الذي أنشأه الخليفة عبد الرحمن الناصر، حيث كان يُعمِل النظر في الطرق والوسائل المستخدمة في علاج المرضى وبرع فيه حتى أصبح طبيب الحكم الثاني.

يعتبر الزهراوي أب الجراحة وهو أول من فرق بين الجراحة وغيرها من المواضيع الطبية وجعلها اختصاصا مستقلا عن بقية الاختصاصات. وكان له السبق في اجراء العديد من أنواع العمليات كاستئصال الحصى من المثانة واستئصال للغدة الدرقية وشق القصبة الهوائية وإيقاف نزيف الدم بربط الشرايين الكبيرة. كما أنه أول من أجرى عملية وأدخل طرقاً وآلات جديدة على فرع الأمراض النسائية.

وإضافة إلى ذلك كان الزهراوي رائدا في العديد من التقنيات الطبية، فهو أول من استعمل خيوط الأمعاء الحيوانية في خياطة الجروح وعلم تلاميذه خياطة الجروح خياطة داخلية لا تترك أثراً مرئياً، وكيفية الخياطة بإبرتين وخيط واحد مثبت بهما. وأول من أدخل القطن في الاستعمال الطبي وأول من ابتكر القسطرة البولية واستعملها لتصريف البول أو لغسل المثانة أو لإدخال بعض العلاجات الموضعية بداخلها، وأول من قدم وصفاً دقيقاً لكيفية صنع حبوب الدواء وطريقة صنع القالب الذي تطبع فيه أو تحضر بواسطته أقراص الدواء. وشملت اسهامات الزهراوي مجال ابتكار وتصنيع الآلات اللازمة لإجراء العمليات الجراحية. وقد خصص الفصل الأخير كتابه الشهير "التصريف لمن عجز عن التأليف" للأدوات الجراحية وقدم فيه أكثر من 200 أداة جراحية ووصف بشكل مفصل استخداماتها. قدم في كتابه رسوما توضيحية للأدوات الجراحية المعدة للاستخدام في التدريس وطرق تصنيعها. ووضع تقنية لاستخراج حصاة المثانة بعد اختراع أدوات جراحية لم تكن معروفة قبل عصره. وأخرى لتفتيت الحصوات عن طريق إدخال ملقط السحق والحفار لإزالة الحجارة المتأثرة.

رائد الجراحة التجميلية

يعتبر الكثيرون في أوساط الطب المعاصر الزهراوي مخترع الجراحة التجميلية. فقد أجرى الزهراوي عمليات جراحية تجميلية قبل حوالي ألف عام من الآن. ويتحدث الزهراوي في كتابه "التصريف" عن مجموعة كبيرة من الحلول والطرق للعمليات التجميلية، بعضها لا يزال يستخدم حتى اليوم. على سبيل المثال، استخدم الزهراوي الحبر لتحديد المسار الدقيق على الجلد للجرح قبل الشروع بالعملية وهو ممارسة شائعة اليوم. ويقول الزهراوي في شرحه عملية تصحيح ضخامة الثدي نتيجة زيادة حجم الجلد التي لا يمكن علاجها بالاستئصال الغدي البسيط، "افتح جرحين تكون حافتاهما متطابقتين، ثم استأصل الجلد والنسيج الغدي بينهما وخيط حافتي مكان الاستئصال". وهذه الطريقة لا تزال متبعة في بعض الحالات حالياً.

ويعتبر كتاب "التصريف " أشهر كتب الزهراوي ألفه حوالي عام 1000 في ثلاثين مجلدا وجمع فيه تجربة خمسة عقود في ممارسة الطب وهو عبارة عن موسوعة طبية تغطي مجالات طبية مختلفة كالجراحة والصيدلة والتغذية والعلاج النفسي والكيمياء الطبية. ومن المواضيع التي تناولها الزهراوي في كتابه الحمل والولادة وطب الأطفال وتشريح جسم الإنسان والجراحة وطب العظام والعيون والصيدلة. ويقدم الزهراوي بالتفصيل الأعراض المبكرة لكل مرض ثم يعدد أسبابه المحتملة قبل أن ينهي بذكر طريقة العلاج لهذا المرض. وفي سياق ذلك، يبحث ويوضح في طريقة تحضير الأدوية المطلوبة وإعطائها للمريض وأدوات العلاج اللازمة.

وقد تُرجمت موسوعة الزهراوي "التصريف لمن عجز عن التأليف" إلى كثير من لغات العالم ولمراتٍ عديدة وكان آخرها في سنة 1908، واعتمدت في كل المدارس الطبية في الشرق كما في الغرب، اقتبس الجراحون الأوربيون عنه، حتى أنهم في كثير من الأحيان ينتحلون بعض اكتشافاته من دون أن يذكروه كمصدر أولي. وكان مؤلفه الكبير المرجع لأطباء أوروبا حتى أواخر الثامن عشر، ولا يزال هناك 40 نسخة مخطوطة من هذه الموسوعة الخالدة. وتخليداً لأعماله وضعت صورته الملونة على الزجاج القديم في كاتدرائية ميلانو الشهيرة، وفي مدينة قرطبة الإسبانية شارع يخلِّد اسمه، كذلك أطلق اسم هذا العبقري على كثيرٍ من المستشفيات والمدارس والشوارع والساحات في الدول العربية والإسلامية.

المراجع:

• www.researchgate.net/publication/45260613
• www.researchgate.net/publication/297898210
• قصة العلوم الطبية في الحضارة الإسلامية – راغب السرجاني.
• علماء الأندلس إبداعاتهم المتميزة وأثرها في النهضة الأوربية - شوقي أبو خليل.
• حضارة العرب -غوستاف لوبون.

بريد الكاتب الالكتروني: gharbis@gmail.com