للبحث الدقيق يمكنك استخدام البحث المتقدم أدناه

يعتمد البحث السريع على الكلمات الموجودة داخل عنوان المادة فقط، أما البحث المتقدم فيكون في كافة الحقول المذكورة أعلاه

التعليم غير الرسمي لدعم الفئات الضعيفة

  • الكاتب : د. صالح عبد العظيم الشاعر

  • ما تقييمك؟

    • ( 4.5 / 5 )

  • الوقت

    01:37 م

  • تاريخ النشر

    24 نوفمبر 2016

كلما مررت برائعة جون ميلتون "الفردوس المفقود"، خطر على بالي أن هذا العنوان لا يصلح إلا وصفاً لإنسان فقد الفرصة في التعلُّم، وحُرم هذا الحق، فعاش تائهاً في متاهات الجهل، وضل الطريق إلى فردوسه. وفي منطقتنا العربية، يزداد أعداد هؤلاء الذين فقدوا فردوسهم، بسبب سوء حال التعليم ونقص الموارد تارة، وعدم الاستقرار السياسي بين حروب وثورات تارة أخرى.

رغم كل الظروف والأحوال، يظل التعليم حقاً من حقوق الإنسان، لا تنازل عنه، بل يجب توفيره لجميع فئات المجتمع، بالكيفية التي تضمن تحصيل المعرفة، والتأثير في السلوك، ليعيش الإنسان بطريقة أفضل، فما الذي يمكن عمله للحد من أعداد غير المتعلمين، ولدعم جودة التعليم عموما؟ هذا ما يطرح بقوة مفهوم "التعليم غير الرسمي" على الساحة. والتعليم غير الرسمي يختلف عن التعليم الرسمي المعتاد في وسائله وفي أهدافه ومُخرَجاته؛ إذ هو طوعي، يعتمد على الممارسة، ويستهدف زيادة المهارات ورفع كفاءة الأداء، وليس من أهدافه الحصول على شهادة أو استكمال متطلب ورقي للتوظيف، وإن كان مساهماً في كسب العيش أحيانا،ً كما يمكن تنفيذه بدءاً بأقل الإمكانيات ووصولاً إلى أكثرها تكلفة.

ومن صور التعليم المبكر قبل المدرسي التعليم بالترفيه، وتستطيع توفيره كل من المكتبات والمراكز العلمية، والمتاحف، وحدائق الحيوان والنبات، وكذلك الأفراد من المجتمع المدني، ولعل من أقدم صوره المنتشرة في البلاد العربية نظام الكتاتيب الذي يهدف إلى حفظ القرآن والإلمام بأساسيات اللغة العربية والرياضيات.

أما تطبيقات التعليم غير الرسمي لدى المنظمات غير الحكومية فمنها تجربة مؤسسة "نبني" لخدمة الأطفال في منطقة منشية ناصر الفقيرة في القاهرة؛ لتعليمهم القراءة والكتابة وبعض المهارات، إضافة إلى افتتاح معمل كمبيوتر لتدريبهم على الأساسيات المعرفية للحاسب الآلي، مروراً بالبرامج المكتبية، ووصولاً إلى مهارات البرمجة، من خلال برنامج "اتبنى طالب" الذي يهدف بالأساس إلى محو أمية طلبة المدارس الابتدائية. وقد أثمر عن استفادة 150 طالبا وطالبة، وأعلنت مؤخراً عن مفهوم جديد للحقيبة الرمضانية؛ حيث يخصص 10% من ثمن الحقيبة البالغ 100 جنيه للتعليم، وتُوزع منها 5,000 حقيبة في المنطقة نفسها.

وتوفر "أكاديمية التحرير" صورتين للتعليم غير الرسمي، أولاها من خلال مبادرة "فاهم مش حافظ" التي توفر محتوى علمياً في شكل غير تقليدي، يتنوع مستواه بين المرتبط بالمناهج الدراسية للمرحلة المتوسطة والثانوية، والمستوى العام الذي يقدم العلم بمنظوره الأوسع، ويعتمد محتوى المبادرة على الفيديو بشكل أساسي، ويتنوع بين العلوم الطبيعية والرياضيات، والتكنولوجيا، والصحة، والعلوم الاجتماعية والإنسانية، وغيرها، ويتيح للدارس تقييم نفسه من خلال نقاط الفهم.

