تتنوعُ طرقُ انتشارِ البكتيريا بشكلٍ عام والبكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية بشكلٍ خاص لتشمل الانتقال بين الأشخاص سواء بصورةٍ مباشرةٍ أو عبر الأجسام الملوثة. الانتقال من الإنسان للحيوانات والعكس، الانتقال عبر الغذاء والماء، الانتشار خلال مرافق الرعاية الصحية، وكذلك الانتشار عبر السفر والتجارة. ولكن هل يمكن أن تقطع البكتيريا آلاف الأميال دون الحاجة لوسيط كالإنسان والحيوان؟

دفعَ هذا السؤال فريقٌ بحثي من جامعة روتجرز للقيام بدراسة أحد أنواع البكتيريا المحبة للحرارة وهي بكتيريا Thermus Thermophilus. وبسبب أنها تستوطن المياه الحارة التي تصل حرارتها إلى 71 درجة مئوية، يصعب علينا تصور انتقالها عن طريق الإنسان أو الحيوان. قام الفريق بعزل بكتيريا T. Thermophilus من مناطق معزولة ومتباعدة شملت الحصى الساخن على جبل فيزوف والينابيع الساخنة على جبل إتنا في إيطاليا، الينابيع الساخنة في منطقة El Tatio في شمال تشيلي ومنطقة Termas Del Flaco في جنوب تشيلي، والينابيع الساخنة في أوزون كالديرا في كامتشاتكا - روسيا.

لجأ فريق البحث لدراسة الذكريات الجزيئية Molecular Memories، حيث تُعد العاثيات Bacteriophages (الفيروسات التي تغزو البكتيريا) أكثر أشكال الحياة وفرةً على الكوكب، ويمكن العثور عليها في كل مكان تقريباً، ولهذهِ الفيروسات تأثير كبير على البكتيريا، فتُغيّر تعدادات وتطور المجتمع الميكروبي. عند نجاة البكتيريا التي يصيبها الفيروس فإنها تقوم بتخزين القليل من الحمض النووي الفيروسي على شكل ذاكرة جزيئية في الحمض النووي لخلاياها في منطقة محددة تسمى مصفوفة كريسبر CRISPR Array. تمتاز الذاكرة الجزيئية بقدرتها على الانتقال من البكتيريا الأم إلى النسل، وهي تشكل ذاكرة مناعية ضد هذه الفيروسات تشبه إلى حد ما الذاكرة التي يكونها جهاز المناعة لدى البشر ضد الميكروبات التي تصيبه. وجود هذه الذاكرة يتيح للعلماء اتباع ترتيب هذه الذكريات الجزيئية لمعرفة كيف تداخلت وتفاعلت هذه البكتيريا مع الفيروسات في الماضي.

في بادئ الأمر، تَوقّع القائمون على الدراسة أن تكون الينابيع الحارة التي تفصلها آلاف الأميال معزولة بما فيه الكفاية بحيث تمتلك البكتيريا التي تقطنها ذكريات جزيئية مختلفة للغاية داخل مصفوفات كريسبر لكلٍ منها، بمعنى أن البكتيريا لم تواجه نفس العاثيات وذلك بسبب المسافات المتباعدة. واعتقدوا أيضاً أن الكثير من التغييرات التطورية ستميز البكتيريا عن بعضها، ولكن ما خلصت إليه الدراسة كان خلاف المتوقع تماماً؛ فقد وجدوا العديد من الذكريات المشتركة، أي قطع متطابقة من الحمض النووي الفيروسي مخزنة بنفس الترتيب في الحمض النووي للبكتيريا من الينابيع الحارة البعيدة. ومن هنا اقترح الباحثون فرضية الجسر الهوائي Air Bridge، والتي تعني أن بمقدور البكتيريا استغلال الهواء لتقطع آلاف الأميال دون الحاجة للمسافرين من البشر، ومن المتوقع أن توفر هذه الفرضية نظرة جديدة للدراسات البيئية والوبائية حول الكيفية التي يتم من خلالها مشاركة جينات المقاومة للمضادات الحيوية ونشرها بين الميكروبات.

يسعى الباحثون لمواصلة هذا العمل بل ويطمحون للوصول إلى الطائرات بدون طيار أو بالونات البحث حتى يتمكنوا من أخذ عينات من الهواء من مواقع مختلفة في جميع أنحاء العالم، وتحديد الميكروبات هناك في محاولةٍ لتزويدنا بأدلةٍ قاطعةٍ حول فرضية الجسر الجوي.

المرجع

• Anna Lopatina, Sofia Medvedeva, Daria Artamonova, Matvey Kolesnik, Vasily Sitnik, Yaroslav Ispolatov, Konstantin Severinov. Natural diversity of CRISPR spacers of Thermus evidence of local spacer acquisition and global spacer exchange. Philosophical Transactions of the Royal Society B: Biological Sciences, 2019; 374 (1772): 20180092 DOI: 10.1098/rstb.2018.0092

البريد الالكتروني: rawaaan10001@gmail.com | elmanama_144@yahoo.com