يعتبر حرير العنكبوت Spider Silk أقوى مادة حيوية عرفها الإنسان على سطح كوكب الأرض حيث تُعد أقوى الألياف الطبيعية، وتقدر قوة الشد لخيط العنكبوت بنحو 1.3 جيجا باسكال. وقد تعددت الاستخدامات المذهلة له حيث أصبح نسيج العنكبوت مادة أساسية تستخدم في الكثير من المجالات والتطبيقات الصناعية والتكنولوجية والطبية أيضاً.
ولكن الخشب الفائقSuper Wood ذلك الابتكار القادم والواعد قد يسحب البساط عن حرير العنكبوت وتصدره قائمة أقوى الألياف الحيوية، وذلك بفضل الأبحاث والدراسات العلمية التي كرسها العلماء في السنوات الأخيرة في دراسة تطوير استخدامات ألياف السليلوز CNFS Cellulose Nanofiberالمشتق من لب الخشب والتي كان آخرها الابتكار المذهل الذي توصل له الباحثون في المعهد الملكي للتكنولوجياRoyal Institute of Technology (KTH) في السويد. وذلك في دراسة نشرت في المجلة العلمية المختصة بأبحاث النانو التابعة للجمعية الكيميائية الأمريكية Journal of American Chemical Society (ACS Nano).
حيث توصل العلماء في هذه الدراسة إلى اختراع جديد وهو إنتاج أقوى مادة حيوية غير كيميائية -حتى الآن- وذلك من خلال صناعة ألياف نانوية سيللوزية باستخدام الأشعة السينية من نمط بيترا 3. لقد اعتمدت هذه الدراسة على تقنية جديدة لإنتاج مادة (فائقة القوة) وهي تكنولوجيا ألياف النانو الخشبية من خلال تطوير مادة بيولوجية جديدة من ألياف النانو الخشبية أطلق عليها تسمية الخشب الفائقSupper Wood . وتعتمد تقنية ألياف النانو الخشبية على تكثيف ألياف النانوالسيللوزية CNFS حيث تقوم هذه الألياف بجعل جدران الخلايا قاسية وقوية وتؤدي إلى تكوين مادة متينة أقوى من الفولاذ.
وأكد الفريق العلمي في سياق هذه الدراسة العلمية الهامة أن هذه الألياف السيللوزية هي أكثر مرونة وقوة بكثير من المادة التي تنتجها العنكبوت والتي تصنف بأنها أقوى المواد الطبيعية القابلة للتحلل على الإطلاق، فهذه الخيوط الجديدة ستكون أقوى ثمان مرات من خيوط حرير العنكبوت، وفي الوقت نفسه ستنافس متانتها الفولاذ والألياف الزجاجية ومعظم المواد الاصطناعية الأخرى. كما أنّ لهذا الاكتشاف وجهًا آخر، إذ تمتاز هذه الألياف بخفّة وزنها، الأمر الذي يرجّح بأنّها ستكون أساسية في الكثير من الصناعات والاستخدامات، كالسيارات والأثاث والطائرات. ولأنّ السيللوز، وهو المكون الأساسي للنبات، مادّة طبيعيّة لا يصدّها الجسم، ولا يتحسس منها أبدًا، لذلك يتوقع استخدامه بشكل كثيفٍ في المجال الطبي.
وقال دانيال سودربيرغ، المؤلف المشارك في الدراسة: "ستغير تلك التقنية الشكل المتعارف عليه في حياتنا وتجعلها أكثر مرونة، عن طريق الاستفادة بالبنية النانونية المثالية". والجدير بالذكر أن السيلولوز الذي يُعدّ المكون الرئيسي لألياف النباتات يجتذب الاهتمام باعتباره مادة جديدة واعدة خفيفة الوزن ومتينة ورفيقة بالبيئة. وتعد اليابان التي تغطي الغابات 70% من مساحتها رائدة في العالم في الأبحاث المتعلقة بألياف النانو سيلولوز وتطويرها. وتحتدم المنافسة حاليا بين الدول الغنية بالغابات في شمال أوروبا وأمريكا الشمالية على تطوير تطبيقات لهذه الألياف القوية.
يعود الاهتمام بألياف النانو سيلولوز إلى وزنها الخفيف ومتانتها، حيث قد يصل وزنها إلى خُمس وزن الفولاذ وقوتها خمسة أضعافه. ويمكن صناعة أجزاء سيارات خفيفة ومتينة من خلال دمجها مع البلاستيك أو المطاط. ويعكف الباحثون على إجراء أبحاث لاستبدال الحديد بهذه الألياف في صناعة هياكل السيارات وأغطيتها ما يجعل من السيارات أخف وزنا وأكثر كفاءة في استهلاك الوقود. كما سينخفض مقدار إنبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون. ومن الممكن أن يتم إدخال هذه الألياف في صناعة هياكل الطائرات بشكل مشابه لاستخدام ألياف الكربون.
وبالإضافة لذلك، يمكن استخدام ألياف CNFsفي صناعة زجاج متين ومقاوم للتشوهات الحرارية. وعلى اعتبار أن هذه الألياف تقاس بالنانو (يعادل واحد من المليار من المتر) فإنها تسمح للضوء المرئي بالمرور من خلالها وبالتالي يمكن معاملتها كمواد شفافة بصريا. ونظرا لأن ألياف CNFsتمتلك مساحة سطح خاصة كبيرة (مساحة سطح المادة لكل وحدة كتلة)، يمكن صناعة مرشحات من تلك الألياف تجمع جزيئات الغبار الدقيقة أو صناعة مزيلات رائحة العرق التي تمتص المواد المجهرية المطلقة للروائح. كما يمكن المحافظة على المنتجات الغذائية طازجة من خلال مواد تغليف تستخدم غشاء رقيقا مصنوعا من ألياف CNF كعامل مختزل.
إن ألياف CNFs عالية اللزوجة في الماء ويمكن استخدامها كمضافات غذائية تساهم في إعطاء خاصية مطاطية للأطعمة. من الممكن استخلاص السيلولوز تقريبا من جميع النباتات مثل خشب الأشجار وقش القمح والأرز وسيقان الذرة والقطن وإن توافره بشكل واسع يعني أن العبء البيئي الذي يشكله أقل، أي أنها مادة صديقة للبيئة.
المراجع
البريد الالكتروني للكاتب: abualihakim@gmail.com