والصورة الثانية من خلال مبادرة "انزل علِّم"، والتي تهدف إلى نشر التجربة التعليمية إلى خارج شبكة الإنترنت، من خلال حث المعلم أو المتطوع على ذلك، وتوفير محتوى تعليمي، ودليل إلكتروني لاستخدامه، والموقع التعليمي الذي يقدم تجربة تفاعلية تعتمد على إدخال عناصر الألعاب في التعليم. وتخدم مبادرة "المصريون يتعلمون" نوعاً آخر من الناس هم سكان المناطق النائية؛ إذ افتتحت 3 فصول لمحو الأمية في مركز الفرافرة بمحافظة الوادي الجديد، الذي تفشو فيه الأمية، وتتضمن المبادرة برنامجاً مدته 3 شهور، مع منح المعلم المتعاقد مكافأة شهرية وأخرى إضافية عن كل دارس يجتاز امتحان محو الأمية.

ويبدو التعليم غير الرسمي ذا فائدة قصوى في حالة تنفيذه لصالح اللاجئين، نظراً لارتفاع احتمالات عدم الالتحاق بالتعليم الرسمي لديهم. ففي عدة تجارب ناجحة، نفذت اليونسكو مشروعاً للتعليم غير الرسمي في مخيم الزعتري، استغرق ستة أشهر انتهت في فبراير 2016، ويحوي برنامجه دروساً أساسية في اللغة العربية والرياضيات، مع جلسات للدعم النفسي والاجتماعي، إضافة إلى الموسيقى والأنشطة الترفيهية، واستفاد من المشروع أكثر من 200 طفل.

ونفذ المعهد الوطني لحقوق الإنسان مشروعاً مماثلاً في محافظة كركوك بالعراق في إبريل ومايو 2015، لخدمة 50 طفلاً من الطلبة النازحين، نظراً لوقوع مناطقهم (الأنبار، ديالي، صلاح الدين، نينونى) تحت الصراعات المسلحة وتدمير البنية التحتية لها. وبالإضافة إلى تعليم الطلاب، جرى تزويدهم بالكتب والقرطاسية، وتوفير غذاء يومي لهم، ووسيلة لنقلهم إلى أماكن الدراسة وأداء الاختبارات. وتبقى الجهود أيضًا غير مواكبة للأعداد المتزايدة باستمرار من اللاجئين، فعلى سبيل المثال يبلغ عدد الأطفال في مخيم الزعتري 25 ألف طفل سوري ضمن أعمار التعليم المختلفة، مما يستوجب تكثيف الجهود، وإدخال شركاء من غير المنظمات الدولية لتعزيز البرامج وزيادة فائدتها.

وتكمن الصعوبات التي تواجه التعليم غير الرسمي في عدة أمور، منها طبيعة المتعلمين أو المستهدَفين بالتعليم، ففي الغالب تكون لديهم صعوبات في المهارات الأساسية للتعلُّم نظراً لانقطاعهم عن الدراسة. إضافة إلى ضعف مستوى الثقة بالنفس بسبب الظروف المحيطة بهم، ويمكن معالجة هذا الأمر بإدخال برنامج للدعم النفسي والاجتماعي بجوار المحتوى التعليمي.

كما أن الصراع الاجتماعي يمكن أن يكون عقبة، كأهالي الأطفال الذين يرغبون في شغل وقتهم بالعمل ليكونوا مصدر دخل لهم، أو ذوي النساء الذين يعترضون على تعليمهن في بعض البيئات، وكذلك الأطفال الجانحون في السجون أو في دور الرعاية النفسية، بما يوجب حواراً مجتمعيّاً داعِماً لهذا النوع من التعليم في البيئات الأكثر فقراً. وينبغي التنبُّه إلى تنظيم آليات التعليم غير الرسمي، والتحدي الأكبر فيما أرى هو إيجاد دافع للفئات المستهدَفة، تتيح لهم رؤية الفائدة المباشرة التي تعود عليهم من هذا النوع من التعليم.

 

المقال بصيغة PDF للقراءة والتحميل أعلى الصفحة

 

بريد الكاتب الالكتروني: shair2007@gmail.com

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

مواضيع ذات علاقة

0 التعليقات

أضف تعليقك

/* Whatsapp Share - 26-6-2023 */